IMLebanon

“بورصة” الحسابات من حلب الى بيروت

aleppo

كتب وليد شقير في صحيفة “الحياة”:

يتفق غير مصدر سياسي لبناني وديبلوماسي أجنبي وعربي، على أن التطورات الإقليمية وتعقيداتها الأخيرة تجعل الأزمة اللبنانية في الثلاجة وتحيل جهود إنهاء الشغور الرئاسي إلى حالة الانتظار لهذه التطورات مرة أخرى، ما يؤدي إلى استبعاد أي تقدم على هذا الصعيد في القريب المنظور، ويدفع بالعديد من القادة إلى التخفيف من الآمال من الاجتماع المقبل لهيئة الحوار الوطني في 5 أيلول (سبتمبر) المقبل.

ويقول أحد الديبلوماسيين المنخرطين في تفاصيل الأزمة اللبنانية أن الوضع الإقليمي متحرك ومتقلب في شكل مستمر بحيث أن “بورصة” التوقعات المستندة إلى أي جديد في المنطقة لا تلبث أن تتغير فتعدل بالحسابات التي يكون استند إليها البعض في التقديرات حول انعكاسات هذا الجديد على الأزمة اللبنانية. ويعتبر الديبلوماسي نفسه أن الأسابيع الماضية فتحت باباً على سبيل المثال، لآمال بأن تؤدي معركة حلب التي خاضها النظام السوري وحلفاؤه للسيطرة على المدينة ولإحكام الحصار على مناطق المعارضة فيها، إلى رجحان كفة تحالف روسيا – بشار الأسد – إيران – “حزب الله”، على سائر الدول الأخرى المؤيدة للمعارضة. وكانت هذه الآمال ترتقب تنازلات من المحور الإقليمي الآخر بانتهاء الحصار على حلب، وبخروج تركيا من المعادلة، لا بد من أن تدفع الفريق اللبناني الخصم لـ “حزب الله” إلى تقديم تنازلات على صعيد الرئاسة في لبنان بحيث تقبل بانتخاب زعيم “التيار الوطني الحر” رئيساً للجمهورية.

ويشترك الديبلوماسي نفسه مع قوى سياسية لبنانية في القول إن هذه الحسابات حصدت الخيبة لأنه تبين أن معركة حصار حلب تمهيداً للسيطرة عليها، لم تنته فصولاً، وأن المعارضة استطاعت كسر الحصار وحالت دون نجاح المحور المذكور في قلب المعادلة، هذا إذا صح القول إنه لو نجح في معركة حلب كان سيحصد النتائج لمصلحته في بيروت.

وتفيد معلومات أحد الأحزاب اللبنانية بأن المحادثات التركية الإيرانية الأخيرة أثناء زيارة وزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى أنقرة انتهت إلى تشديد الجانب التركي على أنه لن يسمح بتغيير الواقع في حلب لمصلحة النظام السوري وحلفائه وأن حكومة حزب “العدالة والتنمية” لن تتخلى عن دورها في شمال سورية، والذي تعتبره حيوياً لأمنها، مهما كانت انشغالاتها الداخلية في متابعة تداعيات محاولة الانقلاب التي حصلت ضدها، ومهما تقاربت وجهتي النظر الإيرانية والتركية حيال رفض قيام كيان كردي مستقل في سورية، أو في شأن محاربة “داعش”. وتؤكد معطيات فرقاء لبنانيين في قوى 14 آذار أن الدعم التركي كان حاسماً في مساندة الفصائل المعارضة المقاتلة بالسلاح والدعم اللوجستي لكسر الحصار، وهو ما يناقض تقييم الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله في خطابه في 29 تموز (يوليو) الماضي، الذي رأى فيه أن حصار حلب أسقط الأحلام الأمبراطورية (العثمانية) وأن على خصوم إيران الإقليميين ولا سيما السعودية التقاط فرصة التفاوض.

وتسأل مصادر قيادية في 14 آذار وفي تيار “المستقبل” وأخرى وسطية، عما إذا كانت رهانات “حزب الله” على تطورات الميدان السوري وحتى على مجريات الصراع في اليمن مع السعودية، تسمح بالتفاؤل بإمكان فصل الحلول للأزمة السورية عن الوضع الإقليمي. وهذه المصادر على قناعتها بأن إيران، عبر “حزب الله”، ما زالت تمسك بورقة الشغور الرئاسي في لبنان لمقايضتها في الصراع الإقليمي أو في أي مفاوضات تتناول ميادين الصراع المتعددة، بدليل أن الحزب يكتفي بالدعوة إلى تفعيل المجلس النيابي والحكومة في هذه الظروف ولا يبذل أي جهد مع حلفائه من أجل ترجيح كفة العماد عون للرئاسة منذ حصوله على دعم “القوات اللبنانية”.

هل يمكن التحرك المصري خلال الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية سامح شكري الثلثاء المقبل أن يشكل خرقاً لانسداد الأفق الإقليمي للمخارج من الانتظار اللبناني وما الذي تستطيع مصر تقديمه؟

سألت “الحياة” السفير المصري الدكتور محمد بدر الدين زايد عما يقصده من أن زيارة الوزير شكري “ستحمل أفكاراً جديدة حول الشأن اللبناني وإذا كانت هناك مبادرة لإنهاء الشغور الرئاسي”، فأجاب: “الزيارة تحرك استكشافي يتضمن ترتيبات استثنائية، بهدف المساعدة في تهيئة الأجواء لبدء عملية سياسية من أجل حلحلة الموقف في لبنان، لأن الوضع الذي يمر فيه لجهة الفراغ الرئاسي لا يمكن أن يستمر إلى ما لانهاية”. وأضاف: “إلا أن هذا التحرك الاستكشافي لا يشمل طبعاً تأييد شخص بعينه من المرشحين للرئاسة لأننا في مصر نؤيد من يتفق عليه الفرقاء اللبنانيون. وبالتالي بإمكاننا القول إن التحرك المصري يهيّء لبلورة أفكار يمكن أن تصبح مبادرة، ولا نريد استباق الأمور قبل استطلاع المواقف”.

ومع حرص الجانب المصري على إبقاء الأفكار التي يحملها بعيدة من التداول لأنها متروكة لما بعد اللقاءات التي سيجريها مع سائر القوى السياسية، سرت تكهنات عن أن بإمكان القاهرة أن تلعب دوراً مع طهران لدفعها إلى الإفراج عن الرئاسة في لبنان، بعد المحاولات التي بذلتها باريس وموسكو في هذا الصدد من دون نتيجة.

تفيد مصادر حكومية في هذا الصدد أن آخر المحاولات كانت من جانب رئيس الحكومة تمام سلام مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي حين زار بيروت قبل أسبوعين، حين رد سلام على تأكيد بروجردي أهمية وحدة الموقف اللبناني كأساس لمواجهة الأعداء بالقول: أنتم دولة كبيرة في المنطقة ومؤثرة ونحن في حاجة إلى دعمكم في معالجة أزمتنا. وحين تشكلت هذه الحكومة بعد تأخير جاء دعم من الخارج جعلها تبصر النور وكانت هناك جهود معكم في هذا الشأن. أنتم قادرون الآن على المساعدة في إنهاء الشغور الرئاسي لأن استمراره يؤدي إلى انهيار البلد. وسبق أن قلت لك قبل 8 أشهر أننا نتكل على العقلاء للملمة الأمور، لأن لبنان التعددي قائم على الميثاقية الغائبة في ظل غياب رئيس الجمهورية المسيحي. وضرب الميثاقية هو أكبر خدمة لإسرائيل التي تقوم على العنصرية والتفرقة والأحادية.

واكتفى بروجردي بالرد بأن موقف طهران هو أن الرئاسة شأن داخلي وتؤيد اتفاق اللبنانيين، “ومع ذلك سأنقل هذا التمني إلى القيادة الرسمية في إيران”. لكن أي جواب لم يأت من طهران.