IMLebanon

لا “ميثاقية”… بل ميثاق يسقطه السلاح! (بقلم رولان خاطر)

weapon-background-hezbollah

 

كتب رولان خاطر

 

“بدع” كثيرة وألفاظ جديدة بدأت تتسرّب إلى النظام اللبناني، وكلّها تهدف الى شق طريق “المثالثة” وتغيير هوية النظام اللبناني. ومن هذه البدع ما سمي بـ”الميثاقية”، نسبة إلى “الميثاق” بين اللبنانيين عام 1943.

لا يختلف اثنان أن أولى ملامح ضرب “الميثاق” بعد اتفاق الطائف بدأت في مؤتمر “سان كلو” عند تسريب “حزب الله” وإيران سراً، أن “المثالثة” يجب ان تكون صيغة الحكم الجديدة في لبنان. وهو أمر بجوهره يسقط أولى ركائز “الميثاق”، الذي يعتمد على الشراكة بين المسيحيين والمسلمين، وليس بين المذاهب.

فبعد الاتفاق الذي تم بين الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح، على تخلّي المسيحيين عن الإنتداب الفرنسي مقابل تخلّي المسلمين عن المطالبة بالوحدة العربية، مرّ لبنان بمحطات دموية عدة، وأحداث سياسية وأمنية، أوصلت الى اتفاق الطائف عام 1989، الذي أعاد النظر في الصلاحيات وكرّس مبدأ “المناصفة” بين الطوائف بعيداً عن منطق العددية.

إلا أن الممارسات ما بعد الطائف لم تنصف المسيحيين، ولم تحافظ على أصول الشراكة المسيحية – الاسلامية، التي تعتبر أولى ركائز “الميثاق”، وذلك بفعل عوامل عدة أبرزها الوصاية السورية على لبنان، وتطبيق “الطائف” بشكل مشوّه جداً.

في العام 2005، كان التحالف العريض لقوى 14 آذار، الذي أعاد التجديد والتمسك بالميثاق عبر إصرار الفريق السنّي على “المناصفة” في الحكم.

في المقلب الآخر، كان “حزب الله” يفني لياليه سهراً على نسج مخططات تعمل على تغيير جوهر النظام، لاستبدال صيغة المناصفة بـ”المثالثة” عبر إدخال “الفيتو” الشيعي في صلب ممارسة الحكم، وبالتالي خلطٌ “خطر” بين مفهومَي الميثاق وصيغة الحكم.

ففي العام 2006، أنتج الفكر الثنائي – الشيعي ما عرف بـ”الميثاقية”، عندما قرر الخروج من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، واعتبارها غير شرعية لأنها تناقض ميثاق العيش المشترك، ضارباً، وعن سابق تصوّر وتصميم مبادئ “الميثاق”، عبر الطعن بمبدأ “المناصفة”، فحوّل منطق التوازن، من توازن طوائفي إلى توازن مذهبي، وباتت اللعبة السياسية تنحو باتجاه محدّد المعالم، “غير ميثاقي”، يضرب “المناصفة” في الحكم، ويؤسس لصيغة جديدة، تؤدي إلى تغيير مرتكزات الشراكة الاسلامية – المسيحية، من شراكة بين الطوائف إلى شراكة بين المذاهب. وما بدأه تحت وطأة السلاح ومفاعيل حرب تموز 2006، استكمله بتكريسه عرفاً ضمن اتفاق الدوحة الذي اعقب استعمال “حزب الله” سلاحه في الداخل في 7 أيار 2008.

وفي إطار هذا التوجه لتغيير الصيغة اللبنانية، عطّل ويعطّل “حزب الله” الانتخابات الرئاسية في لبنان. فلا يحترم “التراتبية الميثاقية” في الحكم، بمعنى أنه يسقط الاستحقاقات، فيمنع انتخاب “الرئيس المسيحي” تحت حجة محاولة فرض التوافق على العماد ميشال عون، وهو بذلك، يمعن في خرق الدستور وأسس الحكم البرلماني، عبر تطيير الآليات الديموقراطية في النظام البرلماني الديمقراطي، وفرض عملية “تعيين” رئيس وليس “انتخاب” رئيس، عبر خطة ممنهجة لفرض روحية اتفاق الدوحة مكان اتفاق الطائف.

وضمن هذه المعادلة، ثمة تساؤلات جمّة تطرح بشأن مدى مشروعية استخدام “الميثاقية” نسبة إلى “الميثاق”، في المواجهة التي يعتمدها “التيار الوطني الحرّ” من أجل صون القرار المسيحي الوطني:

أولا، ألا يعتبر ممارسة الاستنسابية في تفسير الدستور من قبل “التيار” وحليفه “حزب الله”، لجهة أحقية مقاطعة جلسات انتخاب رئيس الجمهورية المسيحي، ضرب للميثاق؟

ثانياً، أليس تعطيل الانتخابات الرئاسية تحت حجة ايصال الأكثر تمثيلا إلى الرئاسة، و”الرئيس القوي”، يخالف طبيعة النظام البرلماني الديمقراطي الذي يصر اللبنانيون عليه، ويساهم بقصد او غير قصد بتغيير هوية النظام في لبنان وضرب مداميك الدستور لأجل منفعة ذاتية ومصلحة شخصية، هو ما يشكل اعتداء على “الميثاق”؟

ثالثاً، ألا تُعتبر تغطية سلاح ميليشيا “حزب الله” وتبرير ممارساتها وقتالها في الداخل كما في الخارج إسقاطاً للـ”الميثاق” لأنه يؤمّن للبعض فرصة الاستقواء على الدولة؟

رابعاً، ألا تشكل مصادرة السياسة الخارجية للبنان، ومعاداة المحيط العربي والخروج عن الاجماع العربي نقيضاً لهوية لبنان العربية التي تم تكريسها في ميثاق الـ43 وميثاق الطائف، ما يساهم يضرب “الميثاق” الذي أقرّ عروبة لبنان؟

إلا ان الأساس والأهم في موضوع “الميثاق”، هو وجود سلاح خارج سلاح الشرعية اللبنانية، الذي يناقض بوجوده مفاهيم واحكام الدستور والميثاق والعيش الحر لكل المكونات اللبنانية.

فلولا امتلاكه للسلاح غير الشرعي، لما تحكمّ “حزب الله” بمفاصل الاستحقاقات الدستورية وبمنطق التحولات السياسية والأمنية في لبنان.

ولولا السلاح، لما استطاع “حزب الله” أن يعطل حكومة السنيورة في الـ2006، وأن يسقط حكومة سعد الحريري في الـ2011.

ولولا السلاح لما استطاع أن يصادر ويشترط ويساوم على الرئاسة وأن يعطلها، ولما استطاع الشيخ نعيم قاسم أن يقول “إن طريق رئاسة الجمهورية محدّدة”. فهل حدّد المسيحيون يوماً رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس الوزراء؟

إذاً، السلاح ثم السلاح، هو أكبر انتهاك للميثاق، وهو وحده يعطي “حزب الله” السطوة لفرض أسلوب نهج جديد في الحكم، ويعطي “التيار الوطني الحرّ” قدرة الاستقواء على الآخرين في ممارسة الحكم.

فـ”حزب الله” كما بات واضحا، يريد وأد الاتفاق التاريخي بين المسيحيين والمسلمين، الذي نقلهما من الولاء الطائفي إلى الولاء الوطني، لتكريس معادلة جديدة تعتمد “المذهبية” في الشراكة بدلا عن الطوائفية، من أجل الوصول الى غايته المنشودة وتغيير جوهر الصيغة اللبنانية ودفن الميثاق.