IMLebanon

على ماذا يراهن الحريري؟

saad-al-hariri-new

كتب محمد شقير في صحيفة “الحياة”:

على ماذا يراهن زعيم تيار “المستقبل” الرئيس سعد الحريري باستدارته مجدداً في اتجاه إمكان الوصول إلى تسوية مع رئيس “تكتل التغيير والإصلاح” العماد ميشال عون، بدءاً بانتخابه رئيساً للجمهورية في ظل تراجع الخيارين الآخرين: بقاء الوضع على حاله أو الدخول في مواجهة مفتوحة تؤدي حتماً إلى تمديد الشغور في الرئاسة الأولى، وهل لديه ملء الثقة بتفهم حلفائه لموقفه هذا وبتأييد غالبية كتلته النيابية وكسب رضا شارعه من دون إحداث تداعيات تستدعي منه أن يعيد النظر بخياره؟

يقول عدد من الذين التقوا الحريري أخيراً، من أصدقائه وحلفائه وأعضاء في كتلته النيابية، إن زعيم “المستقبل”، وإن كان لم يتخذ قراره النهائي بدعم ترشح عون للرئاسة، فإنه في المقابل يرى أن هناك استحالة في التفاهم على تسوية لإنهاء الشغور الرئاسي من دون أن يكون “الجنرال” مشمولاً فيها.

وينقل الأصدقاء عن الحريري قوله إن “البلد يتفتت وينهار تدريجياً ولم يعد من الجائز عدم التحرك لعلنا نتمكن من إنقاذه، وللأطراف المحليين دور في هذا الخصوص وإلا سنبقى نراوح مكاننا وصولاً إلى أفق مسدود. وكنا أول من أطلق مبادرة لإنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية لأن انتخاب الرئيس هو المفتاح الوحيد لتوفير الحلول للمشاكل العالقة”.

ويؤكد هؤلاء أن الحريري يتعامل مع الصمت حيال اقتراب البلد من حافة الانهيار على أنه جريمة، وينقلون عنه أن كتلته النيابية ستتفهم في نهاية المطاف الدوافع التي أملت عليه طرح خيار التسوية السياسية مع العماد عون وأنه حريض على التواصل معها كما الحلفاء أيضاً.

ويراهن الحريري أيضاً على أنه لن يواجه مشكلة في شارعه السياسي وإن كان التواصل معه أكثر من ضرورة “لأننا في حاجة إلى إقناعه بخيارنا وقد نواجه صعوبة في ذلك لكننا سنجد تفهماً في نهاية المطاف”. كما يعترف بوجود معارضة في داخل كتلته النيابية وهو يراهن على استيعاب بعضها دون البعض الآخر وبالتالي سيحترم القرار الذي سيتخذه هؤلاء.

ومع أن بعض أصدقاء الحريري يصغون باهتمام إلى عرضه الدوافع التي أعادته إلى الرهان على إمكان التوصل إلى تسوية مع العماد عون، فإن بعضهم الآخر يحتفظ لنفسه بتسجيل مجموعة من الملاحظات يفترض من وجهة نظره أن تكون حاضرة لدى استئناف النقاش داخل كتلة “المستقبل”.

ومن الملاحظات التي يطرحها هذا البعض: لماذا قرر الحريري أن ينبري في تواصله مع كتلته النيابية وحلفائه، لاستمزاج رأيهم في خياره التسوية مع عون وهو الحليف اللصيق لـ “حزب الله” الذي لم يبادر للقيام بأي جهد لدى حلفائه لإقناعهم بصوابية قراره دعم ترشحه لرئاسة الجمهورية؟ إضافة إلى أنه لم يكن مضطراً للإيحاء وكأنه يعاني من “عقدة ذنب” تلاحقه باستمرار بذريعة أنه المتهم بتعطيل البلد وإقحامه في شلل دائم وأن الخروج منها لن يكون إلا بانتخاب عون رئيساً؟

ويسأل هذا الفريق من الأصدقاء عن الأسباب الموجبة التي اضطرت الحريري إلى أن يضع نفسه تحت المجهر ويتحمل وحده مسؤولية إعاقة انتخاب الرئيس مع أن كتلته النيابية لم تقاطع الدعوات التي وجهها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لانتخاب الرئيس والتي بلغ عددها حتى الآن 45 دعوة.

ويؤكد أيضاً أن كتلته النيابية ستقف إلى جانبه ولن تتخلى عنه، لكنه يسأل عن رد فعل “التيار الوطني الحر” في حال أن الحريري لم ينجح في تسويق عون رئيساً، وهل سيعاود هجومه عليه بعد أن قرر مهادنته، تارة بذريعة أنه ليس صاحب قرار وأخرى بأن المملكة العربية السعودية ضغطت عليه مجدداً للعودة إلى البحث عن تسوية مع عون؟ ولم يستبعد هذا الفريق، ومن وجهة نظره أيضاَ، أن يعاود “التيار الوطني” تحميله مسؤولية تعطيل البلد فيما عون لم يحرك ساكناً حيال نقاط الاختلاف التي ما زالت قائمة وكأنه باقٍ على موقفه من سلاح “حزب الله” في الداخل ومشاركته في القتال في سورية إلى جانب النظام ضد المعارضة.

ويرى هذا الفريق أن تسجيل مجموعة من الملاحظات لا يعني حكماً أنه يراد منها الترويج لدعم ترشح زعيم تيار “المردة” النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. ويؤكد أن الحريري الذي هو واحد من الزعامات الوطنية ليس مضطراً لأن يقحم نفسه في زواريب الاستحقاق الرئاسي وهو الوحيد من أطلق المبادرات لإنهاء الشغور في الرئاسة الأولى. خصوصاً أن التعطيل يقع على عاتق من يقاطع جلسات الانتخاب.

ويبدي الفريق نفسه خوفه من أن يؤدي تعذر التوافق على عون إلى إقحام “المستقبل” بالإرباك وإظهاره على أنه الحلقة الأضعف على رغم أن المشكلة ما زالت عند الطرف الآخر. وبالتالي فإن الحريري في غنى عمن يدفعه إلى إضعاف موقفه وإظهاره بأنه مكشوف الظهر.

ومع أن هذا الفريق لا يملك معلومات تتعلق بفحوى المداولات التي جرت بين الحريري من جهة وبين رئيس البرلمان ورئيس “اللقاء النيابي الديموقراطي” وليد جنبلاط من جهة ثانية، فإن الأخير لم يتردد في مكاشفته له بأنه سيبقى إلى جانبه ناصحاً إياه بالعودة إلى شارعه وجمهوره وكتلته لأن لمزاج الشارع دوراً لا يمكن تجاهله ويجب أن يؤخذ في الاعتبار لأنه هو الذي يؤمّن الحصانة الشعبية ويوفّر الغطاء وبالتالي من غير الجائز تجاهله وهو من أثبت حضوره إلى جانبك في السراء والضراء وشكّل ويشكّل على الدوام رافعة لـ “المستقبل”.

وعليه لم يقل الحريري حتى الساعة الكلمة الفصل في التوافق على تسوية للأزمة السياسية بانتخاب عون، ولا يزال في مرحلة “جس” نبض من يعنيهم الأمر، ويصغي إلى وجهات النظر التي تظهر إلى العلن بأنها متضاربة ولن تستقر على رأي موحد إضافة إلى حرصه على عدم التفريط بعلاقته بحلفائه من بري وجنبلاط إلى بعض الأطراف في “قوى 14 آذار” بمن فيهم المستقلون، لئلا تأتي التسوية من جانب واحد ولا يلقى تفهماً من الفريق الآخر الذي قد يتعاطى معه على أنه الحلقة الأضعف فيها.