IMLebanon

لبنان بين “لعبة الأعصاب” الرئاسية و”عضّ الأصابع” في شروط التسوية

 

baabda-parlement

 

 

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

… مواقف مباشِرة، تغريدات «مشفّرة»، رسائل «مبطّنة»، نعم «مستورة»، لا «بالفم الملآن». هذا غيض من فيض ما تعيشه بيروت هذه الأيام على جبهة الانتخابات الرئاسية التي بات مسارها منذ ان أطلق الرئيس سعد الحريري تَحرُّكه على قاعدة إمكان تأييد العماد ميشال عون للرئاسة، على طريقة انه مقابل كل «حاجز» يتم تَجاوُزه يرتفع «ساتِر»، بما يشي بأن هذا الاستحقاق ما زال «قيد الاحتجاز» في انتظار بتّ أسئلة – مفاتيح تتناول الجانب الداخلي لأي تسوية وأثمانها التي ترتبط مباشرة بالأبعاد الخارجية التي تحكّمتْ بكل فصلٍ من فصول الأزمة اللبنانية التي يشكّل الفراغ الرئاسي آخر «عوارضها» التي تتوالد منذ العام 2005.

ومن خلف كل «الغبار» الكثيف الذي يملأ الساحة السياسية في بيروت حيال الملف الرئاسي وموعد إعلان زعيم «تيار المستقبل» الرئيس الحريري دعم زعيم «التيار الوطني الحر» العماد عون في السباق الى قصر بعبدا، تتراكم المؤشرات الى ان جلسة 31 الجاري لانتخاب رئيسٍ يصعب حتى الآن ان تحمل «الخاتمة السعيدة» في ظلّ 3 عقبات رئيسية باتت متشابكة: الأولى تمسُّك رئيس البرلمان نبيه بري بسلّة التفاهم المسبقة كمعْبَر للانتخابات الرئاسية وكمعبّر عن «الحصة» الشيعية في التوافق الذي يشكل حتى الساعة عون والحريري طرفاه. والثانية رفْع سقف التحدّي امام زعيم «المستقبل» الى درجة تهديده بأن لا ضمانات بأن يعود رئيساً للحكومة في العهد الجديد ما لم يكن الأمر تحت سقف «السلّة»، وانه حتى لو كُلِّف برئاسة الحكومة فقد يبقى من دون ان يؤلّف. اما العقبة الثالثة فتتمثّل في تمسُّك النائب سليمان فرنجية (كان الحريري اعلن دعم ترشيحه قبل نحو 11 شهراً) بترشيحه مع كشفه انه سيكسر وكتلته (4 نواب) مقاطعة جلسات الانتخاب الرئاسية ويشارك في جلسة 31 الجاري التي تحمل الرقم 46.

وتنحصر في بيروت قراءة «سلّة التعقيدات» بين سيناريويْن: الأول يعتبر ان تَكوُّن «جبهة الممانعة» أمام وصول عون الى الرئاسة من قبل أطراف بارزة في 8 آذار، اي يفترض انها حليفة لزعيم «التيار الحر»، يعني ان «كلمة السرّ» الاقليمية للإفراج عن «رئاسية لبنان» بمعزل عن «الحصاد» في الساحات المشتعلة في المنطقة لم يحن بعد. أما الثاني فيرى ان العماد عون بات بمثابة رئيس مع «وقف التنفيذ» وأن الرئيس الحريري جدّي في خياره الذي بات محسوماً بإعلان دعم زعيم «التيار الحر» والذي صار مسألة أيام قليلة ليس أكثر، وان زعيم «المستقبل» سيمضي حتى النهاية في عملية رمي كرة التعطيل في ملعب فريق 8 آذار رغم كل التهويل ذات الصلة برئاسة الحكومة والذي استُحضر معه النظام السوري من خلال قريبين منه أعادوا الى الواجهة ان «الخط الأحمر» امام عودته لرئاسة الوزراء، والذي كان أطاح بوصول فرنجية الى الرئاسة قبل أقلّ من عام، ما زال قائماً مستنداً الى الموجبات نفسها التي أمْلت الانقلاب على حكومته العام 2011.

وفي رأي دوائر مطّلعة في بيروت، فإن ما تشهده الساحة السياسية هو عملية «عضّ أصابع» ذات صلة بلبّ المشكلة التي تتمثل بالنسبة الى فريق 8 آذار بـ «السلّة» التي ترتكز على التفاهم المسبق حول الحكومة الجديدة رئيساً وتوازنات وبياناً وزارياً وسياسة عامة وتعيينات بمراكز حساسة وقانون الانتخاب الى ضوابط أخرى ذات صلة بإدارة السلطة، وذلك بما يمنح المكوّن الشيعي ما يوازي في التركيبة السياسية وصول المسيحي القوي الى رئاسة الجمهورية والسني القوي الى رئاسة الحكومة (وكلاهما يشكلان المفتاحيْن في السلطة التنفيذية)، اي بما يعطي «حزب الله» وحركة «أمل» (يتزعمها بري) مكتسباتٍ – ولو تحت سقف نظام الطائف – توفّر مع وهج السلاح المتمدد خارج لبنان، أرجحية في الإمرة السياسية والاستراتيجية تكون كافية لإزالة أي عائق خارجي أمام فكّ أسْر الانتخابات الرئاسية، وتحديداً من جانب إيران باعتبار ان السعودية أبلغت مَن يعنيهم الأمر انها تترك «حرية الخيار والقرار» رغم المناخ الذي أوحى امس بأن مسؤولين فيها رفضوا المسار الجديد للحريري رئاسياً.

ومن هنا، فإن الأنظار تبقى شاخصة على الموعد المنتظر لإعلان الحريري دعمه ترشيح عون الذي يريد ان يحصل ذلك قبل جلسة 31 الجاري التي يعتبرها سيفاً مصلتاً عليه في ظل إعلان فرنجية انه سيشارك فيها، وخشيته تالياً من «مفاجأة غير سارّة» ولا سيما ان الرئيس بري كرّس معادلة «إما السلة او النزول الى جلسة الانتخاب ونحتكم الى الدستور». علماً ان زعيم «التيار الحر» يرفض ان يشارك في اي جلسة ما لم يكن يضمن انها ستنتهي الى انتخابه لأن في ذلك مخاطرة في ظلّ طبيعة الاقتراع السري.

وسيشكل الحسْم الوشيك من الحريري لتأييده عون للرئاسة منطلقاً لزعيم «التيار الحر» ليبدأ حركة اتصالات تشمل بري بالدرجة الأولى الذي يتهيأ اواخر الاسبوع للسفر للمشاركة في مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي على ان يعود الى بيروت قبل يومين من موعد جلسة 31 الجاري الانتخابية، بما يجعل اي رهان على إنجاز التفاهم بين زعيم «التيار الحر» ورئيس البرلمان، (والذي يدعم حصوله بوضوح «حزب الله» كما عبّر السيد حسن نصر الله شخصياً) أمراً بالغ الصعوبة قبل نهاية الشهر، ولا سيما ان دون هذا التفاهم تعقيدات تتّصل بأن بتّ بعضها قد لا يكون في يد عون لوحده بل يحتاج الى دخول الرئيس الحريري على خطّه باعتباره سيكون رئيس الحكومة، وهو ما يحاذر زعيم «المستقبل» الانزلاق اليه وما جعله يتريّث اساساً في إعلان دعم عون لاستكشاف حقيقة موقف 8 آذار، قبل ان يكتشف ان كل تريث اضافي يقابله هذا الفريق بتنويع «عُدة» المعركة ذات الصلة بـ «السلّة».

وكان بري، الذي استقبل امس رئيس الحكومة تمام سلام، رفع «حرب السقف التفاوضي» حول «السلّة» الى أقصى حدّ، من خلال ما كُشف عن انه أبلغ الى «حزب الله» انه «مش ماشي بعون.. وما حدا يجرّب معي»، وما نُقل عنه من انه مستاء بشدّة من الكلام الذي صدر بشأن ثنائية الحريري ــ عون، وتشبيهها بتحالف رياض الصلح وبشارة الخوري (ابان استقلال 1943)، وقوله «صار جبران باسيل (صهر عون) ونادر الحريري (مدير مكتب الرئيس الحريري) هما من يقرران مَن هو رئيس الجمهورية ومن هو رئيس الحكومة، وأيضاً رئيس مجلس النواب، وهما من يوزعان الحقائب والحصص وعلّي أنا أن أوقّع لهما على بياض؟».

وفي موازاة موقف لافت نُقل عن رئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السنيورة الذي قال تعليقاً على كلام بعض الأوساط السياسية عن قرب حسم الحريري لخياره وصولا الى انتخاب عون رئيساً في القريب العاجل «سنونوّة واحدة لا تصنع الربيع»، واصل النائب وليد جنبلاط «تغريداته» المرمّزة التي بدأها ليل الأحد حين كتب «أتت كلمة السر يبدو، الله يستر»، ليضيف امس «العين ساهرة، وكلمة السر مشفّرة، وحلّوها يا شباب»، هو الذي كان عاد الى دعم «منطق السلّة» بعدما كان دعا الى انتخاب رئيس «بلا قيد او شرط» وبمعزل عن «سلال فارغة».