IMLebanon

“عودة” السعودية بقوّة “إلى لبنان” تعيد التوازن… فكيف سيكون “الجواب”؟

saad-al-hariri-and-michel-aoun-in-bayt-al-wasat-2

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: في انتظار “الدخان الأبيض” المرتقب ان يتصاعد بعد غد الاثنين من مقرّ البرلمان اللبناني مع انتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية يطوي “حقبة سوداء” من “فخامة الفراغ” امتدّت 29 شهراً ونيفا، بدا الاستنفار السياسي والديبلوماسي والأمني على أشدّه وكأن بيروت على موعدٍ مع “الساعة صفر” او “انقلابٍ أبيض” او “البيان رقم واحد”، في مشهدٍ يغلب عليه “ربْط الأحزمة” ايذاناً بعبور منعطفٍ أقلّ ما يقال عنه انه “بالغ الحساسية والدقة و… الغموض”.

وتحوّلت مقارّ الزعماء اللبنانيين الى ما يشبه “خلايا أزمة” واشتعلت المحرّكات الديبلوماسية في غير اتجاهٍ، وارتفعت وتيرة الاتصالات الى الذروة… كل ذلك في ملاقاة “الاثنين الكبير” الذي يشهد مبارزة حامية ومفتوحة على سيناريوات عدّة بين المرشح الأوفر حظاً زعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون والمرشح الذي لم يملّ زعيم “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية الذي يراهن على مفاجآت لمصلحته في الدورة الثانية من الاقتراع التي يحتاج الفائز فيها الى أكثرية النصف زائد واحد من الأعضاء الذين يتألف منهم البرلمان اي الى 65 صوتاً على عكس الدورة الاولى التي تحتاج الى غالبية الثلثين (86 نائباً) وهو العدد نفسه الذي شكّل النصاب الواجب توافره في كل الدورات لافتتاح جلسات الانتخاب.

وفيما كانت القوى السياسية غارقة في عمليات “البوانتاج” اليومية في محاولة للحصول على أرقام “مضمونة” لما ستخرج به جلسة الاثنين وسط رجحان واضح “دفترياً” لمصلحة عون، دهمت بيروت المهمة “الاستثنائية” التي بدأها وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان في لبنان والتي تَسبّبت في جانبٍ منها بتعزيز الارتياح الى ان التسوية الرئاسية التي تُقدِم عليها البلاد تستند الى أرضية صلبة خارجياً، كما عزّزت في جانب آخر منها مناخ الإرباك حيال كل الملابسات التي أفضت الى سير زعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري بالعماد عون وهو ما حسم “على الورق” مسألة انتخابه رئيساً.

ورغم ان السبهان الذي استكمل لقاءات الرسمية والسياسية في بيروت على ان ينهيها مبدئياً اليوم حرص على فصل الزيارة عن الملف الرئاسي واضعاً اياها في سياق الرغبة في تطوير العلاقات مع لبنان “الذي يعني الكثير للمملكة”، جازماً بأن الرياض تؤيد وتدعم الرئيس الذي يتّفق عليه اللبنانيون، فإن هذه الزيارة التي شكّلت اول مهمة خارجية للسبهان بعد تعيينه في منصبه الجديد، استحوذتْ على اهتمام كبير وسط سيناريوين لتوقيت “العودة” السعودية الى لبنان بعد نحو عام من شبه الانكفاء او الانسحاب من الملف اللبناني على وقع تأزُّم العلاقات بين البلدين منذ ان اتخذ وزير الخارجية جبران باسيل موقف النأي بالنفس عن قرار لوزراء الخارجية العرب يستنكر الاعتداء على سفارة السعودية وقنصليتها في إيران.

السيناريو الأول، لم يُسقِط ان يكون إعلان الرياض إعادة لبنان الى جدول اهتماماتها من بوابة الانتخابات الرئاسية والمرحلة الجديدة التي تفتحها على صعيد الحكومة وعناوين أخرى، يؤشر الى مواكبة مسبقة من السعودية لمجمل المسار الذي أفضى الى سير الحريري بالعماد عون، وذلك من ضمن تفاهم غير مباشر عبر عواصم دولية مع ايران، بما يكرّر تجربة “المهادنة” التي عبّرت عنها حكومة الرئيس تمام سلام في الاستحقاق الرئاسي، على قاعدة ان يكون رئيس الجمهورية من “8 آذار” ورئيس الوزراء من “14 آذار” (الحريري).

اما السيناريو الثاني، فيشير الى انه في ظلّ صعوبة تصوُّر حصول التقاء سعودي – ايراني ولو “بالواسطة” في غمرة الاشتباك الكبير بينهما في المنطقة، يشي توقيت زيارة السبهان – المكلّف الملف اللبناني منذ فترة والمعروف بمواقفه البالغة التشدد حيال طهران – في لحظة ضمان بلوغ التسوية الرئاسية خواتيمها، بأن الرياض اختارتْ الاستحقاق الرئاسي لتوجيه رسالة برسم الخارج لا سيما ايران بأن لبنان “ليس متروكاً” وبأن التسوية في اتجاه عون، الذي كان على مدى نحو 29 شهراً مرشح “حزب الله” الرسمي، لا تعني “استسلاماً” وبأن عنصر عودة التوازن الى المشهد اللبناني الذي يشكّله الدور السعودي عاد.

وفيما كان لافتاً بروز إيحاءات في إحدى الصحف القريبة من “8 آذار” تساءلت اذا كان مجمل المسار الذي أفضى الى سير الحريري بعون هو بتدبير سعودي “من دون أن يترك بصمة واحدة من بصماته عليها”، فإن أوساطاً سياسية في بيروت اعتبرتْ أن الرياض بإيفادها السبهان ليكون أرفع مسؤول سعودي يزور لبنان (من خارج المشاركة في مؤتمرات) منذ ان شارك وزير الخارجية الراحل الأمير سعود الفيصل في جلسة البرلمان اللبناني لانتخاب الرئيس السابق ميشال سليمان في 25 ايار 2008، أعطت إشارة حاسمة الى ان المملكة ليست في وارد التخلّي عن لبنان او عن الحريري ولا “كشْف ظهره” في مرحلة تكليفه المرتقب تشكيل الحكومة العتيدة ثم التأليف، وانها تغطي خطوته باتجاه تأييد عون، وان صفحة جديدة فُتحت على صعيد استعادة الاهتمام بالملف اللبناني باعتباره من ضمن “المدى الحيوي” للرياض ولن تتخلى عنه لايران.

ولاحظت الاوساط السياسية في هذا السياق عبر “الراي” ان السعودية من خلال بروز الحريري كصاحب الكلمة الفصل في فتح الطريق امام انتخاب عون ضمَن للمملكة ان تكون شريكاً في اختيار الرئيس اللبناني، مع مفارقة ان هناك “حصة” في “عون الرئيس” لكل من الحريري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، وانه سيفوز بغالبية أصوات قوى “14 آذار”، مقابل حصوله على دعم “حزب الله” لوحده تقريباً من قوى “8 آذار” اذ يتصدّر رئيس البرلمان نبيه بري حركة المعترضين على وصول “الجنرال” الى بعبدا من دون سلّة ضمانات تتصل بمرحلة ما بعد الانتخاب على صعيد الحكومة وقانون الانتخابات النيابية خصوصاً، وهي الضمانات التي كانت “حزب الله” نفذ عملية عسكرية العام 2008 للحصول عليها.

واذ توقفت الاوساط نفسها عند ان الحريري بخطوته بدعم عون ضمَن مبدئياً عودة الحليف السعودي الى رئاسة الحكومة بعدما كان فريق “8 آذار” انقلب العام 2011 على حكومته، اعتبرت ان الانتخاب في ذاته وما بعده سيكون محكوماً بشدّ حبال، وسط سباقٍ بين محاولة عون ضمان الفوز بالدورة الاولى أي بـ 86 صوتاً وايضاً منع تسرُّب اي أصوات او تطيير النصاب كما غمز البعض امس، في حال الانتقال الى الدورة الثانية (وهذا مرجّح)، فيما يحاول خصوم “الجنرال”، حشْد أصواتٍ واستقطاب المتردّدين ومَن سيصوّتون بالأوراق البيض للدفع نحو معركة “على المنخار” تكون نتيجتها كفيلة بإخراج عون “متعباً” من المنازلة ليبدأ عهده بـ “وهن”.

وفي حين حسم حزب “الكتائب اللبنانية” قراره بعدم التصويت لعون من دون ان يكشف وجهة أصوات نوابه الخمسة، فإن الأنظار تشخص على القرار الذي سيتخذه النائب وليد جنبلاط في ظل شبه حسْم ان تذهب الغالبية الكبرى من أصوات كتلته الـ 11 لعون بعد انسحاب مرشّحه النائب هنري حلو، مع ملاحظة ان عدد المعترضين على “الجنرال” من ضمن كتلة الحريري قد ينحصر بأربعة او خمسة.

وفي موازاة ذلك، لم تبرز إشارات الى ان مسار ما بعد الاستحقاق الرئاسي سيكون سهلاً، بل ان تعقيداته يرجح ان تكون أكبر بعد “العودة السعودية” الى لبنان، وسط توقعات بأن “حزب الله” سيدعم بري في “دفتر شروطه” المتصل بالحكومة تكليفاً للحريري وتشكيلاً (حصصاً وبياناً وزارياً)، وهو ما سيضع زعيم “المستقبل” والرئيس الجديد للجمهورية أمام محك فعلي لكيفية ضمان انطلاقة منتجة للعهد الذي “تكمن” له ملفات عدة والذي وجد نفسه اول من امس مع “رسالة” من خلال إضراب اتحادات النقل البري الذي اعتُبر “إنذاراً” مبكراً من بري الى ما يمكن ان يحسم مساره في “المعارضة” وسط بروز تلميح الى ان الإمعان في إدارة الظهر لشروط رئيس البرلمان قد يقابل بـ “القمصان الخضر” في إشارة الى اللون الأخضر لعلم حركة “أمل”.

من ناحيته، أعلن البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي ان المبادرة الأخيرة للرئيس سعد الحريري في اتجاه تأييد ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة “أنقذت الجمهورية”.

وكان الانتخاب المرتقب لعون رئيساً قوبل بموقف داعم من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي اعلن انه “ولو كان العماد عون هو من فريق سياسي معين ولكن عند انتخابه سيصبح لكل لبنان، ومن جهتنا نهنئ كل مَن يفوز لان الانتصار سيكون للبنان لا غالب ولا مغلوب ومصلحة الوطن فوق اي اعتبار”.