IMLebanon

الانتخابات حُسمت قبل أن تبدأ… وفرنجية يعلنها “معركة أوراق بيض”

election-presidentielle-parlement-libanais

كتبت صحيفة الراي” الكويتية: … في الثانية عشرة من ظهر غد الإثنين تعلن مطرقة رئيس البرلمان نبيه بري بدء الدورة الأولى من اقتراع النواب الـ 127 لانتخاب الرئيس رقم 13 للجمهورية بتأخير نحو 30 شهراً تلاشت معها المؤسسات الناظمة للحكم في لبنان الواحدة تلو الأخرى في سياق “سطر واحد” كان يردده “حزب الله” ويقول فيه “إما انتخاب (زعيم التيار الوطني الحر) العماد ميشال عون رئيساً وإما الفراغ”.

وعشية هذا الحدَث المفصلي، شهدت الانتخابات الرئاسية تطوراً شبه دراماتيكي تجلّى في إعلان المرشح النائب سليمان فرنجية (زعيم “تيار المردة”) انسحابه الضمني من المعركة بوجه زعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون، داعياً النواب المؤيّدين له الى استبدال أصواتهم لي بأوراق بيض “فنحن لن نقف في وجه التسوية الوطنية ونريد فقط تسجيل موقف”.

واكتسبتْ خطوة فرنجية دلالتها لأنها جاءت في أعقاب زيارته رئيس البرلمان نبيه بري الذي يُعتبر من “أشرس” رافضي وصول عون الى الرئاسة، والذي كان حتى قبيل وصول زعيم “المردة” الى مقرّه من أبرز داعميه، وهو ترأس قبل ذلك اجتماعاً لكتلته البرلمانية اكد في ختامه التصويت لفرنجية في جلسة الاثنين.

واعتُبر تراجُع فرنجية غير المباشر عن ترشّحه بعدما كان يلوّح بـ “مفاجآت” في جلسة يوم غد بوجه عون، نتيجة التطورات البارزة التي حملتْها الساعات الأخيرة ورجّحت ان زعيم “التيار الحر” سينجح في الفوز من الدورة الاولى التي تتطلب ثلثيْ أصوات أعضاء البرلمان (86 صوتاً) من دون الحاجة الى دورة ثانية يقتصر نصاب الفوز فيها على 65 صوتاً.

ورأت أوساط سياسية مطلعة عبر “الراي” ان فرنجية تدرّج من خوض معركة رئاسية، الى معركة إثبات حجم، فإلى معركة “أوراق بيض” بعدما تيقّن ان عون بات رئيساً وان انقسام الأصوات الرافضة لوصول “الجنرال”، بين مؤيّدين له وبين مَن سيقترعون بورقة بيضاء، من شأنه تشتيت “جبهة الرفض لعون” من جهة، وإضعاف صورته (فرنجية) في الوقت نفسه من خلال عدم حصوله على ما كان يأمله من الأصوات، فكان خيار “تمويه الأصوات” بالدعوة الى الاقتراع بالورقة البيضاء كعنوان اعتراض “ذات ثقل” على عون وتفادياً لأن يحصد زعيم “المردة” عدد أصوات أقل من التي نالها خصمه السياسي رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع حين كان مرشحاً في جلسة 23 نيسان 2014 (حصد 48 صوتاً).

ومع خروج زعيم “المردة” من السباق الرئاسي، فإن عون سينافس الاوراق البيض، وسط توقعات بأن خطوة فرنجية ستعزز امكان فوزه من الدورة الأولى إيذاناً بانتقاله رئيساً الى القصر الجمهوري تتويجاً لحلم راوده منذ ثمانينات القرن الماضي.

وفي ملاقاة الإفراج عن الرئيس العتيد الذي لم تنجح 45 جلسة للبرلمان لانتخابه منذ مايو 2014، شهدت الساعات الـ 48 الماضية في بيروت حركة مشاورات ماراثونية وغير مسبوقة منذ أمد بعيد اضطلع بها المرشحان عون وفرنجية و”مهنْدس” التسوية الرئاسية زعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري والموفد السعودي وزير الدولة لشؤون دول الخليج، المولج بالملف اللبناني ثامر السبهان.

وبدا أن المشاورات المحمومة التي نشطت على وقع تسليم الجميع بأن العماد عون سينتخب رئيساً غداً، دارت حول تمكين عون من “فوز مرموق” لضمان انطلاقة واثقة للعهد الجديد، والحد من الأضرار السياسية الناجمة عن إستمرار ترشح فرنجية، وذلك بهدف إشاعة مناخ أقل سلبية في الإستحقاقات اللاحقة كتكليف الحريري تشكيل الحكومة، ومن ثم مخاض تأليف حكومة العهد الأولى.

وساهمت لقاءات الموفد السعودي التي شملت “كل لبنان” باستثناء “حزب الله”، في تبريد الأجواء الحامية في ملاقاة “الإثنين الكبير”، وخصوصاً مع إسباغ حال من الاحتضان العربي للتسوية الرئاسية التي أمْلت إنهاء الفراغ المتمادي عبر الاتيان بمرشح “حزب الله”، أي العماد عون في إطار تفاهم سياسي قطباه الأبرزان الرئيس الحريري والدكتور سمير جعجع، وهو الأمر الذي لم يمانع به “حزب الله” وطمأن خصومه في الوقت عينه.

وشكّل انضمام النائب وليد جنبلاط رسمياً الى حلقة داعمي انتخاب عون عنصراً بالغ التأثير في قرار فرنجية الانكفاء عن المعركة، علماً ان الزعيم الدرزي كان استقبل عصر الجمعة زعيم “التيار الحر” وأعلن أمامه ان غالبية كتلته ستصوّت له، وهو ما أبلغه قبلها الى حليفه وصديقه الرئيس بري.

والأكثر إثارة في المشهد الرئاسي امس كان استكمال الوزير ثامر السبهان سلسلة لقاءاته التي شملت امس الرئيس بري والنائب فرنجية ووزير الاتصالات بطرس حرب (التقاه في حضور رئيس حزب الوطنيين الأحرار النائب دوري شمعون ومنسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار الدكتور فارس سعيد) ووزير الداخلية نهاد المشنوق وقائد الجيش العماد جان قهوجي والنائب طلال ارسلان، قبل ان يولم على شرفه الرئيس الحريري في “بيت الوسط”، من دون حسم اذا كان الوزير السعودي سيحضر جلسة الانتخاب الرئاسية قبل ان يغادر لبنان. علماً ان الشق الثاني من زياراته اول من امس كان شمل العماد عون والنائب جنبلاط والدكتور جعجع، إضافة إلى البطريرك الماروني بشارة الراعي ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان.

وبقيت زيارة السبهان محور تدقيق في بيروت وسط معطيات أكدت انها حملت دعماً للمسار الرئاسي في لبنان ولما يقوم به الرئيس الحريري، وانها انطوت على رسالة بالغة الدلالات للطائفة السنية بالدرجة الاولى بأن “لا تخافوا” وانها لن تكون متروكة، وان السعودية “العائدة” الى لبنان بعد انكفاء ليست بعيدة عن التسوية التي ستحمل الحريري مجدّداً الى رئاسة الحكومة، وان الواقع اللبناني سيستعيد توازنه بالرغم من الانطباع الاول الذي ساد بأن لبنان انزلق الى أحضان ايران من خلال وصول عون الى الرئاسة.

وفي حين أكد الوزير السعودي ان المملكة “حريصة دائما على لبنان وما يشكله من نموذج عيش مشترك ومن تنوع فهو بوابة العرب على الغرب”، سريعاً انتقلت “العدسات” الى كيفية ترجمة مناخ الاحتضان المتجدد للبنان من الرياض واستطراداً الى اليوم الثاني لانتخاب عون وما ينطوي عليه من تحديات فعلية، أولها الاسئلة عن النصاب السياسي لتكليف الحريري تشكيل الحكومة، ومن ثم “الشياطين الكثيرة” التي تكمن في لعبة تأليف الحكومة، وهما الأمران اللذان يرتبط مسارهما في طبيعة العلاقة التي ستنشأ بين عون والحريري مع بري الذي من المنتظر رفع سقف شروطه انتقاماً من تجاهله في التفاهم الذي أبرم بين “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل”.