IMLebanon

أي صلاحيات لرئيس الجمهورية في لبنان؟

baabda-33

 

 

كتب كميل حبيب في صحيفة “السفير”:

وضع الدستور رئيس الجمهورية في قمة هرم البنيان الدستوري، وعلى مسافة من كل السلطات، ورسم له دوره وحدده في إطار السهر على احترام الدستور، وبما يحفظ استمرار وانتظام عمل السلطات والمؤسسات الدستورية، كما أناط به الحفاظ على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه. وهذا يعني أن الدستور قد أوكل إليه الاهتمام بالقضايا الوطنية الكبرى (د. خالد قباني، مجلة الحقوق والعلوم السياسية، يشار إليها لاحقاً بـ «المجلة» ص 173)، وذلك عندما نص الدستور في المادة 49 على ان «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور».

ويتبيّن من وظيفة رئيس الجمهورية الجديدة باعتباره الحامي والحارس الأول لمبدأ الشرعية الدستورية، أن هذه الرئاسة هي وظيفة عظمى غير فخرية لأنها الأساس الشرعي للصلاحيات وممارستها (د. طوني عطاالله – المجلة ص 125)، وله صفة المرجعية الحصرية لمؤسسات الدولة كافة (د. محمد عيسى عبدالله، المجلة ص 192)، ولكي يلعب هذا الدور يجب أن يتمتع بالقدرة التي تمكنه من ضبط عمل المؤسسات وهي تنبع من أمور ثلاثة (د. محمد عيسى عبدالله، المجلة ص 198):

ـ ثقة الشعب به، وهذا يتطلب منه أن يترفع عن الصراعات الطائفية والمذهبية، ويضع نفسه على مستوى الوطن وليس على مستوى الجماعات المكونة له.

ـ قدرته على جعل نفسه فوق الصراعات السياسية الدائرة في اطار المؤسسات الدستورية وبينها، ولا يدخل في مساومات تضعف موقعه.

ـ حسن ممارسة الصلاحيات التي منحه اياها الدستور.

إن منح رئيس الجمهورية هذا الدور المرجعي للنظام السياسي اللبناني والقيادة المعنوية للبلاد يبرر أداءه القَسَمَ وفق المادة 50 التي تفرض عليه أن يحلف يمين «الاخلاص للأمة والدستور في الوقت الذي لا يكون هذا القسم مطلوباً من بقية أعضاء السلطات الدستورية ورؤسائها ( د. عقل عقل، المجلة ص 176).

إن هذا اليمين يفرض على رئيس الجمهورية أن يبقى بعيداً ومنزهاً عن الصراعات السياسية، لكي يحافظ على موقعه الدستوري كصمّام أمان للنظام، ولكي يستطيع أن يضبط آلة الحكم، وقد زَوَّده بالوسائل والأدوات والصلاحيات الدستورية، بما يحفظ له موقعه ومرجعيته ودوره كحامٍ للدستور ووحدة الدولة والعيش المشترك (د. خالد قباني المجلة ص 172).

الرئيس قطب دستوري مؤثر

لقد كان رئيس الجمهورية اللبنانية خلال الجمهورية الأولى (1943-1990) مَلَكًا غير مُتَوَّجٍ لمدة ست سنوات على الأقل، وقد شكّلت صلاحياتُه جوهرَ التعديلات الدستورية التي أَقَرَّت عام 1990 بعض الإصلاحات التي انتزعت بعض الصلاحيات من رئيس الجمهورية وأنيطت بمجلس الوزراء، لا سيما السلطة الإجرائية، وبعض صلاحياته انتقلت الى رئيس مجلس الوزراء. لكن هذا الانتقاص من صلاحيات الرئيس لم يجعله خارج السلطة التنفيذية، إذ إن النصوص ما زالت تعطي رئيس الجمهورية صلاحيات تجعل منه قطباً دستورياً مؤثراً (د. زهير شكر المجلة ص 94)، لأن غاية هذه التعديلات الدستورية هي نقل صلاحيات السلطة الإجرائية إلى مجلس الوزراء الذي تجتمع فيه أطياف المجتمع اللبناني كافة.

إن التعديلات الجديدة لا تعني أن رئيس الحكومة في لبنان أصبح كرئيس حكومة بريطانيا، فهو ليس الحاكم الفعلي الوحيد، ورئيس الجمهورية ليس ملكاً لا يحكم بل ما زال يتمتع بصلاحيات مهمة في السلطة التنفيذية، وهذه الصلاحيات يمارسها بالمشاركة مع رئيس الحكومة شريكه الثاني في السلطة التنفيذية، في إطار مؤسسة مجلس الوزراء، وإن منطق المشاركة بين رئاسة الجمهورية من جهة، ورئاسة الحكومة والحكومة من جهة أخرى، كرّس الثنائية التنفيذية المتساوية نسبياً بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة (د. موسى ابراهيم، المجلة ص 154)، ويبدأ هذا الدور من لحظة تسمية الرئيس المكلف، حيث لا يشبه دور رئيس الجمهورية في التكليف بدوره في النظم البرلمانية (د. صالح طليس المجلة ص 59)، كما يسلم الفقه اللبناني بوجود دور لرئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة على عكس النظم البرلمانية إذ يحقّ له التحفظ على اشخاص معينين، واذا لم يفرض رأيه فرضاً، يكون قد استقال طوعاً من ممارسة صلاحياته (د. صالح طليس المجلة ص 61).

وما زال رئيس الجمهورية هو محور أبواب وفصول الدستور اللبناني، حيث لم يطل التعديل التقسيم الشكلي لمواد الدستور (د. زهير شكر المجلة ص 94)، وتتلخّص صلاحياته ذات الصلة بالعمل الحكومي، بما يأتي:

1 ـ حضور وإدارة جلسات مجلس الوزراء:

إن الفقرة الأولى من المادة 53 من الدستور تحدّد بشكل واضح حق رئيس الجمهورية بترؤس جلسات مجلس الوزراء عندما يشاء دون أن يكون له الحق بالتصويت. إن ترؤس الجلسة يعني حتماً إدارتها والمشاركة في المناقشات مع ما للحضور من تأثير معنوي في الاتجاه الذي سيسلكه التصويت في مجلس الوزراء في حال لم يتمّ التوافق على القرار.

2 ـ تحضير جدول الأعمال والأمور الطارئة:

إن تحضير جدول أعمال مجلس الوزراء هو من صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، إلا أن المادة 64 قد ألزمت رئيس الحكومة بأن يطلع رئيس الجمهورية مسبقاً على المواضيع التي يتضمنها «وعلى المواضيع الطارئة التي ستبحث». بحيث جرى اعتماد تفسير هذه الجملة بأن لرئيس الجمهورية حق الاعتراض على بعض البنود، وإعادة ترتيب جدول الأعمال بالتوافق مع رئيس الحكومة، وكذلك أعطت الفقرة الحادية عشرة من المادة 53 من الدستور الحق لرئيس الجمهورية بأن «يعرض أيًّا من الأمور الطارئة على مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال». وهذه الصلاحية مهمة جداً، لأنها تعطي الرئيس حق إضافة أي من الأمور التي يراها طارئة ولا تدخل ضمن رقابة رئيس الحكومة عليها (د. وسيم منصوري المجلة ص 227).

3 ـ انعقاد جلسات مجلس الوزراء:

إذا كانت الفقرة السادسة من المادة 64 من الدستور تعطي لرئيس الحكومة الحق بأن يدعو مجلس الوزراء إلى الانعقاد، بالمقابل، فإن دعوة مجلس الوزراء للانعقاد بصورة استثنائية هي صلاحية عائدة لرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة.

4 ـ صلاحيات خارجية:

يتولى رئيس الجمهورية تمثيل لبنان تجاه الدول الاجنبية، وهو الذي يتقبَّل اوراق اعتماد السفراء الاجانب، وهو الذي يرسل السفراء اللبنانيين. ولرئيس الجمهورية، صلاحية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية بالاتفاق مع رئيس الحكومة (د. محمد عيسى عبدالله المجلة ص 192).

5 ـ الاعتراض على قرارات مجلس الوزراء:

يحق لرئيس الجمهورية الطلب إلى مجلس الوزراء إعادة النظر في أي قرار من القرارات التي يتخذها المجلس خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إيداعه رئاسة الجمهورية (المادة 56). يتيح هذا الاعتراض لمجلس الوزراء مراجعة قراره لبيان صحة الموقف الذي اتخذه على ضوء ملاحظات رئيس الجمهورية.

6 ـ إصدار المراسيم العادية:

إن رئيس الجمهورية هو شريك أساسي في ممارسة الوزراء أعمالهم الوزارية وذلك من خلال منحه صلاحيات إصدار المراسيم العادية وهي المراسيم التي لا تدخل ضمن صلاحيات مجلس الوزراء وتصدر عن رئيس الجمهورية وتحمل توقيع رئيس الحكومة والوزير المختص. وتحدد القوانين الحالات التي يصدر في موضوعها العمل الإداري بصيغة مرسوم عادي، وهي تغطي العدد الأكبر من الأعمال الإدارية منها: ترفيع الموظفين، تعيين الموظفين من الفئات الخامسة والرابعة والثالثة، التشكيلات العسكرية، التشكيلات القضائية، منح الجنسية، منح التراخيص للمؤسسات الصناعية والسياحية، منح تراخيص الآبار الارتوازية، منح تراخيص إشغال الأملاك العامة، دعوة الهيئات الناخبة… إلخ. إن هذه الأنواع هي من المراسيم العادية التي لا تحتاج إلى قرارٍ من مجلس الوزراء لإصدارها، ولذلك إذا امتنع رئيس الجمهورية عن إصدار هذه المراسيم فلا يمكن إلزامه بإصدارها ولا يمكن احتساب الـ 15 يوماً المقررة بالنسبة لمقررات مجلس الوزراء ومن ثمّ اعتبارها نافذة حكماً وواجبة التنفيذ.

أما لجهة صلاحيات رئيس الجمهورية تجاه المجلس النيابي فما زالت فاعلة في ضمان انطباق أعمال المجلس مع الدستور، ودون الدخول في هذه الصلاحيات كافة نكتفي باستعراض ثلاث صلاحيات:

1ـ توجيه الرسائل:

عملاً بالفقرة العاشرة من المادة 53 من الدستور، يستطيع رئيس الجمهورية عندما تقتضي الضرورة توجيه رسائل إلى مجلس النواب، الذي يتوجب عليه أن يجتمع لمناقشة مضمون الرسالة واتخاذ الموقف المناسب.

2 ـ طلب إعادة النظر بالقانون:

تنص المادة 57 من الدستور على أن: «لرئيس الجمهورية، بعد إطلاع مجلس الوزراء، حق طلب اعادة النظر في القانون مرة واحدة ضمن المهلة المحددة لإصداره ولا يجوز أن يُرفَض طلبُه… إلخ.». يقتضي اعتبار هذه الصلاحية عائدة للرئيس منفرداً، لأن تبليغ مجلس الوزراء برغبة رئيس الجمهورية بإعادة النظر بقانون هي مسألة شكلية بحتة (د. وسيم منصوري المجلة ص 233).

3 ـ حق مراجعة المجلس الدستوري:

أجازت المادة 19 من الدستور لرئيس الجمهورية الطعن أمام المجلس الدستوري في كلّ قانون يجده مخالفاً للدستور. إن هذه الصلاحية هي مكملة لصلاحية ردّ القانون إلى مجلس النواب لإعادة النظر فيه مرّة ثانية وفقاً للمادة 57 من الدستور. وفي تاريخ المجلس الدستوري، فإنه بتّ ثلاثة طعون بقوانينَ بِنَاءً على استدعاء رئيس الجمهورية.

أما صلاحيات الرئيس تجاه القضاء وأجهزة الرقابة، فمن المسلم بها أن مكتب مجلس شورى الدولة، ومكتب المجلس الدستوري ومجلس القضاء الأعلى، وهيئة التفتيش القضائي ورئيس ديوان المحاسبة وغيرهم، يقسمون اليمين أمام رئيس الجمهورية ويرفعون تقريراً سنوياً عن أعمالهم إلى هذا الرئيس، ما يعني أن بإمكان الرئيس سؤالهم عن احترام القسم ومناقشة التقارير لبيان ماذا حقق القضاء واجهزة الرقابة لإصلاح الدولة ومكافحة الفساد وأداء الواجب.