IMLebanon

” المستقبل” يبقي على اتفاقه مع عون سرياً

saad-al-hariri-and-michel-aoun-in-rabieh

كتبت صحيفة “الحياة”: يحرص المقربون من “تيار المستقبل” وزعيمه الرئيس سعد الحريري على نفي كل ما أشيع عن اتفاقات ثنائية جرت بينه وبين الرئيس ميشال عون في فترة التحضير لقرار دعم الأخير للرئاسة، جاءت على حساب فرقاء آخرين، من دون نفي حصول الاتفاق، في معرض التعليق على تأزم العلاقة بين الحريري وبين رئيس البرلمان نبيه بري الذي يأخذ على الحريري أنه عقد اتفاقات مع عون ومحضه تأييده للرئاسة من دون التشاور معه بعدما كانا توافقا على دعم ترشيح رئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية.

يكرر المقربون، وبعضهم كان منخرطاً في الاتصالات التي أجريت بين مدير مكتب الحريري، نادر الحريري، وبين رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل، بأن الحريري سبق أن أطلع الرئيس بري على نيته استكشاف إمكان الذهاب إلى خيار عون، منذ آب الماضي حين أطلعه على هواجسه من استمرار الفراغ الرئاسي. إلا أن أوساط “المستقبل” نفسها التي أوضحت لـ “الحياة” كيف بدأت هذه الاتصالات، ترفض الإفصاح عن مضمون الاتفاق الذي جرى بين نادر الحريري وبين باسيل. كما تمتنع عن تحديد متى قرر الحريري الذهاب إلى خيار العماد عون للرئاسة، لكنها تقر بأن الانتخابات البلدية في أيار الماضي “كانت الإنذار الذي دفعنا إلى البحث عن مخرج للشغور الرئاسي، لأن البقاء فيه ليس خياراً لمصلحتنا”. (شهدت تراجعاً في تأثير “المستقبل” في الشارع، لا سيما في طرابلس).

وتضيف هذه الأوساط أن المطبخ المحيط بالحريري عقد جلسات عدة لدراسة الخيارات وانتهى إلى ثلاثة هي التي عاد الحريري وطرحها على كتلته النيابية في اجتماعها الشهير في الأول من آب الماضي ثم على الزعامات السياسية، لا سيما الرئيس بري ورئيس “اللقاء النيابي الديموقراطي” وليد جنبلاط وهي:

1 – البقاء في حال الانتظار مع مواصلة تبني خيار فرنجية واستمرار عمل الحكومة في شكل متقطع وشلل البرلمان ومحاولة التخفيف من التشنجات عبر الحوار الثنائي والموسع برعاية الرئيس بري.

2- عدم قبول تمديد الوضع القائم في حينه، والخروج من الحوار الثنائي والموسع ومن الحكومة. وهذا الخيار قد تكون له شعبية لكن لا مدى سياسياً له لأنه سيؤزم الوضع، وصولاً إلى الفوضى الكاملة والتدهور في كل المجالات.

3- التفاهم مع عون.

وتشير هذه الأوساط إلى أن الحريري حين أبلغ الزعامات السياسية بهواجسه أوضح لها أنه مضى زهاء 8 أشهر على ترشيح فرنجية من دون أي تقدم وأن الأمين العام لـ “حزب الله” أبلغ رئيس “المردة” عندما تفاهم معه في كانون الأول الماضي أن عليه الانتظار شهرين أو ثلاثة. وسأل الحريري بري وجنبلاط: لا مانع لدي من الانتظار، لكن ما هو الأفق وخريطة الطريق للخروج من الجمود القاتل؟ لشهر أو إثنين أو أكثر؟ هل علينا انتظار موقف إيراني، أم توافق إيراني- سعودي أم موقف سعودي أم اتضاح التطورات في سورية؟ وهو لم يحصل على الجواب الشافي، والجواب لديه بأنه انتظر طويلاً بلا نتائج في ظل انشغال الدول بأولويات أخرى. وتقول أوساط “المستقبل” إن زعيمه انطلق من القناعة بأن خيار فرنجية جاء لكي يصبح رئيساً لا ليكون مرشحاً، وأن الانتظار “كارثي” على تياره وهو الخاسر الأكبر من استمرار الفراغ، قبل الحديث عن تداعيات استمرار الفراغ على البلد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وفي هذا المجال تعتبر الأوساط نفسها أن أفق الخسائر شمل المخاوف من أن يقود استمرار الانتظار إلى تصاعد الأخطار على اتفاق الطائف الذي هو مكسب للبلد ولـ “المستقبل”، فإذا تركنا الأفق مفتوحاً سيأتي من يقول إن “الطائف” لم يعد حلاً للبلد، بل مشكلات. وكان ليدفع من يتربصون بالبلد لطرح أفكار من نوع “المؤتمر التأسيسي”.

ورأت أوساط الحريري أن البقاء في حال الانتظار لا يغير شيئاً من أجندة “حزب الله” المحلية، اذ ينتعش من الفوضى القائمة، ولا يعدل في خططه الخارجية. أما الرئيس بري فلا يخسر شيئاً، بل يواصل دوره التوفيقي، فيما اعتراض الفريق المسيحي على الأوضاع يتصاعد بعد اتفاق “القوات اللبنانية” مع العماد عون وكنا على مشارف تظاهرات ينظمها “التيار الحر” نحو القصر الرئاسي يبقى بعدها في الشارع مطالباً بحقوق المسيحيين، مع توجيه التعبئة ضد السنّة، في ظل حملة إعلامية داخلية وخارجية، ساهم فيها “حزب الله” بادعائه أنه مع الشراكة وتلبية مطالب المسيحيين “الميثاقية”، تجنباً لأن يشمله الاعتراض على عدم مساهمته في إيصال الرئيس القوي الممثل لطائفته إلى الرئاسة، بموازاة تصاعد المواقف المتطرفة بين السنّة كرد فعل على استهدافهم، في شكل يتضرر منه الحريري وحده، مع أخطار تصاعد الصراع الأهلي الطائفي الذي تجلت مظاهره في الشارع ببروز حالات ميلشيوية بذرائع شتى.

وفي اعتقاد أوساط “المستقبل” أن كل ذلك كان سيقود إلى مواجهة مع المسيحيين في الانتخابات النيابية التي تجرى الربيع المقبل في ظل استمرار الفراغ، حيث تبلغ تيار الحريري من عون و “القوات” أنهما سيتحالفان في الدوائر الانتخابية كلها، ما يعني نشوء كتلة نيابية من زهاء 45 نائباً تطلب انتخاب عون، ما يعني الاضطرار الى رضوخ معارضي هذا الخيار لأكثرية مسيحية واضحة.

اجتماعان بين نادر وباسيل

وتروي أوساط “المستقبل” أن الحريري أعطى الضوء الأخضر لاستئناف الاتصالات مع فريق عون في شهر تموز الماضي، فعقد أول اجتماع بين نادر الحريري وباسيل، للبحث في خيار الجنرال للرئاسة. وتقول إن البحث بدأ بهذا الخيار “كاحتمال”، وأن الصلة بينهما مستندة إلى تاريخ من التواصل حين بدآ لقاءاتهما منذ عام 2014 حين جس الحريري النبض بإمكان تأييد عون، وفشل الأمر نتيجة عاملين: إقليمي ومحلي قوامه رفض رئيس “القوات” سمير جعجع هذا التوجه. في حينه توقف البحث بعد لقاءين بين الحريري وعون، لكن الصلة لم تنقطع بين نادر وباسيل خلال السنتين الماضيتين لأن مدير مكتب الحريري لا يؤمن بالانقطاع، مع أن التواصل بات متباعد التواريخ، واقتصر على معالجة قضايا طارئة (تطرح على الحكومة). وتؤكد أوساط الحريري أن التواصل منذ تموز اقتصر على نادر وباسيل من دون أي شخص آخر وأن دور مستشار الرئيس الحريري النائب السابق غطاس خوري اقتصر على لقاء النائب فرنجية لإطلاعه على ما يجري مع فريق عون. وذكرت الأوساط نفسها أن فرنجية أبدى تفهمه، مكرراً أنه ليس له أي مأخذ على الحريري الذي “كان صادقاً معي” فيما خذله حلفاؤه ولم يطلبوا منه مرة أن ينسحب.

ويختتم المشاركون في طبخ التسوية من محيط الحريري بالقول إنه انتظر أجوبة من الزعامات التي التقاها، بعد إجازته الصيفية التي تقصّد إطالتها، ثم عُقد الاجتماع الثاني الشهير بين نادر وباسيل ليل 17-18 أيلول الماضي والذي استمر حتى الفجر، واقتصر عليهما، خلافاً لما أشيع بأن الحريري حضره، أو أي من العونيين الآخرين، إذ إن قرار “المستقبل” كان حصر التواصل وتقنينه بالرجلين. وخلاله تم اتفاق مبدئي، على مجموعة نقاط (تشمل طبعاً رئاسة الحريري للحكومة). وتضيف أوساط “المستقبل” أن لا صحة للحديث عن أنه كان مكتوباً، ولا حاجة لذلك فاتفاقنا مع فرنجية لم يكن مكتوباً، ولم يحسم التزامنا بتأييد عون بل قام على افتراض تبني الترشيح. وتنفي أن يكون شمل ما تم التوافق عليه بين عون وجعجع، حول التركيبة الحكومية المفترضة.

وحين تسأل هذه الأوساط عما إذا كان الحريري أطلع القيادة السعودية على خطوته، تقول إن الحريري كان يجيب أعضاء فريقه على الدوام: “هذا الأمر اتركوه لي”، من دون أن يكشف أي معطيات، أخذت تظهر لاحقاً قبل مجيء الموفد السعودي وزير الدولة ثامر السبهان. وتؤكد أن الحريري أبقى قراره النهائي معلقاً إلى أن قام بجولته على القيادات، بدءاً بإبلاغه فرنجية حسم خياره، ثم أبلغ عون به، قبل أيام من إعلانه منتصف تشرين الأول الماضي.

كيف يمكن هذا الاتفاق، الذي ما زالت بنوده سرية، أن ينعكس على تشكيل الحكومة التي تكثر التكهنات حول صعوبات في وجه ولادتها بسبب اعتراض بري وتوجس “حزب الله” من التفاهم الثنائي؟ تراهن أوساط “المستقبل” على أن السبب نفسه الذي دفع الحزب إلى أن يسهل انتخاب عون سيقود إلى تسهيل تأليف الحكومة، لاهتمامه بعدم اهتزاز تحالفه مع الرئيس الجديد، الحريص على انطلاقة ناجحة لعهده.