انتهت واحدة من أغرب الانتخابات الرئاسية الأميركية وانتخب رجل الاعمال المثير للجدل دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة موجها صفعة قوية لمنافسته هيلاري كلينتون ولكل الديمقراطيين، تلك الصفعة انعكست قلقا وخوفا لدى عدد كبير من الدول الاوروبية والشرق اوسطية خوفا من تنامي سياسة التطرف بسبب مواقف ترامب المثيرة للجدل من ملفات جوهرية.
فما الذي حصل تحديدا وكيف فاز ترامب بعدما كانت تشير كل استطلاعات الرأي ان كلينتون هي الفائزة وفق سيناريوهات كثيرة؟
التحليلات كثيرة وابرزها يرجع سبب الفوز لأمر أساسي، فالناخب الاميركي يتأثر كثيرا بكل الفضائح التي تلاحق المرشحين للرئاسة ويحسابهم في صندوق الاقتراع، صحيح ان تصريحات ترامب مثيرة للجدل وشكلت استنكارا كبيرا من قبل الناخببين، إلا ان كل الفضائح التي لاحقته بدأت في بداية الصراع نحو الرئاسة، ان كان بتصريحاته المتطرفة بحق الاميركيين السود واللاتين او بتبريره التحرش الجنسي، بالإضافة الى مطالبته ببناء جدار فاصل مع المكسيك ورفض دخول المسلمين والنازحين السوريين الى أميركا، ليقوم ترامب بعد ذلك بتوجيه ضربته القاضية قبل أسبوعين من الانتخابات لمنافسته كلينتون ويكشف فضائح جديدة تتعلق باستخدامها بريدها الالكتروني الخاص في محادثات ديبلوماسية وسرية مما يعرض الامن القوي الاميركي للخطر.
فالناخب الاميركي الذي لا يرتبط بأي معسكر سياسي اكان ديمقراطيا او جمهوريا ينتظر الفضائح ليحاسب عليها، وعندما يظن ان هذا الرئيس سيعرّض الامن القومي للخطر فتلقائياً سنتهار اسهمه، وبعدما نسي عدد كبير من الناخبين فضائح ترامب تذكروا فضيحة كلينتون وقاموا بمحاسبتها.
واليوم مع انتهاء الصراع نحو الرئاسة وفوز ترامب؟ ما هي انعاكسات سياسته على المنطقة والشرق الاوسط؟ وهل سنشهد انفتاحا اميركا – روسيا وصراعا أميركيا – إيرانيا؟
سامي نادر: ترامب نجح في استهداف العمق الاميركي
المحلل السياسي الدكتور سامي نادر يؤكد في حديث لـIMlebanon أن “وصول دونالد ترامب للرئاسة فاجأ الجميع والعالم خصوصا ان الاسواق المالية عبرت عن هذا الفوز بطريقتها الخاصة، وهذا اصدق تعبير على ان هذا الفوز لم يكن متوقعا”. ويضيف: “فوز ترامب يشير الى نجاحه في التواصل مع العمق الاميركي بحيث ان اولوياته اقتصادية خصوصا ان المواطن الاميركي يفتقر للوظائف ومستقبله الاقتصادي مهدد ولا يعيش استقرار امنيا وماليا، فاستطاع ترامب مخاطبة هذه الشريحة التي تبدو واسعة والتي ايضا لم تعد تغريها او تعني لها بالقدر الكافي خطاب الطبقة السياسية وهذا التصويت دليل على رفض الطبقة السياسية والنخب القائمة وهذا السيناريو نفسه حصل في بريطانيا لدى التصويت للخروج من الاتحاد الاوروبي”.
هذه النقاط الاساسية التي ادت للصدمة
من جهته، يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي الجنرال الياس حنّا في حديث لموقع IMlebanon أن “هناك عدّة نقاط اساسية تتعلق بانتخاب ترامب رئيسا لأميركا، فأولا خطاب الانتخاب شيء والنظام العالمي والتصرف فيه شيء آخر، أما ثانيا، فالامر الاهم هو ان الامبراطوريات والسياسات العظمى لا تغير سياستها مثل المنظمات والدول الصغيرة، وثالثا لكل رئيس اميركي حربه الخاصة ولا احد من الرؤساء الاميركيين ألقى خطابه ثم اعتدمه وحصل واقعا، فجورج بوش في العام 2000 قال انه سيلعب غولف وسيعمل على تعزيز الوضع الداخلي الاميركي، ولكن حصلت عمليات 11 ايلول غيرت اميركا والعالم والمنطقة، والرئيس باراك اوباما جاء تحت شعار انه سينسحب من الشرق الاوسط، فيما ان العسكري الاميركي موجود في الرقة والموصل والقيارة ومخمور والحسكة، وبقي بحدود 6 آلاف جندي ولكن الطريقة اختلفت.
ويضيف حنّا: “ترامب عنده مقاربة مختلفة للعالم لانه لا يأتي من بعد سياسي أساسي مثل كلينتون وغيرها، بل هو رجل اعمال ونظرته مختلفة ما يؤكد ان العالم انتقل الى مرحلة الـ”State Market” وليس الـ”State Political”، فجاء ترامب بخطابه الشعبوي وتحدث مع الشعب بالأمور التي يحب ان يسمعها وتطرق الى الهواجس، مثل مسألة المهاجرين غير الشرعيين اللاتين والمسلمين والنازحين، بالإضافة الى علاقته مع روسيا والرئيس فلاديمير بوتين فهو قال في خطابه انه سيكلف بوتين بضرب المنطقة وينهي الارهاب، ولكن يجب التشديد على ان هذا الخطاب السياسي قبل الرئاسة لذلك عندما يتسلم المهام ويجتمع مع المسؤولين السياسيين والعسكريين والمحللين فسيكون الامر مختلفاً تماما”.
ويتابع أن “القلق الذي سيواجهه ترامب داخلي ويتعلق بدخول الى روسيا الى منطقة كانت تاريخيا لاميركا وصعود الصين اقتصاديا والتهديد العسكري الكوري الشمالي، ولكن نحن اليوم أمام فترة 5 اشهر تعد بفترة سماح لذلك علينا ان ننتظر ونرى ما الذي سيقوم به”.
إنعطافة وتغيير جذري في الشرق الأوسط
وفي موضوع السياسة الخارجية ولاسيما الشرق الاوسط، يرى نادر انه “من المتوقع ان نشهد انعطافة وتغييرا جذريا باسلوب السياسية الخارجية في الشرق الاوسط ولكن الثوابت تبقى كما هي خصوصا في ما يتعلق باسواق النفط واسعاره ومواجهة الارهاب والعلاقة مع الشركاء على رأسهم اسرائيل، هذه الثوابت ستبقى ولكن الاسلوب سيختلف اولا لان شخصية الرئيس تختلف، فقد رأينا شخصية اوباما التي سمحت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتقدم بعد تأكده ان اوباما لا يميل لاستعمال القوة، أما ترامب فيختلف أسلوبه لانه شخصيته صدامية اكثر ويميل للمواجهة”.
ويؤكد نادر أن “العلاقة مع ايران لن تبقى كما هي خصوصا ان ترامب من المعارضين للاتفاق النووي ولكن هذا الاتفاق ليس من السهل الغاءه لانه موقع مع الدول العظمى، ولكن هذا مؤشر ان العلاقة مع ايران ستكون اكثر ترديا مما هي عليه اليوم”.
اما في موضوع مواجهة الارهاب، فيقول نادر: “ترامب شدد على انه سيقضي على الارهاب وانه سيرسل جنودا اميركيين لاقتلاع الارهاب وداعش ويسعى للتعاون مع روسيا لذلك سنشهد انفتاحا اكبرا مع الشريك الروسي وهذا الامر مؤخرا شهدنا عكسه خصوصا بعد اصطدام اوباما مع روسيا في الملف الاوكراني والسوري”.
ماذا عن تركيا والخليج واسرائيل؟
ويتابع نادر انه “مع انتخاب ترامب سنشهد تعزيزا وعودة للعلاقة بين اميركا وتركيا، اما على مستوى العلاقة مع الدول الخليجية، فترامب رجل اعمال وكل شيء يخضع له لحساب الربح والخسارة وليس متهورا كما يوحي للبعض ولن يستغني عن العالم الاسلامي خصوصا انه بحاجة الى شريك في الشرق الاوسط”.
وفي ما يتعلق باسرائيل، يرى نادرأننا “سنشهد مزيدا من الانفتاح والتعاون الاستراتيجي مع اسرائيل فهو الرئيس الذي وعد بنقل السفارة الاميركية من تل أبيب الى القدس، وهذا الموضوع له رمزية كبيرة”.
أما الجنرال حنّا، فيرى أن “روسيا موجودة عسكريا في سوريا وترسل الآليات العسكرية والطائرات الحربية لتترك واقعا على الارض وتسبق خطوات ترامب بشأن المنطقة، ولكن حديثه عن التقارب مع روسيا يعد ايجابيا لأننا ذاهبون باتجاه ضرب “داعش” وسنصل الى نهاية الحرب السورية بعد عدة سنوات مما سيوصلنا الى استقرار في لبنان وهذا متفق عليه دوليا واقليميا، والمطلوب ان نستعد نحن كدولة للمرحلة المقبلة لكي يتحدث معنا الاميركي، فاليوم علينا ان نضع انفسنا في موقع دبلوماسي شرعي وقوي لكي نتحاور مع اميركا”.