IMLebanon

تقرير IMLebanon: غازي عاد بعيون عارفيه…

ghazi-ad

 

انتزع الموت منّا رجلا مناضلا استمر نضاله 26 عاما من دون كلل او ملل، رجلا لم يعرف معنى التعب او الرضوخ، رجلا لم يهاب شيئا، وكرسيه المدولب لم يحد من نشطاته وتحركاته ومثابراته، رجلا كان يرعب سلطة الوصاية التي حاولت اكثر من مرّة اسكاته إلا انه كان دائما يواجهها بابتسامة واستهزاء، إنه السيّد غازي عاد رئيس “هيئة دعم اهالي المعتقلين في السجون السورية” (سوليد).

غازي عاد الذي كان هدفه الاوحد اراحت قلوب أهالي المعتقلين لمعرفة مصير ابنائهم رحل اليوم وترك وراءه أمهات لا يزلن يناضلن من اجل الافراج عن اولادهم او حتى معرفة اي شيء عنهم.

أقبية السجون السورية لا تزال تحوي معتقلين لم يروا النور منذ أكثر من 26 عاما، وهناك شهداء مدفونون بعيدا عن عائلاتهم في مقابر جماعية، فمتى يستفيق الضمير لإراحة قلوب الامهات؟

اليوم مات غازي المناضل الابرز في تلك القضية التي يجب ألا تموت وتنهض من تحت الرماد كطائر الفينيق كي نصل الى خواتيم سعيدة في تلك القضية.

فمن هو غازي عاد في عيون من عرفوه؟ وكيف بدأ نضاله؟

 

ghazi-3

 

ابن المعاناة والمأساة

الكاتب والصحافي في صحيفة “النهار” بيار عطاالله واكب غازي عاد في بداية مسيرته منذ العام 1990، ويروي عطالله في حديث لـIMlebanon أن “حياة غازي عاد كانت كلها مأساة، فأخيه شهيد في الحرب ووالداه توفيا واخته توفت، فالعائلة كلها مجبولة بالحزن وهو ابن المعاناة، ولاحقا تعرض لحادث سير في لبنان اقعده على كرسيه المدولب، فغازي كان يدرس الطب في اميركا إلا أنه تعرض لحادث سير وهو شاب ما ادى الى شلله بحيث امضى غالبية عمره على الكرسي المدولب”.

ويضيف عطالله: “تعرفت على غازي في العام 1990 بعد الاجتياح السوري في تشرين الأول، فبفضل الدكتور وائل خير المدير التنفيذي لمؤسسة الحق الانساني تعرفت على غازي عاد، وأذكر أن الدكتور خير قال لي أنه على معرفة بشخص يملك ملفات كثيرة عن المعتقلين في السجون السورية وطلب مني ان اتعرف عليه”.

ghazi-4

 

لولا غازي لما انطلقنا في العمل

من جهته، يؤكد رفيق درب غازي عاد ورئيس المركز اللبناني لحقوق الانسان وديع الأسمر، في حديث لـIMlebanon  عن ان “غازي بدأ بالعمل منذ العام 1990 على ملف المعتقلين في السجون السورية، ولو لم يستلم غازي هذا الملف وقضية المعتقلين لما كنا حققنا ما حققناه ولما كنا نملك ملفات مفصلة عن كل معتقل او توصلنا للافراج عن بعض المعتقلين، فللأسف لو اعتمادنا على الدولة والسلطات في هذا الملف لما كنا وصلنا الى اي نتيجة وكانت القضية اليوم انطفت”.

ويكشف الأسمر عن أننا “بدأنا العمل على الملف بجدية منذ العام 1993 ولو لم نلتق بغازي وراينا كمية المعلومات الهائلة التي يملكها والرسائل من اهالي المعتقلين بالسجون السورية لما استطعنا الانطلاق بمهمتنا، خصوصا أنه في تلك الفترة من كان يملك هكذا ملفات كان عرضة للخطف الى سوريا او حتى يتم اخفاءه، ولكن على الرغم من كل التهديدات والتوقيفات ظل غازي مثابرا وواجه كل الضغوط التي تعرض لها بحيث انتقلت القضية من قضية خاصة باهالي المعتقلين لتصبح قضية وطنية”.

 

ghazi-2

 

نشاطه كبر ككرة الثلج… وكانت “سوليد”

ويتابع عطاالله حديثه بغصة ويروي لنا كيف بدأ غازي نضاله من اجل الافراج عن المعتقلين في السجون السورية، ويقول: “غازي قام بلجنة تقصي حقائق قبل تشكيلها رسميا في العام 2000 فهو بدأ منذ العام 1990 بجمع المعلومات عن كل المعتقلين، وعندما حصل الاجتياح السوري سحب كل تلك الملفات من قصر بعبدا ووضعها في منزله وعندما تعرفت عليه شكلنا معه ومع السيد فادي التيار رفيق عمره لغازي لجنة دعم المعتقلين في السجون السورية “سوليد”، وبدأنا العمل ووضعنا كل الملفات في ارشيف منظّم وتابعنا الحالات كلها”.

ويلفت الى أن “الاعلام اللبناني لم يكن قادرا على نشر الخبر الذي كنا نوزعه بسبب السلطة السورية، فكنا نكشف اسماء كل شخص خرج من السجون او اعتقل، خصوصا انه من العام 1990 حتى العام 2005 الاستخبارات السورية لم توفر احدا في لبنان، وكان غازي دائما يقول: “نحنا ما منعتمل هم نقعد عاطلين عن العمل عطول في شغل”.

“عندما انتشرت القصة بدأ اهالي المعتقلين يتوافدون الينا بحيث انضم عدد من الاهالي لدعم القضية وهم فاطمة عبدالله وايلي رومية وفاضل التيار وصونيا عيد وهكذا بدأنا نتوسع وبدأ حراكنا يكبر وعملنا يزداد دقة، وقصة العسكريين الذين فقدوا في 13 تشرين الأول 1990 كان لها دورا حاسما اذ بدأت الامور تتراكم وتكبر ككرة الثلج”، يقول عطالله.

ghazi-5

 

ظاهرة نادرة وصفحة مضيئة بتاريخ حقوق الانسان

ويكشف عن أن “القضية اصبحت مطروحة على مستوى لبنان كله، وغازي كان ينهض بكل العمل التفيذي والعمل على الارض، وعندما ذهبت الى فرنسا فتحنا العلاقة مع المنظمات الدولية ومع  الفيديرالية الدولية لحقوق الانسان و”هيومن رايتس واتش” الذين اصدروا اكثر من تقرير عن المعتقلين في السجون السورية، وهكذا تفاعل الموضوع وكبر الى ان كان للرئيس السوري آنذاك حافظ الاسد زيارة رسمية لفرنسا، فاتصلوا بنا مكتب الرئيس السوري وطلبوا منا الا نضغط كثيرا على  الاعلام خلال زيارة الاسد لباريس ووعدونا بان يفرجوا عن بعض المعتقلين، وفعلا افرجوا عن دفعة كانت تضم نحو 154 شخصا وذهب يومها غازي عاد وانتظر عند نقطة المصنع على كرسيه المدولب بالهواء البارد وصول المعتقلين، ومن ابرز المعتقلين الذين افرج عنهم يومذاك هو علي بو دهن”.

عطالله يتابع حديث والغصة في صوته: “غازي زار الفاتيكان ومؤسسات حقوق الانسان كلها ولم يوفر أي وسيلة كي ينهي تلك المعاناة ووصل الى الامم المتحدة ولجنة حقوق الانسان على الرغم من انه كان على كرسي مدولب الا ان عقله كان يستوعب كمية ضخمة من المعلومات، وكان يستطيع ان يعطي الارقام والتفاصيل والوقائع بفضل ذاكرته الهائلة، فغازي كان يحفظ اسماء المعتقلين كلهم وحتى كل شخص قضيته وحالته فهو ظاهرة نادرة فعلا”.

ويشدد على أن “غازي عاد صفحة مضيئة في بتاريخ لبنان وسبيل حقوق الانسان والكرامة الانسانية وحق الانسان بالعيش بطريقة آمنة، وهو ظاهرة لا تتكرر، حمل من العام 1990 المملفات ولم يتعب وبقي حتى اللحظات الاخيرة يعمل عليها للافراج عن المعتقلين”.

ويلفت عطالله الى أن “غازي صاحب قلب كبير وابن المعاناة وتعذب وكان عنده تجربة مرّة جدا، الا انه استطاع ان يزحزح الجبل، خصوصا أن النظام السوري قام بعمليتي افراج عن معتقلين وتلك العمليتيين حصلت بمسعى من غازي عاد، فكان عنده جرأة وشجاعة للتطرق الى كل المواضيع الحساسة فهو فعلا صفحة مضيئة بسجل حقوق الانسان في لبنان، خصوصا أن النظام الامني السوري حاول اسكاته واستدراجه اكثر من مرة إلا انه لم  يرضخ ولم يخاف منهم”.

 

الدولة خذلتنا وغياب غازي لن يعوض

من  ناحيته يضيف الأسمر الذي عرف غازي عن كثب وواكبه في عمله ونشاطه: “للأسف لم نصل لمرحلة انشاء هيئة مستقلة للمعتقلين لكي نجد حلولا جذرية وجدية لان الدولة خذلتنا بآخر كيلومتر، وصحيح ان غازي لم يعد بيننا ولكن القضية لا تزال موجودة، والقضية هي قضية امهات واهالي وشعب من حقهم معرفة مصير المعتقلين”.

ويختم الأسمر: “الملفات موجودة في عدة اماكن والخطورة ليست على الملفات بل على التاريخ غير المكتوب لهذه القضية الذي ذهب مع غازي لانه كان بمثابة ذاكرة كبيرة لكل هذا الموضوع وللاسف هناك امورا لن نستطيع ان نقوم بها بغيابه، فغيابه صعب ولن يعوض بسهولة ولكن لن نتوقف عن القضية وسنستمر”.