IMLebanon

شاتيلا وكراً للمخدّرات: أين الدولة؟

chatila

 

 

كتبت هديل الزغبي في صحيفة “السفير”:

«ما بدنا مخدرات بدنا أمن واستقرار.. بدنا الليلة مداهمات». هذا نموذج من نماذج الهتافات التي أطلقت في مخيم شاتيلا التي يتظاهر للمرة الأولى، ضد تجار المخدرات والمروّجين لها، في المخيم والأحياء اللبنانية المجاورة له.

صار هناك «حي باطنية» في كل دولة عربية، وهناك من يسعى لأن يكون «حي باطنية» في كل مخيم من مخيمات لبنان. الأهداف ليست بريئة، وتكريس واقع كهذا يأخذ المجتمع الفلسطيني إلى مطارح جديدة، سياسياً وأمنياً واجتماعياً، بدليل ما يشهده محيط شاتيلا من اشتباكات بين عصابات ومجموعات مسلحة، هي أكبر دليل على ترابط مصالح بعض «المافيات» اللبنانية والفلسطينية ومدى خطورتها على المجتمع اللبناني ـ الفلسطيني.

لا يتردّد بعض مروّجي المخدرات في مخيم شاتيلا من بيع «الفراولة» بألفين وثلاثة آلاف ليرة لبنانية أمام المدارس لا بل في قلبها، عبر شبكات يكون من ضمنها بعض التلامذة مقابل مبالغ معينة.

جاءت تسمية «فراولة» من شكلها الشبيه بحبة الفريز والمشبع بنكهة الفريز أيضاً، وهي مكوّنة من مادة «تروموداي» المهدئة التي تمنح الشخص بداية نشاطًا ولكنها تجعله ينام بعد فترة زمنية وقتاً أطول.

يتميز مخيم شاتيلا عن باقي المخيمات الفلسطينية في لبنان بكونه يضم خليطاً سكانياً من جنسيات مختلفة، بينها أقلية فلسطينية، لا تتخطى الـ17 في المئة، وفقاً لإحصاءات «الاونروا» الأخيرة، فيما النسبة الأكبر من جنسيات لبنانية وعربية وآسيوية وحتى أفريقية.

الميزة الثانية للمخيم أنه غير مقيد بحواجز للجيش اللبناني، بعكس كل المخيمات الفلسطينية يلتقي في ذلك مع مخيمات بيروت كمار الياس.

«ترامال» و«سيلفيا»

يُعدّ مخيم شاتيلا من وجهة نظر الأمن اللبناني والفلسطيني وكراً بارزاً من أوكار تجارة المخدرات على أنواعها.. وترويجها. «الكبتاغون»، «الفراولة»، وهي حبّة حمراء صناعة مصرية واسبانية وتأثيرها أقرب ما يكون لـ«الترامال»، «سيلفيا» وهي نبتة تُضاف إليها مواد مخدرة، بالإضافة الى مادتي الكوكايين والهيرويين. بعض هذه المخدرات معروفة بأسعارها البخسة وسهولة الحصول عليها، وبعضها الآخر، ليس رخيصاً.

والمفارقة أن السلطة اللبنانية موجودة بالاسم، لكن غيابها يبدو فاضحاً كما الأمن الفلسطيني. هذا الواقع يجعل المخدرات تباع في المخيم علناً للأطفال، لا سيما بعدما قامت القوى الأمنية منذ عامين بتنظيف أطراف برج البراجنة في الضاحية الجنوبية من بعض التجار فقرروا الاستقرار في أطراف مخيم شاتيلا الغربية والشرقية.

ما إن تدخل مخيم شاتيلا حتى تضيع وسط ضجيج بائعي البسطات وعيون المروجين الصغار الذين يحيطونك أينما التفت وتحرّكت. أصوات وروائح وفوضى ولغات متعددة بهوية اجتماعية شبه واحدة.

تتحدّث مع بعض الآباء فتسمع الجملة نفسها «من شاتيلا خرج أبطال عملية ميونخ والشهيدة دلال المغربي». عبارة كافية للتدليل عن رفضهم واقع شاتيلا الآن. يقول محمد م. وهو والد أحد المدمنين الذي لم يتجاوز الرابعة عشرة من العمر: (بدأ بحشيشة الكيف واليوم يتعاطى «سيلفيا»): «لاحظت أن سلوك ابني بدأ يتغير، فاصطحبته إلى أحد الأطباء الذي طلب فحوصاً، إلا أن نتيجة فحص الدم لم تظهر شيئاً. عاودت الكرة مرة أخرى ولم يظهر شيء إلى أن اكتشفت أنه يأخذ حبوب منع الحمل وهي تصنع غلافاً حول المادة كي لا تظهر في فحص الدم».

الحراك لمكافحة المخدرات

نهض الشارع بتظاهرة عفوية في شاتيلا إثر اقتلاع الأمن الوطني الفلسطيني بسطة مخدرات تخص (أحمد ج.) في حي فرحات. ارتفعت حناجر أهالي وشباب المخيم الناشطين، فتحولت صرختهم حراكاً مدنياً، أعقبته تظاهرة أخرى عرفت بـ «يوم الغضب». لم يكتف شباب الحراك بهذا، بل قاموا بزيارات لممثلي «الفصائل الفلسطينية» في المخيم، مطالبين للمرة الأولى باقتلاع هذه الظاهرة الفتاكة من جذورها بعيداً عن الانقسامات والحسابات السياسية.

«الفصائل» تتقاذف التهم

ألقى أمن المخيم في الصيف الماضي القبض على ثلاثة تجار مخدرات وأودعهم سجن حركة «فتح الانتفاضة» في المخيم، قبل أن يستفيق أهل المخيم على فضيحة فرار الثلاثة إلى جهة مجهولة.

في 30 أيلول الماضي، صدرت «خلاصة تحقيق» مع الموقوفين (محمد س. ب.) و(احمد ع. ع.) على خلفية فرار التجار الثلاثة من سجنهم، وتضمنت الآتي: «تأكد عدم وجود أي مسؤولية للموقوفين المذكورين حتى في تسهيل عملية الفرار، وبناءً عليه تمّ الإفراج عنهما»، كما جاء في خلاصة التحقيق المذكور الذي برّأ الحراس ولم يحمل مسؤولية لأحد.

استفاق «الحراك» على خبر هروب التجار الموقوفين، وهم من ثلاث جنسيات مختلفة!

إثر ذلك، علّقت «الجبهة الشعبية – القيادة العامة»، في السادس عشر من تشرين الأول الماضي مشاركتها في القوة الأمنية في المخيم على خلفية ملف التجار المتوارين، معتبرة أن القوة الأمنية أصبحت عاجزة عن القيام بدورها الذي وجدت لأجله، وأنها باتت موضع شك من جمهور واسع في المخيم، واشترطت للعودة عن قرارها إعادة النظر في تركيبتها من مسؤولها ونائبه وصولاً الى ضباطها وعناصرها.

في 1 تشرين الثاني الحالي، أصدر تنظيم «الصاعقة» بياناً يتهم فيه مسؤول اللجنة الأمنية في شاتيلا (علي ف.) بالاستهتار بعضوية «الصاعقة»، وذلك بالإفراج عن عدد من المعتقلين من تجار المخدرات من دون الرجوع إلى مكتب «الصاعقة» الذي كان مشاركاً في الدورية التي أقدمت على اعتقال التجار، وسارعت حركة «فتح» ـ شعبة شاتيلا بالردّ على هذا الاتهام ببيان تذكّر فيه بمزاجية عمل «الصاعقة» وانفرادها بقرارات وخطوات معينة.

المخيم في العراء

في لقاءٍ مع العقيد الفتحاوي احمد عودة، وهو قائد الأمن الوطني الفلسطيني، وأحد المشاركين البارزين في مكافحة المخدرات في شاتيلا، يؤكد وجود كبار التجار في أطراف المخيم، أي في الأحياء ذات الأغلبية اللبنانية، مع «تشبيكهم» مع مروّجين من المخيم وخارجه.

يعلل عودة سبب انتشار الآفة في المخيم الى غياب «منظمة التحرير الفلسطينية» عنه وتركه في العراء ليتحول إلى وكرٍ، إضافةً إلى تشتت قرار «الفصائل» وغياب أي تغطية سياسية حقيقية للتصدي بالشكل الصحيح لهذه الآفة وكذلك الافتقاد لمرجعية ناظمة.

يؤكد عودة من موقعه أن «الأولوية اليوم باتت للتصدي للمخدرات برغم العوائق بدليل اعتقال «ابو الريان». وهو من كبار الرؤوس المصدّرة إلى المخيم، ويقول ان عملية الاعتقال تمت بالتنسيق مع مخابرات الجيش اللبناني، وأقدمت «الفصائل الفلسطينية» بعدها على اعتقال عدد من المروّجين، وعليه يلاحظ ارتفاع أسعار جميع المواد – ظرف الفراولة الذي كان يباع بـ5 دولارات، أصبح حالياً بـ30 ألف ليرة، وبهذا بدأ العمل على إنهاء الظاهرة بشكلها العلني».

أحد الناشطين في الحراك محمد الصادق يقول إن «وجود المخدرات في شاتيلا بهذا الشكل لا يمكن إلا أن يكون نتيجة سياسة ممنهجة لإعدام الأجيال الفلسطينية المقبلة، وعليه، فإن المدمن يتحوّل بسهولة إلى مروّج في ظل ظروف الحرمان المعروفة التي تعيشها مخيماتنا والتي من أهم أسبابها الفساد المتأصل والانقسام السياسي، وهذا ما يواجهه الحراك الآن»، قائلاً لممثلي «الفصائل»: «اتركوا على الأقل أولاد المخيم يحافظوا على بقائه بعدما ساهمتم في هدمه».

إلى أين يذهب المدمن في المخيم؟

يفوق عدد المؤسسات الاجتماعية في المخيمات عدد «الفصائل»، لكنها تنشط في اتجاهات محدّدة، وليس بينها مركز واحد لمعالجة المدمنين باستثناء «مركز إنسان» في مخيم برج البراجنة، علماً أن عدد المرضى فيه لا يتخطى الـ12 مريضاً، نظراً لكونه مبادرة فردية.

يطرح ذلك إشكالية المدمن الذي إذا تجرأ على النهوض من محنته، يعود ليكسره الشارع أو تهزمه قدرة أهله المادية غير الكفيلة بتأمين العلاج في مركز معالجة خاص خارج المخيم.