IMLebanon

الجيش يرسّخ معادلة الضرب “خلف خطوط العدو”

lebanese-army

كشفت مصادر أمنية لصحيفة “الأخبار” انه بدأ الإعداد لعملية توقيف “أمير داعش في عرسال” منذ عدة أسابيع. وبعدما رصدت وحدة خاصة من الجيش حركة احمد أمون، أعدّت العدة ثم أطبقت عليه في المكان والزمان اللذين لا يمكن أن يتوقعهما. واوضحت “الأخبار” أن المجموعة نفسها التي أشرفت على رصد “أمير الدولة في عين الحلوة” عماد ياسين واختطفته في عملية احترافية، هي نفسها المسؤولة عن عملية توقيف أمون. وكما انطلقت هذه المجموعة في مهمة خاصة إلى عين الحلوة، قصدت عرسال للغاية نفسها. وكانت “الغنيمة” أميرين بالطريقة نفسها. العملية الأمنية التي تسجل في خانة إنجازات الجيش الاستثنائية، تكشف عن قرار مختلف لدى قيادة الجيش، بدأت نتائجه تظهر منذ أشهر: “لن ننتظر الإرهاب ليضرب، ولا لإرسال خلاياه إلى المناطق الآمنة، بل سنقصده في عقر داره”.

أسلوب العمل هذا لم يُستخدَم حصراً لتوقيف أمون وياسين. فقبلهما، تمكن الجيش في عملية مماثلة في شهر آب الماضي من توقيف القيادي البارز في داعش المدعو طارق الفليطي وقتل سامح البريدي، في عرسال أيضاً. أُنجزت هذه العملية بالاحترافية نفسها. حُدِّد الهدف ثم استُهدف في أرضه ووسط مجموعته. كذلك نفّذت قوات خاصة من الجيش أكثر من عملية في جرود عرسال، لم تُعلَن لأسباب شتى. وأتت هذه العمليات نتيجةً لقرار اتُّخِذ منذ نحو 7 أشهر، بإعادة تفعيل العمل “خلف خطوط العدو”. فمنذ عام 2013، كانت الأجهزة الأمنية تلاحق الخلايا التي تنفّذ عمليات “داخل الأراضي اللبنانية الآمنة”، سواء بعد التنفيذ أو قبله. أما العمل “في المناطق الخارجة عن سلطة الدولة”، فقد توقّف مطلع عام 2013، بعد استشهاد الرائد بيار بشعلاني والمعاون إبراهيم زهرمان عندما حاولت قوة من الجيش توقيف القيادي الإسلامي خالد حجيري من قلب عرسال ووقعت في كمين للجموعات المسلحة.

ومنذ ذلك الحين، جمّد الجيش هذا النوع من العمليات ليعيد استئنافها في الأشهر الأخيرة، بعدما باتت هناك قناعة راسخة لدى قيادة الجيش بأن “هذه العمليات النوعية ضرورة قصوى لإنهاك العدو”.

عملية التوقيف انطلقت في تمام السادسة من صباح أمس، في منطقة في الجرود العرسالية تُعرف بوادي الأرانب. وبعدما تيقنت قوة الرصد من وجود الهدف في خيمته، وبعد إحصاء المجموعة المحيطة به وتحديد نوعية أسلحتها وعتادها، تلقت قوة “المكافحة” أوامرها ببدء التنفيذ، فيما كانت المنطقة المحيطة بالهدف تخضع للرصد، مع وجود قوات إضافية من الجيش قادرة على التدخل في حال استقدام المجموعات المسلحة قوات إسناد إذا ما طال أمد العملية. بعد الإطباق على الخيمة التي كان أمون موجوداً فيها، حدث اشتباك كانت قوة الدهم قد تحسّبت له، في ظل وجود أوامر صارمة من قيادة العملية بضرورة توقيفه حياً، لكي تُستثمَر المعلومات الموجودة في حوزته. أصيب أمون في إحدى رجليه، وتمكن الجيش من توقيفه ونقله بطوافة عسكرية إلى أحد المستشفيات. وكشفت قيادة الجيش أن الموقوفين في العملية هم كل من أحمد يوسف أمون الملقب بـ”أبو يوسف” وبـ”الشيخ”، عصام صديق، عبد الرحمن الغاوي، محمد الغاوي، حسام العكلة، عكرمة عيوش، تهامة عيوش، عدنان فاضل، عبد اللطيف صديق، محمد أمون وعلي أمون.

وقد صادر الجيش خلال العملية كميات كبيرة من الأسلحة والأحزمة الناسفة والأعتدة العسكرية. وتكشف المصادر الأمنية أنّ أمون متورط في العمليات التي طاولت دوريات الجيش عبر استهداف مباشر أو نتيجة زرع عبوات ناسفة وتفجيرها بدورياته، والمشاركة في إعداد السيارات المفخخة وتجهيزها وتفجيرها، ولا سيما في الضاحية الجنوبية لبيروت. وذكر الجيش أنّ الموقوف أمون مسؤول عن إطلاق الصواريخ على بلدات بقاعية في عام 2014، وأحد المخططين لعمليات الخطف التي طاولت مواطنين لبنانيين وسوريين في عرسال.

وذكرت المصادر الأمنية أنّ أمون كان قد جهّز سيارتين مفخختين لإرسالهما إلى ضاحية بيروت. وكشفت أنّه مسؤول عن إعداد الانتحاريين الخمسة الذين حاولوا التسلل عبر بلدة القاع وقدّم لهم تسهيلات لوجستية، قبل أن يؤدي خلل في التخطيط إلى إفشال العملية.

وكشفت مصادر أمنية بارزة لصحيفة “الحياة”، أن أمون كان موضع رصد ومراقبة منذ أكثر من شهرين. وقالت إن المراقبة شملت أيضاً المنازل التي يقيم فيها مع حراسه والواقعة عند أطراف مخيم النازحين السوريين في وادي الأرانب وفي داخله.

ولفتت إلى أن أمون يتنقل باستمرار بين هذه المنازل ويتّخذ الاحتياطات الأمنية في تنقلاته تحسّباً لأي خطة تؤدي إلى اعتقاله، مع اعتقاده أن إقامته في داخل مخيم النازحين تؤمن له الحماية.

وأكدت المصادر نفسها أن الخطة التي أعدتها مديرية المخابرات توافرت فيها جميع شروط النجاح لتفادي أي ثغرة يمكن أن تُعيق القوة المكلّفة باعتقاله. وقالت إن هذه القوة اختارت الوقت المناسب لإلقاء القبض عليه، وهذا ما يفسّر حصول العملية فجراً من دون أن تلقى أي اعتراض من النازحين السوريين الذين كانوا نياماً أو يمكن كشفها من قبل حراس أمون لحظة وصولها إلى المنزل الذي يقيم فيه.

وعلمت “الحياة” من مصادر أمنية أن تنفيذ مثل هذه العملية الأمنية تزامن في الوقت ذاته مع قيام مجموعات عسكرية أخرى بفرض رقابة أرضية وجوية على المنطقة التي حددتها، والتي يفترض أن يتواجد فيها أمون.

وقالت المصادر إن قوة الدهم بدأت تنفيذ المهمة بعد أن قسّمت المنطقة التي يتواجد فيها أمون إلى قطاعات لعزلها عن المناطق الأخرى في داخل المخيم وبالتالي لتكون لديها حرية التحرك من دون أي عوائق في حال حاول الفرار مع المجموعة التي تتولى حراسته. وأبدت ارتياحها إلى العملية النوعية التي لم يسفر عنها سقوط جرحى بين صفوف القوة التي دهمت منزله أو من النازحين السوريين في المخيم.

وقالت إنها اتخذت الاحتياطات اللازمة في حال اضطر إلى تفجير نفسه بحزام ناسف كان يلفه باستمرار حول وسطه. لكن تبيّن أنه لا يلبس الحزام الناسف أثناء وجوده داخل المنازل التي يقيم فيها أو يتردد إليها ويتركه على مقربة منه. وعلى رغم أنه حاول الفرار إلا أنه أصيب بطلقات نارية في أعلى فخذه وفي يده ما اضطر القوة إلى نقله فوراً بواسطة مروحية عسكرية إلى أحد المستشفيات في بيروت لمعالجته حرصاً من مديرية المخابرات في الإبقاء عليه حياً باعتباره بنك معلومات.

وقالت المصادر، إن القوة المداهمة اعتمدت بشكل أساسي على عامل التمويه الذي كان وراء نجاح العملية. أي أنها لم تدخل المنطقة بواسطة آليات وسيارات عسكرية إنما توغلت فيها بآليات وشاحنات صغيرة مدنية وهذا ما شكل عنصر مفاجأة شل قدرة حراس أمون على مقاومتها. إضافة إلى أن بعض عناصرها اضطروا للزحف لمسافة 1500 متر للوصول إلى المنزل.

ولقيت العملية ارتياحاً عاماً، خصوصاً لدى الملحقين العسكريين العرب والأجانب المعتمدين لبنان الذين سارعوا إلى الاتصال بمدير المخابرات العميد كميل ضاهر لتهنئته على سرعة العملية ودقتها.