IMLebanon

لبنان من “أحضان” الأزمة إلى “الاحتضان” العربي والدولي

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: رغم الأجواء الداكنة التي تهبّ من حلب “وأخواتها” وتضع السياسة والأمن في لبنان أمام “الاختبار السوري” المتوالي فصولاً… ورغم الظروف المناخية التي تشي بعاصفة تلو الأخرى، فان “الشمس أشرقتْ من جديد على لبنان” حسب وصْف وزير الخارجية الفرنسي جاك – مارك ايرولت الذي قام بزيارة خاطفة لبيروت استمرّت 24 ساعة وخُصصت لـ “مباركة” فرنسا التسوية السياسية التي فاز بها لبنان من “خلف ظهر” الحرب الاقليمية الدائرة في المنطقة وعلى تخومها، وأدّت الى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً وعودة الرئيس سعد الحريري الى السرايا الكبيرة وتشكيله حكومة وحدة وطنية.

هذه الشمس اللبنانية التي تسلّلت من بين الغيوم القاتمة في الإقليم، جاءت مصحوبة بـ”دفءٍ” تتنافس عواصم الاشتباك في المنطقة على إظهاره للبنان، الذي ربما ازدادت الحاجة لاستقراره السياسي والأمني في كنف عهدٍ جديد.

ولم يكن أدلّ على هذا الاحتضان لـ “صحوة النموذج” من تَزامُن ثلاث إشارات في يومٍ واحد بعيد تشكيل الحكومة وقبل إعلان بيانها الوزاري.

وقد تجلّت أولى الإشارات في زيارة ايرولت لبيروت والتي ركّزت على مساندة المسار الجديد الذي سلكتْه البلاد منذ انتخاب عون ثم تشكيل الحريري الحكومة والتحضير لعقد مجموعة الدعم الدولية للبنان اجتماعاً لها في باريس، الى جانب هبة الثلاث مليارات السعودية لتسليح الجيش اللبناني من فرنسا والتي كانت الرياض علّقت العمل بها بعد الأزمة مع لبنان على خلفية خروج عن التضامن العربي معها إثر الاعتداء على سفارتها في طهران.

وبدا واضحاً ان هذه الهبة ستكون جزءاً من الزيارة التي سيقوم بها عون للرياض الشهر المقبل مفتتحاً منها سلسلة جولات خارجية ستتقرّر تباعاً ولا يُستبعد ان تشمل ايضاً مصر، في حين علمت “الراي” ان زيارة عون لباريس لن تحصل قبل ايار المقبل اي بعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية ليكون لهذه المحطة وقعها المطلوب.

وفيما تأتي المبررات “التقنية” لاختيار عون السعودية كأوّل إطلالة خارجية له باعتبار ان الرياض كانت أول مَن وجّه الدعوة اليه ليزورها خلال اتصال الملك سلمان بن عبد العزيز به لتهنئته بانتخابه رئيساً، فإن هذه المحطة المنتظرة من شأنها ان تعيد الزخم الى العلاقات الثنائية واستطراداً بين بيروت ودول الخليج مكرّسة طي صفحة التوتر “العابر” الذي بدأ قبل نحو عام، وذلك ايذاناً باسترجاع لبنان الخليجيين وتالياً عودته نقطة استقطابٍ سياحية تعكس احتضاناً سياسياً افتقده في الفترة الماضية.

واذا كانت التسوية السياسية في لبنان التي أفضت لانتخاب عون رئيساً وعودة الحريري الى رئاسة الحكومة قابلتْها الرياض بارتياح عارم منذ ما قبل بدء تنفيذها حتى، فإن الإشارة الأبرز الى “التوازن” الذي تشعر الرياض بأن هذه التسوية أدت اليه تجلّت في قيام ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان اول من امس بالاتصال بالحريري مهنئاً بتشكيله الحكومة الجديدة ومتمنياً له النجاح والتوفيق في مهماته، لما فيه مصلحة وخير لبنان وشعبه، مؤكدا وقوف المملكة إلى جانب لبنان وحرصها على تقوية وتطوير العلاقات بين البلدين.

وما أعطى اتصال الامير محمد بن سلمان أهميته المضاعفة انه ترافق مع زيارة مستشار وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والافريقية حسين جابر الانصاري لبيروت التي افتتح لقاءاته فيها بزيارة الحريري قبل ان يستكمل جولته امس مع كل من رئيسيْ الجمهورية العماد عون والبرلمان نبيه بري، ناقلاً تهنئة إيران بتشكيل الحكومة الجديدة.

والواقع ان كلام الانصاري بعد لقائه بري حمل بُعداً بارزاً في رأي اوساط سياسية اذ جمع بين ما شهده لبنان خلال المرحلة الماضية “من نوعٍ من الإجماع والتوافق السياسي بين كافة المكونات في لبنان بالشكل الذي ادى الى انجاز الاستحقاقات الرئاسية والحكومية”، وبين “تطورات وإنجاز تحرير حلب من براثن الارهاب، وهذا يُعتبر مؤشراً قاطعاً الى نجاح المواجهة التي يقودها الشرفاء ضد الارهابيين التكفيريين”، قبل ان يشير الى ان “الرسالة الاساسية التي يمكن ان نفهمها من مجمل التطورات السياسية تتركز في امرين: اولا ان الوفاق والتفاهم السياسي هو الذي يؤمن الحل المنشود والسريع لكل الملفات الاقليمية، ونعتبر ان المضي قدماً في المواجهة العسكرية الميدانية فقط لوحدها على الارض مع الارهابيين لا يمكن ان يؤدي وحده الى ايجاد الحلول السياسية الملائمة لكافة المشاكل التي عانتها المنطقة، انما ايضاً ولوج باب الحل السياسي لا يمكن ان يحقق الأهداف المنشودة الا اذا تمت مقارعة الحركات الارهابية والمتطرفة”.

وانطلاقاً من كلام الانصاري، ترى الأوساط السياسية ان ثمة اقتناعاً متزايداً يسود دوائر عدة بأن التسوية الرئاسية في لبنان، ولو انها لم تتمّ بتفاهم مباشر اقليمي بقدر ما حصلت بدفْع داخلي وعدم ممانعة خارجية، إنما تُعتبر “الجزرة” التي تُستعمل في مقابل “العصا” المستخدَمة في سورية، بمعنى ان “فك الاشتباك” الايراني – السعودي في لبنان وإبقاء “بلاد الأرز” مساحة لـ “حفظ خط الرجعة” يشكّل حاجة لإثبات ان “خيوط الحلول السياسية” في المنطقة لم تُقطع بالكامل بعد.

ومن هذا المنطلق بالتحديد تشير الأوساط نفسها الى ان البيان الوزاري لحكومة الحريري والذي يفترض ان تكون لجنة صوغه أنجزته امس في وقت قياسي، يشكّل اشارة تسهيلية جديدة الى أن يتم إقراره في جلسة مجلس الوزراء الاسبوع المقبل وسط صعوبة قد تعترض الدعوة الى جلسات للبرلمان لمناقشته ومنح الحكومة الثقة على اساسه في الاسبوع نفسه اي قبل رأس السنة، ما يجعل احتمال إرجاء جلسات الثقة التي تمتد عادة الى 3 ايام في الاسبوع الاول من 2017.