IMLebanon

2017 سنة البطالة لصحافيي لبنان!

كتبت جويل رياشي في صحيفة “الأنباء” الكويتية:

ستغيب صحيفة “السفير” عن اكشاك توزيع الصحف اعتبارا من بداية 2017. الخبر ليس صادما هذه المرة، اذ كانت “الثانية ثابتة” من قبل ناشرها وصاحبها الاستاذ طلال سلمان، الذي صارح موظفيه بالإقفال، بعد تمديد نجم عن المحاولة الاولى قبل أشهر.

في الماضي، كانت اطنان الورق تتحدى المعابر وخطوط التماس، وتغالب ساعات الفجر الاولى قبل الطباعة لتصل الى القارئ حاملة كل جديد. أمور كثيرة تبدلت في قطاع يواجه فيه الزملاء مصيرهم، في غياب اجراءات حكومية رادعة تقيهم شر البطالة، وقبلها مزاجية اصحاب الصحف في “حجب” الرواتب عنهم، وقد بلغت 15 شهرا في “النهار” الاعرق بين الصحف، حيث – وبحسب زملاء – وضعت الاستقالة الخطية “ممرا إلزاميا لنيل المتأخرات دون تعويضات الصرف”.

حكاية “السفير” تختلف، اذ ان سلمان قرر التقاعد، وبالتالي لا توريث لأولاده لمتابعة المسيرة. لم يكسر الرجل الثمانيني قاعدة تسديد الرواتب للزملاء قبل 31 الشهر، ولم يدفع مرة واحدة في بداية شهر جديد.

وقد صارح الزملاء في رغبته تجنيبهم انتظار الرواتب مصفيا الامور المالية مع الغالبية، سعيا الى اقفال هادئ وشامل بحيث تغيب “السفير” ورقا وموقعا الكترونيا.

وبين الورق والـ “أونلاين”، تشهد الصحافة اللبنانية موجة بطالة في غياب مؤسسات داخلية قادرة على الاستيعاب علما ان الأزمة تطال ايضا الاقنية التلفزيونية اللبنانية، فيما مل الزملاء سماع لازمة كساد سوق الاعلانات. وبعضهم يشير الى ان ايام العز في الصحافة اللبنانية، ويقصدون المال السياسي الخارجي، هبطت بردا وسلاما على اصحاب الصحف، في حين ان الزملاء تركوا لمصيرهم، اي انهم لم ينالوا قرشا ابيض من ايام الخير لاستعماله في الايام السوداء التي يمرون بها اليوم.

الغالبية من الزملاء في “النهار” يهنئون رفاقهم في “السفير” على ما يسمونه “النهاية السعيدة (…) لم يغرقكم صاحب الصحيفة بالديون والاعباء المالية، وجنبكم الدخول في متاهة لا نرى افقا لها”.

وحكاية التوريث لا تبدو مشجعة في الصحف اللبنانية، والجميع يتذكر كيف بادر ابناء نقيب المحررين الراحل ملحم كرم الى اقفال دار “ألف ليلة وليلة”، التي كانت تصدر عنها مطبوعات عدة.

ولم يقتنع عدد من الزملاء بحجة شح الاعلانات، ويتخذون من الصحف الخليجية التي تزيد عدد صفحاتها وتنشر ملاحق اضافية يومية مثالا على حججهم.

ويتحدث بعضهم عن أزمة ادارية اعمق من الازمة المالية، فيما يرى البعض ان الحل يكمن في تغيير “نوعية” اصحاب الصحف، وإتاحة المجال امام مستثمرين يأتون الى عالم الاعلام للإنفاق عليه في مقابل التحصيل من مجالات اخرى. ويختصر زميل في “النهار” الوضع قائلا: “لا يجوز ان يكون صاحب الصحيفة مثلنا، يبحث عن لقمة عيشه منها (…)”.

البعض من الزملاء يتجه لتأسيس ما يسمونه مشاريع صغيرة خاصة تقوم بغالبيتها على مفهوم المواقع الالكترونية.

اما البعض الآخر فيأمل خيرا بإقبال مستثمرين “لأن سوق الصحف تعاني فراغا لابد من العمل على سده والإفادة منه وفق معايير تجارية واضحة”.

في هذا الاطار، تقول زميلة في “النهار” تنتظر بت مصيرها في الأيام المقبلة انه “من المفروض ان نقف مع بعضنا البعض في هذه الظروف، ونؤسس لصحافة بديلة، لأن الصحافة التقليدية انتهت، فهي صحافة ورثة، وليس كل من يرث مؤهلا للحفاظ على الإرث. والصحافة البديلة يجب ان تكون وفق معايير نقابية جديدة وقانون اعلام جديد”. واعتبرت ان “معيار البقاء في النهار ليس الكفاءة بل الولاء للإدارة”.

اما الزميلة فاطمة حوحو، وهي من دفعة المصروفين الاخيرة من صحيفة “المستقبل”، فتقول: “في يوم واحد اصبحنا في الشارع، خمسون موظفا. ولم نلق دعما من الزملاء. فقط بيان خجول من نقابة المحررين، رفع عتب. لم يتظاهر احد تنديدا”.

وأضافت: “للأسف، كشفت ازمة الصحف ان ليس هناك صحيفة لبنانية قرارها داخلي. هي صدى لأصوات خارجية.

كان يمكن للصحافة المكتوبة ان تعيش اكثر لو عملت بمهنية اكبر وقدمت تحقيقات جدية تلامس هموم المواطن، ولكنها فضلت ان تقلد التلفزيونات مركزة على المواضيع المثيرة التي لم تعد تجذب القراء في ظل الفضاء الاعلامي المفتوح”.

وأضافت: “على الدولة ان تدعم الصحف وعلى نقابة المحررين ان تحمي الصحافيين المخضرمين المصروفين”.

وفي اتصال مع “الأنباء”، اكد نقيب المحررين الياس عون ان “لبنان بلا صحافة مكتوبة سيعود مائة سنة الى الخلف”، وراهن على الحكومة الجديدة للمساهمة مع النقابة في ايجاد حل للازمة، منوها بوزير الاعلام الجديد ملحم رياشي. ومما قال: “الازمة عالمية وليست محلية ولكننا هنا في حاجة الى اعلام ينظم الاعلام الإلكتروني”.

وأكد ان النقابة ساعدت زملاء في السفير قصدوها في ايجاد المخرج القائم على تحسين شروط التعويضات.

وردا على اتهامات التخاذل من قبل الزملاء في “المستقبل”، قال: “النقابة ليست صاحبة المال”.

وعن معاناة الزملاء في “النهار” الذين قبضوا منذ ايام راتب كانون الاول 2015، قال: “مستعدون لمساعدتهم عندما يطلبون ذلك”.

اما وزارة العمل، فتركت “خرطوشة اخيرة” لتحصيل التعويضات بما يعرف بمصالحات يقوم بها مجلس العمل التحكيمي.

ومعلوم ان الوزارة لا تتحرك الا بناء على شكوى من المتضررين، وهذا الامر عبر عنه الوزير السابق سجعان القزي بقوله: “لسنا نيابة عامة لنتحرك بناء على اخبار.

لم يتقدم احد بشكوى، وبالتالي لا سلطة لنا على التدخل”.