IMLebanon

صعوبة ولوج الحل السياسي من باب تثبيت الهدنة في سوريا

كتبت ربى كبّارة في صحيفة “المستقبل”:

كرّست مفاوضات آستانا حول سوريا ان اي حلّ لأزمتها لا يمكن الا ان يكون حلا سياسيا، في كشف واضح لتوازنات الدول الراعية والضامنة لوقف اطلاق النار، بحيث اتت الاولوية للنظرة الروسية-التركية التي تركز على الحلّ السياسي، خلافا للتوجه الايراني- الاسدي الذي ينحو باتجاه الحسم العسكري كمقدمة لأي بحث سياسي.

فالبيان الختامي اتى بيان عموميات، اسوة بكل بيانات البحث الدولي في الصراع السوري، ولم يحدّد موعدا للقاء جديد، بل جيّر الحضور الى اجتماع من المقرر ان ينعقد في جنيف في الثامن من الشهر المقبل برعاية الامم المتحدة، استئنافا لمحادثات عبثية متكررة، توقفت للمرة الاخيرة في نيسان الماضي.

فالمحادثات التي استمرت على مدى يومين في العاصمة الكازاخستانية ضمت ممثلين للنظام السوري والمعارضة بهدف تثبيت وقف اطلاق النار: برعاية وضمان روسيا وايران للطرف الاول، ورعاية وضمان تركيا وحدها للطرف الثاني الذي التحق مضطرا بعد استدارة انقرة باتجاه موسكو خصوصا وانها الباب الذي يمدها بمتطلبات البقاء. وقد تميزت عن محادثات سابقة بحجم الوجود العسكري في الوفدين، خصوصا ان الهدف الاساس تثبيت وقف اطلاق النار الذي توافق عليه المشاركون وعلى ان يستثني تنظيم “داعش” وجبهة “النصرة” من موجباته.

فقد تقررت مفاوضات آستانا بعد خسارة المعارضة حلب. وهي الخسارة التي تحققت بفضل الطيران الروسي الذي كثف تدخله بناء على طلب ايراني- اسدي، بعد فشل الميليشيات الايرانية الشيعية وبقايا الجيش النظامي في استرداد المنطقة. فبعد هذا الانتصار جنحت موسكو إلى الحل السياسي حتى لا تكرر تجربة افغانستان، فيما لم يخف الاسد وايران رغبتهما في التوجه نحو ادلب بعد حلب.

وهذه المحادثات غابت عنها للمرة الاولى الولايات المتحدة الاميركية كما غابت الدول الاوروبية والعربية. وقد كرست التقارب الروسي – التركي في مقابل مؤشرات تباين واضح بين موسكو وطهران غالبا ما كشفت عنه تصريحات مسؤولين ايرانيين كمثل تلميح المرشد علي خامنئي الى روسيا في قوله “لا يمكن لبلد واحد ان يفرض وحده مستقبل سوريا”. يضاف الى ذلك تكرار بشار الاسد مرارا “ان الرهان الحقيقي هو على الحسم العسكري” وان “الانتصار على الارهاب يمهد الطريق امام حل سياسي” خصوصا انه يعتبر ان كل من حمل السلاح ضده “ارهابيا”.

وعلى الرغم من ذلك، وافقت ايران كما ممثلو النظام السوري على بيان ختامي نصّ على انه “ما من حل عسكري للصراع السوري، وبأن الصراع يمكن حله فقط من خلال عملية سياسية، قائمة على اساس تطبيق قرار مجلس الامن 2254 بشكل كامل”.

فموسكو تسعى لحل سياسي يضمن بقاء مؤسسات الدولة خصوصا العسكرية منها والتي ساهمت في بنائها على مدى عقود لتكون هذه المؤسسات ضامنة للحفاظ على موطئ قدم فعال لها في المنطقة يكرس وجودها، فيما ايران تريد سوريا مفككة ضعيفة خاضعة لنفوذها كما العراق عبر التغلغل في نسيجها الاجتماعي.

والبيان الختامي، المستند اساسا الى نص قرار مجلس الامن رقم 2254 الذي تبنى بيان جنيف 1 القاضي “بتشكيل هيئة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة”، التزم سيادة واستقلال ووحدة اراضي سوريا باعتبارها “دولة ديموقراطية، متعددة الاثنيات، متعددة الاديان، غير طائفية”. لكنه شدّد على تثبيت وقف اطلاق النار، من دون ان يحدّد آلية مراقبته مكتفيا بـ”اقرار انشاء آلية ثلاثية لمراقبة وضمان الالتزام الكامل بوقف اطلاق النار ومنع وقوع اي استفزازات ووضع الآليات الناظمة لوقف اطلاق النار”.

مفاوضات آستانا لا صفة تنفيذية ملزمة لها ولم تحقق ما املت به من تفاوض مباشر بين النظام والمعارضة للمرة الاولى منذ بدء الصراع الذي يدخل بعد اقل من شهرين عامه السادس. ويبقى السؤال ماذا عن انعكاسات الحكم الاميركي الجديد سواء على تقارب مستجد من تركيا او على رهان ضمني للمعارضة وللدول العربية المعنية بموقف مغاير يتخذه الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب؟