IMLebanon

نزوح لبنان (بقلم بسام أبو زيد)

 

بقلم بسام أبو زيد

في ظل الجدل القائم بين اللبنانيين على قانون الانتخابات وغيرها من القضايا الداخلية، تقف الدولة اللبنانية عاجزة عن مواجهة قضية النازحين السوريين التي تشد خناقها يوما بعد يوم على لبنان وتكوينه وهويته.

يبلغ العدد المتداول للنازحين السوريين في لبنان مليون وخمسمئة ألف نازح يتكاثرون بمعدل يتراوح بين 50 إلى 70 الف سنويا، وهم في معظمهم من الأعمار الشابة إذ يبلغ عدد الطلاب منهم نحو 400 ألف نصفهم في المدارس، كما يستخدم هؤلاء البنى التحتية اللبنانية التي تعرضت وتتعرض لضغط كبير.

إزاء هذا الواقع، والواقع الأسوأ المتمثل في انتشار هؤلاء فوق معظم الأراضي اللبنانية، تغلغل النازحون السوريون في معظم الحياة اليومية اللبنانية، باعتبار أن الطبيعة لا تحب الفراغ فحلوا في كل الأماكن التي سادها الفراغ بمبادرة منهم ومبادرة من لبنانيين أيضا حتى وصلت الامور في مجالات عدة إلى منافسة غير مشروعة دفعت وتدفع بالكثير من اللبنانيين نحو خيارات سلبية ونحو بطالة مستجدة يدفعون ثمنها مع عائلاتهم.

منذ بداية الأزمة السورية لم يتعاط اللبنانيون والدولة اللبنانية كما يجب مع هذا الملف، وكان للإنقسام المذهبي والوطني حول الحرب السورية دور أساسي في الفلتان الذي ساد النزوح السوري إلى لبنان، إلا أنه بعد مضي كل هذه السنوات أصبح الجميع يدركون الخطر المحيط بالبلد وحتى ولو كابر البعض رافضا الحديث عنه.

في صفوف هؤلاء النازحين السوريين مئات الآلاف ممن تلقوا التدريب العسكري، وهم بمختلف فئاتهم وتوجهاتهم منظمون بطريقة أو بأخرى، وليس أدل على ذلك يوم شارك عشرات الألاف من السوريين بإعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد وكيف تحركوا بموجب كلمة سر وصلتهم من دمشق وعممت عليهم.

إن هذه التجربة مرشحة لتكرار في أي لحظة ويمكن لأي جهة سورية أو غير سورية أن تحرك مجموعات كبيرة من هؤلاء فوق كل الأراضي اللبنانية باستخدام عنصر المال أو غيره من العناصر بهدف عسكري أو سياسي معين، ولن يمر ذلك مرور الكرام إذ إنه سيخلق بالفعل صداما بينهم وبين لبنانيين فضلا عن صدام بين لبنانيين أيضا، لأن التجربة لن تكون بعيدة عن الصدام الذي حصل في القرن الماضي مع الفلسطينيين.

في هذا المجال الأكثر خطورة وغيره من المجالات التي يجتاح فيها النازحون السوريون لبنان، لم يعد من المجدي دفن الرؤوس في الرمال بل أصبح المطلوب معالجة ملحة وسريعة لتخفيف الأخطار والضغوط المحيطة بالبلد جراء ذلك. وهنا يفترض بالدولة اللبنانية أن تطلق حملة إقليمية ودولية لشرح مخاطر هذا النزوح، وأن تكون واضحة في شرح هذه المخاطر وعدم التغاضي عن أي منها، كما يفترض أن تحمل في إطار هذه العملية خطة للمعالجة تتضمن تدابير داخلية واقتراحات تعرض على المجتمع الدولي ترفع عبء النازحين عن الداخل اللبناني، وفي مقدمة هذه الاقتراحات مخيمات حدودية وعودة عدد من النازحين إلى الأراضي السورية.

إن إقامة مخيمات للنازحين السوريين في مناطق حدودية لبنانية لا يستلزم مناطق آمنة محمية دوليا، بل يستلزم في البداية قرارا من الدولة اللبنانية بذلك وأن تقام هذه المخيمات بقدرات الدولة إذا توفرت أو بقدرات من المجتمع الدولي، وأن تضم بجوارها المدارس والمستشفيات الميدانية وحتى السجون وكان ما يتطلبه الأمر من مقومات لذلك.

وربما يفترض بالدولة اللبنانية أن تتواصل مع النظام السوري انطلاقا من المخاطر التي يشكلها النزوح على لبنان، ومن مسؤولية هذا النظام في المساهمة بحماية مخيمات النازحين التي يمكن أن تقام عند الحدود، إضافة إلى مسؤوليته في إعادة أعداد كبيرة من هؤلاء إلى مناطق في سوريا، ولا سيما تلك التي تقع تحت سيطرته ويمكن للسكان العودة إليها. ولا بد للدولة اللبنانية أن تكون حازمة هنا في إعادة من يثبت أن بقدراتهم العودة وبينهم غير مهددين في حياتهم وأرواحهم.

إن أزمة النازحين السوريين ليست كأزمة قانون انتخابات. إنها أزمة يمكن، إن استمرت على هذا المنوال لفترة من الزمن، أن تقضي على وطن وشعب ناضل كل بطريقته من أجل الحفاظ على بلده، فنحن في لبنان لسنا معنيين بالتفريط ببلدنا لا كرمى لعيون معارضة سورية ولا كرمى لنظام سوري، بل نحن مدينون فقط بإنقاذ البلد… فتفضلوا.