IMLebanon

ندفع “جزية” فساد المسؤولين! (بقلم رولا حداد)

كتبت رولا حداد

بصراحة لا أحب الأرقام ولا أكتب عادة في المواضيع الاقتصادية، لأنني لا أتابعها إلا بالحد الأدنى الذي يتطلبه عملي الصحافي والإعلامي. ولذلك لا أعتبر أن هذه السطور تشكل “تطفّلاً” على الخبراء الاقتصاديين ورجال المال والأعمال، ولا طبعاً على المسؤولين المعنيين.

ما يعنيني بعد ما قرأته كمواطنة لبنانية عن سلسلة من 27 ضريبة مقترحة ضمن الموازنة الجديدة الموعودة بعد طول غياب، هو الجانب الأخلاقي في الموضوع ليس أكثر.

أفهم بصراحة أن وضع خزينتنا سيئ بسبب العجز الهائل الذي تخطى الـ75 مليار دولار. وأفهم أنه من الناحية المالية والاقتصادية من المستحيل إقرار سلسلة الرتب والرواتب من دون تأمين المداخيل اللازمة في المقابل، تفادياً لانتكاسة مالية تُضاف إلى سلسلة الانهيارات التي نعيشها.

لكن ما لا أفهمه هو لجوء المسؤولين والحكومة مجتمعة، وحتى مجلس النواب في حال أقرّ مثل هذه الموازنة، إلى سياسة فرض ضرائب جديدة قبل القيام بالحد الأدنى المطلوب من الإصلاحات التي ستؤدي حكماً إلى توفير مليارات الدولارات سنوياً، ما يوفّر على المواطنين الكثير من الضرائب.

فبأي منطق نبحث في فرض ضرائب إضافية ترهق كاهل الموطنين، وخصوصاً الطبقات الفقيرة وما بقي من الطبقة المتوسطة، في بلد تزداد فيه نسبة اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر؟!

وحتى لا يكون كلامي من دون إشارات واضحة، أسأل:

ـ لماذا لا يتجرّأ المسؤولون على معالجة فضائح مرفأ بيروت حيث يتم إدخال كميات هائلة من البضائع من دون دفع الرسوم الجمركية المفروضة قانوناً، والتي يقدّر الخبراء قيمتها بأكثر من مليار دولار سنوياً تُحرم منها الخزينة اللبنانية؟ وكيف نفرض ضرائب جديدة على قسم من اللبنانيين في حين أن ثمة فئة لا تدفع الضرائب المفروضة حالياً بموجب القوانين النافذة؟

ـ لماذا لا يقدم المسؤولون على وضع اليد على أمور مماثلة تحصل في مطار رفيق الحريري في بيروت حيث يتم أيضا إدخال كميات كبيرة من البضائع من دون أن تمر عبر القنوات الرسمية؟

ـ كيف يمكن فرض ضرائب جديدة من دون القيام بإصلاحات على صعيد الإدارة لناحية وقف المحسوبيات وطرد الموظفين الذين يتقاضون رواتب ولا يعملون؟

ـ لماذا نفرض ضرائب جديدة في حين نمتنع عن القيام بجباية جدية للضرائب والرسوم في مختلف القطاعات وعلى كل الأراضي اللبنانية؟

ـ لماذا نلجأ إلى الضرائب الجديدة في حين أنه بقرار وحيد مثل خصخصة الإنتاج في قطاع الكهرباء نوفر ما بين مليار دولار وملياري دولار سنويا، وهو قيمة العجز السنوي في مؤسسة كهرباء لبنان، وقد تحمّلت الخزينة اللبنانية منذ انتهاء الحرب وحتى اليوم ما يفوق الـ30 مليار دولار عجزاً بسبب العجز في مؤسسة كهرباء لبنان؟!

ـ أي ضرائب جديدة وروائح الصفقات والسمسرات تفوح بملايين الدولارات من كل مناقصة تجريها الدولة اللبنانية، ومن كل عمليات إيجار الأبنية وشراء المستلزمات في كل إدارة ووزارة؟!

ـ كيف نتحدث عن ضرائب جديدة من دون أن نقدم على تطبيق سياسة “من أين لك هذا؟” على كل المسؤولين والموظفين والقضاة لنضع حداً للفساد المستشري ونواجه كل مظاهر الإثراء غير المشروع؟

الأمثلة لا تنتهي، ويبدو أن الإشكالية التي نعاني منها في لبنان أنه “طق شلش الحياء” لدى المسؤولين، وبتنا نعيش في غابة حيث المطلوب من المواطنين- المُكلَّفين أن يدفعوا “جزية” فساد المسؤولين ليموّلوا عجز الموازنة، عوض أن تحصل انتفاضة شاملة على الفساد في عهد ادعى لنفسه عنوان “محاربة الفساد”!