IMLebanon

حلف جنبلاط ـ فرنجية على حساب من؟!!

 

كتب جورج عبيد في صحيفة “الديار”:

أبلغ رئيس “اللقاء الديموقراطي”ر النائب وليد جنبلاط رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وبحسب مصادر سياسيّة مواكبة، وخلال لقائهما الأخير قبوله بالعودة إلى القانون المختلط شرط دمج قضائيّ عاليه والشوف قي محافظة واحدة أو دائرة واحدة. وتقول المعلومات الواردة من تلك المصادر بأن نقاشًا مستفيضًا حصل بين الرجلين، حلّ عليه مضمون كلام أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله، فيما خصّ اقتراحه ان يؤخذ قانون نجيب ميقاتي كمسودة عمل ليصار إلى مناقشتها وبعد ذلك إلى تنقيحها إذا كان لا بدّ من ذلك.

وفي معلومات واضحة، إنّ برّي سينقل رؤية جنبلاط عبر مندوبه الوزير علي  حسن خليل إلى اللجنة الرباعية، واستطراداً إلى قيادة “حزب الله” ليصار إلى مناقشتها والإجابة عليها فيما بعد سواءً بالرفض أو الموافقة.

لكن العارفين بموقف الحزب يرون بأنّ ثمّة صعوبة بالاتجاه نحو القبول بمراد جنبلاط أي القانون المختلط مع دمج دائرتي عاليه والشوف ضمن دائرة واحدة أو محافظة واحدة. فمتى أعلن نصرالله موقفه أمسى ملزماً وناجزاً بالمعنى العقيديّ والتنفيذيّ للكلام، ويذكّر هؤلاء بموقفه خلال إعلان دعم ترشيحه للعماد ميشال عون للرئاسة، فقد بلغ واتجه به نحو التنفيذ الأقصى والتجسيد المتين وعلى حساب حليفين كبيرين له، وهما برّي ورئيس تيار “المردة” النائب سليمان فرنجيّة، حتّى تبوّأ العماد سدّة الرئاسة. وما سرى في ذلك الموقف يسري في الوقت عينه على قانون الانتخابات، فالنسبيّة باتت قاعدة عقيديّة وجوهريّة في الحزب، وقد وجّه السيد كلامه بصورة واضحة “إلى أهلنا الدروز” باعتباره بأن النسبية تنقذ الجميع، فالأكثريّ إلغائيّ، ولن يسير الحزب به.

يحسّ جنبلاط وبناءً على لقائه برّي وموقف نصرالله، بواقع ضاغط عليه بالضرورة، سيّما أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري قد وعد رئيس الجمهوريّة بمماشاته في القانون الذي يؤمّن عدالة التمثيل للجميع بلا معايير تجسيديّة مختلفة. وترى بعض الأوساط بأنّ جنبلاط لا يريد أن يخسر قرار اختيار النواب المسيحيين بضمّهم إلى لائحته، ويسعى في هذا الإطار للامتداد على فرنجيّة كزعيم مسيحيّ شماليّ، في تحالف معه جديد. لقد أبان خطوط هذا التحالف المستجدّ تصريح فرنجيّة من خلال مهاجمته النسبيّة كقاعدة جوهريّة لقانون الانتخابات، على الرغم من أن لا شيء يجمع بين الجبل والشمال، ولا قواعد لتيار “المردة” في عاليه والشوف، ولأوّل مرة يتبيّن بأنّ ثمّة تباينًا بدأ يظهر بين فرنجيّة وطلال أرسلان، وهما حليفان صديقان كما لاحظت بعض المصادر، الحلفّ المستجدّ بين فرنجيّة وجنبلاط قد تمّ على حساب القواعد الجامعة بين فرنجيّة وأرسلان.

مصدر رئاسيّ لخّص موقف الرئيس على النحو التالي:

-لن يقبل رئيس الجمهوريّة وبناء على المعطيات المتوفرة بين يديه قضم حقّوق الآخرين مثلما ما قبل يوماً قبل الرئاسة وبعدها قضم حقوق المسيحيين في الدولة، وتلك قاعدة ثابتة لا حياد عنها عند رئيس الجمهوريّة وقد عبّر عنها غير مرّة.

-لن يقبل رئيس الجمهوريّة أن يتعثّر العهد بقانون انتخابات لا يكون صورة عن الفلسفة التي أنتجت العهد. وبرأيه إنّ النسبية سبيل واقعيّ وموضوعيّ لجميع المكونات إلى حال واحد. وعلى هذا لا مجال لعودة إلى قانون الستين، وفي الوقت نفسه لن يقبل بقانون هجين يستولد الحروب مجدّداً في لبنان والمنطقة اليوم تعيش حالة ارتجاج جديد وواضح نتيجة استمرار الخلافات العربيّة-العربيّة.

-يستغرب رئيس الجمهوريّة تعمدّ بعضهم تصوير النقاش على أنّه مقدّمة لفتنة داخليّة وبخاصّة بين المسيحيين والدروز. فمسألة جنبلاط ليست مع المسيحيين لا مع رئيس الجمهوريّة ولا مع التيار الوطنيّ الحر ولا مع القوات اللبنانيّة، وليست بالتالي مع الرئيس بري أو “حزب الله”، مسألته باتت بدورها مع عدد من النخب الدرزيّة في الجبل وقد أمست بطبيعتها بنيويّة. فما يهمّ الرئيس وبحسب المصدر ان يكون على تواصل مع الجميع وهو على تواصل مع الجميع، لكنّه لن يقبل بالتسيّب السياسيّ الذي ساد لبنان منذ التسعينيات من القرن المنصرم.

-يشدّد رئيس الجمهوريّة على قانون تتجلّى فيه قيم المواطنة، والنسبيّة عمادها، المسألة تبقى عنده في الشكل والمضمون لكون الشكل يعكس المضمون بالضرورة ويؤمنان الطبيعة المحاكية لعقول الناس واذهانهم. فالأكثريّ مرفوض بالمطلق لكونه ظهر إقصائيّاً وقد عانى المسيحيون من الإقصاء والعزل كثيراً وطويلاً، ويرى بأن إمكانية الدمج بين الأكثريّ والنسبيّ كإمكانية الدمج بين الأرض والسماء، والشرق مع الغرب، فكيف يستوي الإقصائيّ مع الشموليّ؟ وعلى هذا فالقانون الأمثل عنده يبقى مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ أو النسبيّة مع ثلاث عشرة دائرة أو ست عشرة دائرة مع الصوت التفضيليّ، وهذا ما ينقذ التنوّع اللبنانيّ ويقوده رويداً رويداً إلى المواطنة وإلى لحظة إلغاء الطائفيّة السياسيّة ومجلس للشيوخ وفقًا للقيد الطائفيّ.

يتماهى رئيس الجمهوريّة مع موقف أمين عام “حزب الله” في هذا المعطى، فوجود نخب جديدة وشريكة في المجلس النيابيّ بات حاجة ضروريّة واستراتيجيّة بحسب مصدر سياسيّ، والهدف من وجود هذه النخب التسويغ لقيام دولة حقيقيّة يعكف رئيس الجمهوريّة على فتح ملفات الفساد فيها بلا تشفّ ولا انتقام بحسب المصدر الرئاسيّ. الرؤية القائمة في عقل عون بالتوافق مع نصرالله وحتى مع الحريري الذي بات جزءًا محدَثاً في هذا المشروع، أنّ بناء الدولة وقيامها على نضارة واسعة وطهارة نسبيّة، تبدأ بهذا القانون عيناً، وعلى هذا لن يكون الأمر في عهد عون كما كان سائداً في عهد رؤساء سابقين.

غير أن معلومات أخرى مشكّكة بدأت تتمحور إعلاميًّا عند عدد من السياسيين بالتشكيك في قدرة الرئيس على تلك النوعيّة الطبيعيّة في التجسيد. وتبدي قلقاً بأن تكون النسبيّة بدورها وشاحاً لتموضع تلك الطبقة السياسيّة عينها بلا تبديل أو تغيير أو شراكة. ويخشى هؤلاء من الأحلام الورديّة المتضخمة في عقول بعضهم، ويذهبون إلى الاعتبار بأن قضية لبنان منذ استقلاله حتى الآن تبدو في انغراس ثقافة الفساد في ترابه، لتبدو تلك الثقافة رحمًا لولادة متجددة لتلك الطبقة في ظلّ قانون يأتي وفقاً لمسميات مختلفة ومتنوعة.

هذا التشكيك توقفت عنده بعض الأوساط معلنة بأنّ عهد الرئيس عون هو الفرصة الأخيرة، فإن نجح ببناء هذه الدولة سطع لبنان، وإن عوكس من بعضهم فإنّ البلد سائر لا محال إلى محطات متجددة من اللاإستقرار. والصورة الواضحة حتى الآن بأن فعالية الرئيس في القرار متجذّرة في أرض الواقع على المستوى السياسيّ والأمنيّ، وستتوسّع من خلال قانون انتخاب نسبيّ تقود لبنان نحو فجر بازغ ونور مطلّ.

المهم أن يطمئن الجميع. آخر شباط موعد لبنان مع قانون جديد للانتخابات، وعليه ستجري الانتخابات وفقاً لهذا القانون في أيّار المقبل، وستنطلق من هناك ورشة بناء الدولة مع مجلس نيابيّ جديد وحكومة جديدة ودم جديد ينبض في شرايين الحياة السياسيّة، ليقود لبنان من جديد إلى الحياة الهانئة والآمنة.