IMLebanon

تحرك شعبي لإحياء مشروع قانون العفو العام

 

 

كتب يوسف دياب في صحيفة “الشرق الأوسط”:

 

مع بداية كل عهد رئاسي جديد٬ تنتعش آمال السجناء في لبنان٬ سواء كانوا محكومين أو موقوفين٬ بعفو عام يفتتح به الرئيس الجديد عهده. هذا الأمل تحقق في عام أقره مجلس النواب٬ أراد من خلاله طي صفحة الحرب الأهلية بكل آلامها٬1991 في مطلع السنة الثانية من عهد الرئيس الراحل إلياس الهراوي٬ الذي وقّع عفواً عاماً ومآسيها٬ والانتقال إلى مرحلة العيش الواحد والبناء٬ لكنه استثنى من ذاك العفو٬ الجرائم المحالة إلى المجلس العدلي٬ أي جرائم الاغتيال التي طالت رؤساء جمهورية ورؤساء حكومة وسياسيين ورجال دين إبان مرحلة الحرب.

اليوم عادت أحلام العفو لتدغدغ مشاعر آلاف في لبنان٬ ليس على مستوى السجناء فحسب٬ بل عشرات آلاف المطلوبين الذين تتعقبهم مذكرات التوقيف والأحكام غيابية ومذكرات البحث والتحري في جرائم مختلفة٬ وهؤلاء تتراوح أعدادهم بين 30 و40 ألف شخص٬ من كل المناطق والطوائف٬ وبمختلف الجرائم٬ صغيرة كانت أم كبيرة. وهذه المّرة لم تقتصر المطالبة على البيانات والنداءات٬ إنما ترجمت بتحركات شعبية واسعة على الأرض بدأت قبل أيام في كثير من المناطق٬ لاقاها الموقوفون

بحالات تمّرد وإضراب عن الطعام داخل السجون٬ لتشكيل حالة ضغط٬ والدفع باتجاه إقرار هذا العفو. وفيما بدأ البعض التسويق لفكرة أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيسير في المشروع٬ أكدت مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية ميشال عون٬ أن “العفو العام هو من اختصاص مجلس النواب٬ وعندما يوضع هذا القانون قيد البحث الجدي يبدي رئيس الجمهورية رأيه فيه”.

وثمة ثوابت يتمسك بها رئيس الجمهورية٬ وفق المصادر التي تحدثت لـ “الشرق الأوسط” والتي أوضحت أنه “منذ الاجتماع الأول للرئيس عون مع مجلس القضاء الأعلى٬ أكد الرئيس أن الدستور يعطيه الحق بمنح العفو الخاص لمحكومين٬ إلا أنه تعّهد بألا يستخدم هذا الحق إطلاقاً”. وكشفت المصادر أن الرئيس عون “أبلغ مجلس القضاء بأنه لن يوقّع على أي حكم بالإعدام٬ وسيعمل على تخفيض عقوبته من الإعدام إلى الأشغال الشاقة المؤبدة٬ منطلقاً من مبدأ٬ أن أي مسؤول حتى لو كان رئيس الجمهورية٬ لا يملك حق إنهاء حياة إنسان آخر٬ لأن الله تعالى الذي أودع الروح في هذا المخلوق٬ وحده الذي يحق له انتزاعها”.

قبل انتخاب رئيس للجمهورية٬ لم تكن الدولة اللبنانية بعيدة عن مقترحات إصدار عفو عام. فقبل انتخاب عون بشهرين تقريباً٬ شّكل وزير العدل (السابق) اللواء أشرف فها بوضع مشروع قانون للعفو عام٬ يأخذ في الحسبان جملة من الاعتبارات والأسباب التي لا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها٬ حيث أكد مصدر ريفي لجنة قضائية٬ كلّ قضائي لـ”الشرق الأوسط”٬ أن اللجنة “اجتمعت 3 مرات وبدأت في وضع الأفكار التي يمكن البناء عليها لإعداد مشروع القانون٬ لكن مع وصول وزير العدل الجديد بعدما عّبر الأخير عن رغبته في إعادة النظر ببعض القرارات التي اتخذها سلفه”.

سليم جريصاتي٬ توقفت اجتماعات اللجنة٬ بانتظار رأي الوزير الحالي٬ خصوصاً في جريمة اغتيال اللجنة القضائية التي يرأسها القاضي بركان سعد (رئيس محكمة التمييز الجرائية وعضو هيئة المجالس العدلي)٬ والقاضي محمد صعب (محققاً عدلياً للغرفة الابتدائية في بيروت) والقاضي حمزة شرف الدين (رئيس لجنة تخفيض للسر٬ والقاضي محمد مرتضى (محققاً عدلياً ورئيساً الوزير الأسبق محمد شطح) أميناً العقوبات٬ والمكلّف بمتابعة أوضاع السجون)٬ أخذت على عاتقها بحث كل الجوانب التي تستوجب الأخذ بها قبل رفع مشروعها إلى وزير العدل.

ويهدف المشروع وفق المصدر القضائي٬ إلى “دراسة الحالات والأسماء التي قد يشملها القانون٬ ضمن شروط محددة٬ تلحظ بالدرجة الأولى الأوضاع الإنسانية إلى أن “آخر الإحصاءات كانت تتحدث عن نحو 7200 والاجتماعية للسجناء٬ والاكتظاظ الكبير في السجون٬ والمّدة التي أمضاها كل سجين خلف القضبان”٬ لافتاً نزيل في كل السجون اللبنانية بين محكومين وموقوفين٬ ما عدا حالات الاحتجاز الاحتياطي في أماكن التوقيف العائدة لمخافر وفصائل قوى الأمن الداخلي والأمن العام”.

وكان أهالي المئات من الموقوفين والمحكومين والمطلوبين للقضاء نظموا اعتصامات أمام قصر العدل في مدينة بعلبك في البقاع اللبناني٬ رفعوا خلالها الأعلام اللبنانية ولافتات تطالب بالعفو العام. وشارك في الاعتصامات نسوة رّددن شعارات مؤيدة للعفو بعدما قُطعت عدة طرق. كما امتد هذا التحرك إلى مدينة صيدا٬ حيث نفّذت أمهات وزوجات وأبناء الموقوفين بأحداث عبرا٬ وأنصار الشيخ الموقوف أحمد الأسير اعتصاماً طالبوا فيه بإقرار قانون العفو.

وتظهر الوقائع أن التحركات الشعبية٬ تتلاقى مع رغبة بعض الأحزاب الموجودة في الحكومة٬ وهذا ما كشفه الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله٬ الذي دعا في خطابه الأخير إلى أخذ مطلب العفو على محمل الجّد. واعتبر أن “الملاحقات التي تطال آلاف المطلوبين في البقاع وغير البقاع٬ يجب أن تعالجها الدولة بحكمة وموضوعية وتحت سقف القانون”.

في حالات ويفترض بقانون العفو في حال صدوره أن يخفف من ضغط الملفات التي تغرق بها المحاكم اللبنانية٬ كما يخفف من الاكتظاظ في السجون٬ الذي يتسبب دائماً تمّرد داخلها. وهذا ما أشار إليه رئيس المحكمة العسكرية السابق العميد الركن الطيار خليل إبراهيم٬ حيث ذّكر في تصريح لـ”الشرق الأوسط”٬ بأن “نحو نصف السجناء في لبنان٬ ملفاتهم موجودة بالمحكمة العسكرية”. وأعلن أنه خلال توليه رئاسة المحكمة على مدى 5 سنوات “تم الفصل في 25593 ملفاً٬ وبعض هذه الملفات فيها ما بين 50 و100 شخص”. ولفت إلى أن “أي عفو يجب ألا يشمل المحكومين أو الملاحقين بجرائم إرهاب”. وقال: “لدينا أمثلة وشواهد خطيرة٬ الموقوفون في أحداث الضنية (معارك حصلت بين مجموعة متشددة والجيش اللبناني مطلع عام 2000 في جرود الضنية في شمال لبنان)٬ الذين خرجوا من السجن بعفو عام٬ عاد أن “الموقوف أحمد سليم ميقاتي الذي أفرج عنه بأحداث الضنية٬ خرج من السجن وجنّد جيلاً من الشباب بينهم أولاده

معظمهم واستأنفوا نشاطهم الإرهابي”٬ مؤكداً وأولاد شقيقه٬ وانخرطوا في تنظيم داعش الإرهابي وشاركوا في قتل وذبح جنود الجيش اللبناني في عرسال وغيرها”.

إلى أن “شمول جرائم المخدرات بالعفو٬ يبقى وحذّر العميد خليل من “خطورة أن يشمل أي قانون عفو جرائم الإرهاب وجرائم التعامل مع العدو الإسرائيلي”٬ لافتاً خاضعاً لاعتبارات يحددها المختصون بدراسة مشروع القانون”٬ مشدداً على أن “أي عفو يشمل جرائم المخدرات٬ يفترض أن يكون مشروطاً٬ بحيث إذا عاد المعفى عنه إلى هذا العمل٬ تطّبق عليه العقوبة القديمة مع العقوبة الجديدة”.