IMLebanon

كيروز: التزويج المبكر للأطفال بلاء كبير

 

في إطار ورشة عمل نظّمتها الأمانة العامة لمجلس النواب بالتعاون مع مشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مجلس النواب بعنوان “منع تزويج الأطفال” ألقى النائب إيلي كيروز مداخلة بعنوان “التزويج المبكر للأطفال بلاء كبير”.

قال في مقدمتها: “أقتربُ من الموضوع وأنا أنطلقُ من مفاهيم الحرية والمساواة والعدالة، من الهمّ الإنساني العام. أراهن على إعادة اكتساب إنسانية مجتمعنا، على استثمار في العقل وعلى إصلاح من أجل الإنسان.  إن التزويج المبكر للأطفال لا يقتصر على لبنان، كما لا يقتصر على المجتمعات العربية، بل يشكّل ظاهرة عالمية، وهو بكل بساطة بلاءٌ كبير. إنه التزويج الذي يتمّ قبل سن الثامنة عشرة أي سن الرشد عالمياً. ويشكل هذا التزويج انتهاكاً بحق النساء وممارسة تَحرُم الفتيات من حقّهن في طفولة كاملة وآمنة. ومن نافل القول أن من حق الفتاة أن تتمتع بطفولة كاملة لا أن تعيش الأمومة في عمر الطفولة (أمّهات وهنّ طفلات).

وفي اقتراح القانون، لفت الى أنّ التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني أعدّ مشروعاً لحماية الأطفال من التزويج المبكر والذي شارك في إعداده كل من القاضي جون قزي والدكتورة ماري غنطوس والدكتور عمر نشّابة والأستاذة ندى خليفة. لقد أردتُ أن أحوّل المشروع الى اقتراح قانون ودخلت في نقاش مع التجمع ليأتي الإقتراح انعكاساً لموقفي وقناعتي الشخصية. وإني أجد أنّ فلسفة الإقتراح وأسبابه الموجبة تتفوّق على الإقتراح بحدّ ذاته بآلياته وإجراءاته.

وأشار الى أبرز مميزات الإقتراح، وهي كالتالي:

ـ يعرّف الإقتراح الطفل بأنه الإنسان الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره بشكل يتماشى مع اتفاقية حقوق الطفل ومع المادة 240 من قانون العقوبات اللبناني.

ـ يحدّد الإقتراح سن الزواج بثماني عشرة سنة على كل الأراضي اللبنانية تماشياً مع السن القانونية للزواج عالمياً.

ـ يجعل الإقتراح سن الزواج متساوياً بالنسبة للمرأة والرجل.

ـ يلغي الإقتراح الإستثناءات التي تفتح مجالاً واسعاً للمخالفات كما هو واضح في كل قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية. ويؤكد الإقتراح على حظر زواج الأطفال.

ـ يشدد الإقتراح العقوبات بحق كل من يقوم بتزويج الأطفال.

ـ الأسباب الموجبة.

ويأتي الإقتراح انسجاماً وتوافقاً مع الأسباب الموجبة التالية :

أولاً : في مقدمة الدستور اللبناني، وقانون أصول المحاكمات المدنية.

لقد نصّ الدستور اللبناني في مقدمته على التزام لبنان بأحكام مواثيق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

كما فرضت المادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية على المحاكم أن تتقيّد بمبدأ تسلسل القواعد وأن تتقدّم أحكام المعاهدات الدولية على أحكام القانون العادي عند تعارضها وفي مجال التطبيق.

ثانياً : في الإتفاقيات والتوصيات الدولية.

لقد حظّرت الإتفاقيات والتوصيات الدولية التزويج المبكر للأطفال. ويمكن بوضوح استقراء توجّه عالمي لتوحيد سن الزواج بثماني عشرة سنة بقطع النظر عن الخصائص الدينية والثقافية.

1ـ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة. شدّدت الإتفاقية على اتّخاذ التدابير الضرورية بما فيها التشريعية لتحديد سنّ دنيا للزواج بشكل يمنع زواج الأطفال.

2ـ اتفاقية حقوق الطفل. لقد عرّفت الإتفاقية في المادة الأولى منها الطفل بأنه “كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة”. ودعت لجنة حقوق الطفل الدول الأطراف الى مراجعة سن الرشد إذا كان محدداً بأقل من 18 سنة. وتجدر الإشارة الى أن الدول العربية ولبنان لم تتحفّظ على نص المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل.

3ـ توصيات لجان الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان.

ـ اعتبرت اللجنة الدولية لحقوق الطفل واللجنة الدولية لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بأن الحدّ الأدنى لسن الزواج ينبغي أن يكون 18 سنة للرجل والمرأة.

ـ ودعا بيان مشترك صادر في ال2012 عن لجنة حقوق الطفل واللجنة الدولية المعنية بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الدول الى رفع سن الزواج الى 18 سنة للرجل والمرأة.

ـ لقد أوصت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضدّ المرأة الدولة اللبنانية بأن تحدّد السنّ القانونية الدنيا للزواج بواقع 18 عامًا للإناث والذكور تماشيًا مع المعايير الدولية.

ـ كما دعت اللجنة الدولية لحقوق الطفل في تقريرها الدوري الثاني لبنان الى رفع السن الدنيا للزواج وجعله مماثلاً للرجل والمرأة.

ـ ولقد أوصت لجنة الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية الدول برفع الحد الأدنى لسن الزواج وجعله متساوياً للمرأة والرجل.

ـ وأقرّت لجنة مناهضة التعذيب بأن تزويج الأطفال قد يشكل معاملة قاسية ولا إنسانية لا سيّما إذا لم تحدد الحكومات حدّاً أدنى لسن الزواج يتقيّد بالمعايير الدولية.

ثالثاً: في القانون اللبناني.

ـ لقد حدّد قانون الموجبات والعقود في المادة 215 منه سن الرشد المدني بثماني عشرة سنة وكسنّ للإلتزام المدني. (سن رشد مدني).

ـ لقد أراد المشرّع أن يوحّد بين سنّي الرشد المدني والرشد الجزائي فاعتبر أنه إذا أتمّ شخص سن الثامنة عشرة من عمره فإنه بذلك يكون قد بلغ سن الرشد الجزائي وصار أهلاً لأن يُسأل مسؤولية تامّة. (سن رشد جزائي).

ـ لقد اشترط قانون العمل اللبناني في المادة 91 منه توافر سن الثامنة عشرة للإنتساب الى النقابات العمالية. (سن رشد نقابي).

ـ لقد فرض الدستور اللبناني سنّاً للناخب يجب أن تتوافر فيه وهي إحدى وعشرون سنة. (سن رشد إنتخابي).

ـ إن القانون رقم 422/2002 المتعلق بالأحداث المخالفين للقانون أو المعرَّضين للخطر قد عرّف الحدث بأنّه الشخص الذي لم يتمّ الثامنة عشرة من عمره.

ـ لقد فرض قانون السير في المادة 199 منه أن يبلغ المواطن اللبناني ثمانية عشر عاماً أو واحداً وعشرين عاماً للإستحصال على رخصة سوق.

ـ لقد وضع القانون اللبناني سنّاً دنيا للإستحقاقات الحياتية العادية من حيث الأهلية والإدراك والوعي والإرادة والخبرة الحياتية والنضوج العقلي والنفسي وتفهّم مخاطر الحياة، فلا يُعقل أن يكون استحقاقٌ مصيري كالزواج وكأنه الأقل أهمية من بين كل الإستحقاقات.

رابعاً: في حق الطوائف والنظام العام.

إنّ حق “الطوائف التاريخية” بالتشريع في مجال الأحوال الشخصية غير مطلق ومشروط بما اسمته المادة التاسعة من الدستور اللبناني “بعدم الإخلال بالنظام العام” وبالإلتزام بالمعايير الدولية الإنسانية. إن التزويج المبكر للأطفال بعواقبه وأخطاره على القاصر والأولاد والأسرة والمجتمع، أفلا يُعتبر إخلالاً بالنظام العام اللبناني؟

خامساً: في حق الدولة في تنظيم حياة المواطنين.

يجب على الدولة أن تستعيد حقها في تنظيم حياة مواطنيها وفي حماية العائلة اللبنانية وأن تكافح العادات والأعراف الضّارة التي تشجّع مثلاً على التزويج المبكر من خلال تحديد سن دنيا للزواج بالشكل الذي يمنع زواج الأطفال ويحول دون المشاكل الكبيرة الناتجة عن هذا الزواج.

وفي الخلاصة، أشار الى أنّ الإقتراح يهدف الى استعادة إنسانية الإنسان ويحثّ لبنان على الإلتزام بأهداف التنمية المستدامة 2030 في الهدف الخامس الذي ينصّ على ضرورة القضاء على تزويج الأطفال.