IMLebanon

جديد واشنطن

 

 

كتب علي نون في صحيفة “المستقبل”:

 

ليس مستساغاً على الاطلاق تبخيس الموقف الأميركي المعلن في شأن رئيس سوريا السابق بشار الأسد. ولا اعتباره صادراً عن “خفّة” في التشخيص والاستنتاج، ما يستدعي بالتالي “تثقيف” إدارة دونالد ترامب “وإفهامها” حقيقة ما يحصل في سوريا.

يُفهم تماماً أن يصاب أهل النكبة السورية بالذهول والقنوط، وأن يتأسّى كثيرون في هذه الدنيا من اعتماد إدارة أميركية معايير متناقضة في سياساتها وصولاً الى التغاضي الفظ عن واحدة من أكبر الجرائم المرتكبة في حق البشر، منذ ويلات الحرب العالمية الثانية.

لكن ما لا يُفهم،هو قطع الموقف عن سياقه. وعدم الأخذ بمقدماته ومآلاته، وتلك كانت واضحة منذ الأيام الأولى للإدارة الأميركية الجديدة من خلال التأكيد والتركيز على عنوانين رئيسيين في سياستها الخارجية الاول إكمال الحرب على الإرهاب. والثاني فتح دفتر الحساب مع إيران وامتداداتها في دول المنطقة وصولاً الى اعتبارها “أكبر راعية للإرهاب في العالم”.

الخطوات الميدانية التي اتخذت في الشمال السوري من قبل الأميركيين، وإزاء تركيا والأكراد كانت بدورها مقدّمات واضحة لذلك النسق السياسي الذي لا يخرج عن ذينك العنوانين الرئيسيين.. والغريب هو الافتراض أن أساطين الإدارة في واشنطن، في دوائر الخارجية كما في”البنتاغون”، كما في الأجهزة الأمنية ذات الإمكانات والقدرات الهائلة “لا يعرفون” مثلاً طبيعة علاقة الحياة والموت القائمة بين الإيرانيين وبقايا سلطة الأسد.. أو”لا يعرفون” حقائق الإرهاب وجماعاته وطلاسمه وتحركاته ومنابعة الخ. أو إنهم غافلون عن حقائق الارتكابات الصادمة التي حفل بها الملف الأسدي إزاء السوريين وكان أشنعها استخدام الأسلحة الكيماوية ومشتقاتها “المحرمة دولياً”.

ما يعني (في محاولة الاستنتاج) أنّ هذه الإدارة الأميركية الموصومة بالفظاظة والوضوح والمباشرة، تحاول أن تقاتل نفوذ إيران في سوريا بحلفاء إيران! ونفوذ إيران في العراق بحلفاء إيران! سوى أنّ بشار الأسد ليس حيدر العبادي ولن يكون! والتعامل معه (من بعيد!) صار (ربما!) خاضعاً لمعادلة أن بقاءه (المرحلي في كل حال) شرطه الابتعاد عن الإيرانيين، على عكس المرحلة الماضية..

لكل مرحلة ملائكتها على ما يُقال، لكن الثابت منذ ست سنوات الى اليوم هو أنّ قوى المعارضة السورية كانت انتهت منذ السنة الأولى لو أنّها اعتمدت على الموقف الأميركي! في حين العكس هو الصحيح بالنسبة الى الأسد: لو أرادت واشنطن تطييره، لما بقي في مكانه ست ساعات وليس ست سنوات.

أزعم (والله أعلم) أن لا جديد في الموقف الأميركي من الأسد، بل الجديد فيه يختص بإيران… والفيلم في بداياته!