IMLebanon

لبنان عاِلقٌ في “حفرة” قانون الانتخاب و”حبْل النجاة”…يَقصر

 

 

كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:

الجميع صاروا في حفرةٍ لا خروج منها إلا بحبْلٍ تتقاسم أجزاؤه القوى السياسية، ولا إمكان ليتحوّل سلّم نجاة إلا إذا جُمعت هذه الأجزاء بتنازلاتٍ متبادلة يشكّل كل منهاعقدة ربْطٍ، لأن البديل الإمعان في الانزلاق نحو التحت الذي لا تحته تحت».

هكذا تختزل أوساطٌ سياسية مطلعة في بيروت عبر «الراي» المشهد القاتم في لبنان العالق في عنقِ زجاجةِ قانون الانتخاب الذي تَتشابك حسابات الأطراف السياسية في مقاربته، بين قوى تريده ممراً طائفياً لـ «تحرير» النواب المسيحيين من غلبة أصوات الناخبين المسلمين، المقرِّرة، وقوى أخرى (حزب الله) تتعاطى معه من زاوية استراتيجية ذات صلة بمجمل رؤيته للواقع اللبناني وتوازناته الطائفية والمذهبية والسياسية وسبل الإمساك بمفاصله.

وبين الاثنين يقف فريقٌ (النائب وليد جنبلاط) يريد حفظ وجود طائفته (الموحّدين الدروز) ومنْع «تذويبها» في بحر قوانين لا تراعي الخصوصية الدرزية ويحرص على وحدة الجبل وتنوّعه، وآخر (تيار الرئيس سعد الحريري) يشعر بأنه فعَل «الأخطر» حين سار بالتسوية التي أفضتْ الى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية ولم يعد يعتبر خسارة عدد قليل من النواب في أيّ قانون انتخاب أمراً دراماتيكياً، ويتمسك بتدعيم التسوية الرئاسية واعتماد استراتيجية تحييد نفسه عن الاشتباك الشيعي – المسيحي بما يسمح بإسقاط العديد من الأقنعة حول مَن هو القاطرة الفعلية للتمديد الثالث للبرلمان ومَن هو غير المتحمّس لإقرار قانون جديد في هذه المرحلة وتالياً لا يحبّذ إجراء الانتخابات.

وتحت سقف هذه الخيارات الكبرى، تدور الحرب بالصيغ التي يختصرها في الأيام الأخيرة السباق بين «التأهيلي» (من مرحلة انتخابٍ طائفي على الأكثري ضمن القضاء الى اقتراعٍ وطني ضمن 10 دوائر بالنسبي) الذي يطرحه «التيار الوطني الحرّ» (حزب عون)، والطرْح المزدوج لرئيس البرلمان نبيه بري الذي يقوم على وضْع قانون انتخابٍ على النسبية يفضي الى برلمان تراعى فيه المناصفة المسيحية – الإسلامية بالتزامن مع إنشاء مجلس شيوخ يمثّل العائلات الطائفية.

ورغم أن هذين الطرحيْن يشكلان عنوان أحْدث جولات التفاوض الانتخابية، إلا أن كلاً منهما يخفي وراءه «الهدف» الفعلي لـ «المعركة»: فـ «التيار الحر» (ومعه في جانبٍ كبير «القوات اللبنانية») يَرفض النسبية من خارج ضوابط لا تعود معها «ديموقراطية عدديّة»، ولذلك تراوح طروحاته الرئيسيّة بين «المختلط» (بين الأكثري والنسبي) والتأهيلي، مع الانتفاح على فكرة مجلس الشيوخ.

أما «حزب الله» فعيْنه أولاً وأخيراً على النسبية الكاملة التي حملها بري في كلتا اليدين اللتين مدّهما أخيراً في المفاوضات حول قانون الانتخاب، فإما النسبية لاستيلاد برلمانٍ يراعي المناصفة متزامنةً مع إنشاء مجلس شيوخ طائفي وإما النسبية بدوائر مرنة بمعزل عنه، قبل ان يتولى «حزب الله» شبْه نعيٍ لطرْح المجلسيْن الذي حاصره رئيس «التيار الحر» الوزير جبران باسيل بملاحظات اعتُبرت توسيعاً لصلاحيات مجلس الشيوخ (يريده التيار برئاسة مسيحي) على حساب صلاحيات البرلمان وبتمسُّكٍ بالتأهيلي. وقد اعتبر الحزب ضمناً ان إنشاء مجلس الشيوخ بمعزل عن المسار المتدرّج الذي نصّ عليه اتفاق الطائف (من تشكيل الهيئة الوطنية العليا، الى وضع خطة لإلغاء الطائفية السياسية، إلى انتخابات خارج القيد الطائفي، إلى تشكيل مجلس شيوخ طائفي) أمراً لا يحلّ الأزمة القائمة.

والواقع أن «حزب الله»، الذي رفض المختلط أو العودة الى الستين النافذ قبل ان يطوّق طرْح المجلسيْن، والذي تتعاطى دوائر سياسية مع رفْض بري الحازم للتأهيلي على أنه موقفٌ مشترك، أعطى حسب دوائر سياسية أمر عملياتٍ بالكفّ عن الطروحات المعقّدة للعودة الى الأصل الذي يرى ان لا مَخرج من دونه وهو النسبية الكاملة التي سبق أن حذّر من أنها ستكون الحلّ «مهما طال الزمن».

وفي حين تترقب الدوائر السياسية الكلمة التي سيلقيها الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله اليوم في «يوم الجريح» لتبيان مسار الأمور في ما خص قانون الانتخاب وحسْم اتجاهات الحزب، فإن هذه الكلمة تكتسب ايضاً اهمية لأنها تأتي قبل يومين من موعد الجلسة التي يعقدها مجلس الوزراء بعد غد ويتصدّر جدول أعمالها بند قانون الانتخاب، وسط رصْدٍ لما إذا كانت الجلسة ستشهد طرْح اي مشروع قانون على التصويت رغم الموقف الاعتراضي على مثل هذه الخطوة من بري وجنبلاط مدعوميْن من «حزب الله».

ورغم الانطباع بأن القوى السياسية ستحاذر الانزلاق الى مواجهة في مجلس الوزراء ستقع بحال طُرحت صيغة باسيل على التصويت ومعها مثلاً مشروع إنشاء مجلس الشيوخ للرئيس بري الذي قال «التصويت ما بيمشي لأنه لا يحلّ المشكلة بل يؤزّمها أكثر»، فإن ما حملتْه الايام الأخيرة عكَسَ تصاعُداً غير مسبوق في لعبة «عض الاصابع» ولا سيما مع استشعار رئيس مجلس النواب بأن موقف الحريري الذي أعلن رفْضه التمديد (بلا قانون جديد) الذي ضرب بري موعداً له في جلسة 15 مايو الجاري هدفه حشْره بإسقاط ورقة التمديد مبكراً او إضعافها لجرّ الثنائي الشيعي الى خيار انتخابي معيّن يريده الثنائي المسيحي المعترض بشراسة على اي إطالة لعمر البرلمان من خارج قانون جديد. وقد دفع ذلك رئيس مجلس النواب الى هجوم الى الأمام رفض معه التمديد بلا قانون جديد محذراً من ان الفراغ في البرلمان الذي تنتهي ولايته في 20 يونيو المقبل قد يعني مؤتمراً تأسيسياً، وصولاً الى ما نقلته عنه تقارير امس «لا أوافق على مشاريع طائفية تفرز اللبنانيين، ولا أسير بها لا على البارد ولا على الحامي»، مؤكّداً «في الماضي واجهنا مشاريع التقسيم في لبنان ومستعدون لمواجهتها الآن»، مكرراً ملاحظاته على التأهيلي الذي سبق ان وافق عليه «فأنا قلت بعتبة تأهيل 10 في المئة، وموقفي يلتقي مع موقف حزب الله الذي قال أن يتأهل ثلاثة أو أربعة اشخاص، فيما أخذوا هذا الأمر مقانق وأخرجوه خنزيراً إذ جوّفوه ليحصروا التأهيلَ باثنيْن».

وفيما كان جنبلاط، الذي يرفض بشدّة طرْح التأهيلي، يفتح النار على خطة الكهرباء لوزير الطاقة (محسوب على «التيار الحر») فإن المهلة الفاصلة عن منتصف الشهر الجاري ثم انتهاء العقد العادي للبرلمان (31 مايو) بدأت تضيق، وسط عدم اتضاح إذا كان عون سيبادر بالاتفاق مع الحريري الى فتْحٍ مسبق لدورة استثنائية للبرلمان حتى انتهاء ولايته يُحصر جدول أعمالها بقانون الانتخاب بما يمدّد فترة التفاوض حوله، أم أن الرغبة في رفع منسوب الضغط السياسي قد تدفع عون لربْط فتْح مثل هذه الدورة بحصول التوافق على القانون الجديد.