IMLebanon

أوروبا تراهن على ماكرون تعويضاً عن خسارة “بريكزيت”

كتب نور الدين فريضي في صحيفة “الحياة”:

تتجه أنظار أوروبا اليوم نحو فرنسا، إذ يتطلع المسؤولون في بروكسيل إلى فوز مرشح الوسط المستقل إيمانويل ماكرون الذي تحول بحكم التحديات السياسية في الساحة الأوروبية إلى مرشح أوروبا، في مواجهة مرشحة اليمين المتطرف زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبن. ولا تخفي الأخيرة مناهضتها مسار الاندماج الأوروبي ووعدت أنصارها، إذا فازت، بإقفال حدود فرنسا وفرض سياسات حمائية لمواجهة أوروبا وتحديات العولمة.

وقد يمثل فوز ماكرون، إذا تأكدت توقعات الاستطلاعات، الرد الذي تحتاجه مؤسسات الاتحاد لمواجهة المشككين في صدقية المسار الاندماجي، والذين رأوا في خروج بريطانيا من أوروبا بداية لمسار تفكك الاتحاد.

وتوجه رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكير مباشرة إلى الناخبين الفرنسيين وشدد في خطاب «حال الاتحاد» في فلورنسا (إيطاليا) على المكاسب التاريخية التي يجنيها الأوروبيون منذ أكثر من نصف قرن نتيجة البناء الأوروبي. وحذر يونكير من التقليل من تداعيات خروج بريطانيا، بما فيها التأثير في مكانة اللغة الإنكليزية التي توقع «تراجعها بوتيرة بطيئة ولكن ثابتة».

ودافع يونكير عن أوروبا التي «أقامت الصلح بين الجغرافيا والتاريخ، من خلال التوسع وضم بلدان وسط أوروبا وشرقها إلى عضوية الاتحاد». ورد على القائلين إن التوسع سبب اشتداد المنافسة في سوق العمل وارتفاع البطالة، وشدد على أن «التوسيع كان واجباً تاريخياً»، لافتاً إلى أن أوروبا استعادت النمو الاقتصادي واتجهت البطالة إلى الانخفاض وأكد اليورو استقراره وأصبح العملة الثانية في العالم وشكل في الأعوام الأخيرة الدرع الذي حصَّن اقتصادات الاتحاد خلال الأزمات الدولية. وأضاف: «لا أحد في وسعه تصور وضع العملات الأوروبية، في غياب عملة يورو، خلال حرب العراق واعتداءات نيويورك وواشنطن (2001) والصراعات الجارية والأزمات المالية التي انفجرت في الخارج وطاولت السوق الأوروبية». واستنتج جان كلود يونكير في مؤتمر «حال الاتحاد» الذي نظمه معهد أوروبا في فلورنسا يوم الجمعة أن الاتحاد يواجه أزمات متعددة ومتزامنة، و»ما أن يجد الاتحاد حلاً لأزمة إلا وتنفجر أخرى». ومع استعادة النمو وخلق الوظائف في الاتحاد ككل، صوت البريطانيون لمصلحة خروج بلادهم (بريكزيت).

ووصف يونكر «بريكزيت» بـ «المأساة»، وحذر من التقليل من التأثيرات السلبية التي ستنجم عن القرار البريطاني. وألح على تبديد الغموض «لأن الاتحاد لم يتخل عن بريطانيا بل هو قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد». ومن المقرر أن يصادق مجلس (الوزراء) الاتحاد على توصية التفاوض التي أعدتها المفوضية الأوروبية في اجتماعه يوم 22 الجاري. وبذلك يستكمل الاتحاد كافة الشروط السياسية والتقنية لبدء مفاوضات «بريكزيت».

وشدد رئيس الوفد التفاوضي الأوروبي ميشيل بارنييه على أن «الاتحاد لن يتفاوض حول مستقبل الشراكة مع بريطانيا سوى بعد أن تتأكد الدول الـ27 من أن تقدماً ملموساً تم إحرازه في تأمين الضمانات القانونية لحماية حقوق 4.4 مليون شخص، منهم 3.2 مليون أوروبي يعيشون في بريطانيا و2.1 مليون بريطاني يعيشون في الدول الـ27. وذكر بارنييه في مؤتمر «حال الاتحاد» في فلورنسا بأن المفاوضات ستنطلق بعد الانتخابات العامة في بريطانيا. وقد يكون من السهل التوصل إلى اتفاق حول مبادئ حقوق المواطنين والمقيمين «لكن ترجمة المبادئ إلى تفاصيل قانونية ستكون عملية معقدة للغاية».

الرهان على ماكرون

ويراهن المسؤولون الأوروبيون على فوز مرشح الوسط المستقبل في فرنسا بانتخابات الرئاسة مساء اليوم الأحد من أجل تعزيز مسار الاندماج الأوروبي. واستبق إيمانويل ماكرون فوزه بالتأكيد على الحاجة إلى التفاوض بحزم مع بريطانيا والالتزام من جهة أخرى بتعزيز مشروع الدفاع الأوروبي. ودعا يونكير في المؤتمر الذي حضرته نخبة السياسيين والمفكرين الأوروبيين إلى النظر لنقاط الضعف الأوروبية الأخرى، إضافة إلى مشكلة «بريكزيت».

ولفت إلى التراجع النسبي للتأثير الأوروبي في العالم، على رغم نجاح تجربة الاندماج. وتعد أوروبا أصغر قارة إذ تبلغ مساحة الاتحاد الأوروبي 5 ملايين كيلومتر مربع، إلى جانب جار كبير هو روسيا التي تعد 17.5 مليون كلم مربع. وقال يونكير: «لأوروبا جيران كبار يواجهون أزمات كبيرة» في عالم متعدد الأقطاب وليس في حاجة لقائد وإنما إلى «لاعبين يعملون في خدمة الكون». ورأى أيضاً أن الاتحاد يفقد تدريجاً نفوذه الاقتصادي في العالم، إذ يمتلك اليوم تقريباً نسبة 25 في المئة من الناتج المحلي الخام في العالم. لكن هذه الحصة ستتقلص إلى 15 في المئة بعد عقد من الزمن.

وكانت أوروبا تعد في بداية القرن العشرين 25 في المئة من سكان العالم، وفي نهاية القرن الواحد والعشرين قد تعد أوروبا 4 في المئة فقط من سكان العالم الذين سيصلون إلى أكثر من 10 بلايين نسمة.

وحذر يونكير، عشية انتخابات الدورة الثانية في فرنسا، أنصار السيادة القومية من أنه «إذا ظن البعض أن نقاط الضعف التي يعانيها الاتحاد تؤثر في نفوذه، فهم مخطئون، لأن لا تأثير في عالم اليوم للتكتلات الصغيرة».