IMLebanon

قانون الانتخاب: ضغط لإنقاذ المشاورات المتعثرة

كتب محمد شقير في صحيفة “الحياة”:

لا يعني انضمام رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري في تفاؤلهما بقرب التوصل إلى قانون انتخاب جديد، أن الطريق أصبحت سالكة لإنجازه، وأن هناك إمكاناً للتغلب على بعض العقبات التي ما زالت تؤخر ولادته قبل انتهاء ولاية البرلمان الممدد له في 21 حزيران المقبل، وبالتأكيد خلال فتح الدورة الاستثنائية للبرلمان قبل انتهاء عقده الحالي في 31 أيار الجاري، باعتبار أن لا مفر من فتحها، وهذا ما يجزم به رئيس الحكومة بقوله إن لا خلاف على فتحها.

ومع أن لا خيار لدى الرؤساء الثلاثة سوى التفاؤل بقرب التوصل إلى قانون انتخاب جديد، لأن أي موقف آخر لهم من شأنه أن يبدد الآمال المعقودة بقدرتهم على تحفيز الأطراف المعنية بالقانون على التوافق على قاعدة أن هناك ضرورة لتقديم تنازلات متبادلة لإنجازه، وإلا ستتعثر انطلاقة العهد، وهذا لن يكون لمصلحة الرئيس عون، فإن مصادر نيابية مواكبة للمشاورات التي أجريت في الأسبوع الماضي حول المشاريع الانتخابية تكشف لـ «الحياة» عن أن المداولات لم تحقق أي تقدم، بل أعادت البحث في القانون إلى ما دون الصفر.

وتؤكد المصادر نفسها أن من يجالس الرؤساء الثلاثة بعيداً من الأضواء سرعان ما يكتشف أن جرعة التفاؤل التي يبدونها في العلن حيال احتمال التوصل إلى قانون جديد لا تجد مكاناً لها في مجالسهم الخاصة التي تتسرب منها مواقف متضاربة لا تدعو إلى التفاؤل.

وترى المصادر عينها أن السبب يكمن في تجاوز ما هو منصوص عليه في اتفاق الطائف وأن بعض الطروحات الانتخابية ستؤدي إلى إطاحة روحيته، وأن المبارزة القائمة بين الأطراف بذريعة تأمين صحة التمثيل في البرلمان تصطدم بطروحات هذا الفريق أو ذاك، وإلا أين الطائف من التأهيلي أو الصوت التفضيلي في القضاء اللذين لم يذكرا في نص الاتفاق ولا في المداولات التي سبقت الإعلان عنه برعاية مباشرة من المملكة العربية السعودية.

وتعتقد أن الأطراف المعنية بإنتاج قانون جديد ليست «جمعيات خيرية» أخذت على عاتقها التبرع بمقاعد انتخابية تحت عنوان تحقيق صحة التمثيل بمقدار ما أنها تتعامل مع أي قانون من زاوية ضرورة تجميع أكبر عدد من أوراق التفاوض ليكون في وسعها استخدامها في إعادة تكوين السلطة في لبنان التي تبدأ بانتخاب مجلس نيابي جديد.

وتلفت المصادر المواكبة إلى أن الخلاف حول الآلية الواجب اعتمادها لتطبيق التأهيلي أو الصوت التفضيلي لم يعد تقنياً بامتياز، وإنما يغلب عليه الطابع السياسي، مع أن هناك صعوبات فنية في تطبيقهما، خصوصاً إذا ما بقيا يستمدان قوتهما من «المشروع الأرثوذكسي» الذي يتعامل معه «التيار الوطني الحر» على أنه وحده يؤمن الضوابط المطلوبة لكبح جماح مفاعيل الديموقراطية العددية على سير العملية الانتخابية كلاً، إذا ما تقرر اعتماد النظام النسبي على أساس تقسيم لبنان إلى دوائر انتخابية، على رغم أن الخلاف حول هذه التقسيمات الإدارية يتصاعد تدريجياً في غياب الحد الأدنى من التوافق عليها.

كما أن الخلاف على استحداث مجلس للشيوخ لا يتعلق بالطائفة التي يفترض أن تتولى رئاسته فحسب، وإنما بالصلاحيات التي يطالب بها «التيار الوطني» والتي يقال إنها أوسع من تلك المنصوص عليها في الطائف ويراد منها تحويل هذا المجلس إلى «سوبر» مجلس نيابي ثانٍ.

وطبيعي أن يلقى موقف «التيار الوطني» من مجلس الشيوخ اعتراضاً يقوده رئيس البرلمان و «اللقاء النيابي الديموقراطي»، على رغم أن رئيسه وليد جنبلاط كان أول من طلب تعليق البحث فيه إفساحاً في المجال أمام إنهاء الاشتباك السياسي الذي ارتفع منسوبه في الأسبوع الماضي حول قانون الانتخاب.

ولعل استمرار الخلاف على قانون الانتخاب بات يطرح أكثر من سؤال عما إذا كان التباين حوله، وفي شكل أساسي بين «تيار المستقبل» من جهة والرئيس بري والنائب جنبلاط من جهة أخرى، سيدفع في اتجاه تهديد التحالف بينهم، خصوصاً أن التباين، وان لم يظهر على حقيقته في العلن، فإنه أخذ يتمدد في السر.

وفي هذا السياق، تقول المصادر المواكبة إن إصرار بري والحريري وجنبلاط على حجب الأنظار من خلال مواقفهم الإعلامية والسياسية عن الخلاف على قانون الانتخاب لا يعكس واقع الحال للعلاقة القائمة بينهم والتي يشوبها توتر ارتأوا عدم التداول فيه.

وتعتقد المصادر أن سبب الخلاف لا يتعلق بالتحالف القائم بين الرئيسين عون والحريري وانعكاساته على العلاقة بين «المستقبل» و «التيار الوطني» التي تمر حالياً بشهر عسل، وتؤكد أن جنبلاط لا يشترط الخلاف بين الرئيسين كأساس للتفاهم على قانون انتخاب مع رئيس الحكومة بمقدار ما أنه يتطلع إلى دور ضاغط للأخير من أجل تنعيم موقف رئيس «التيار الوطني» الوزير جبران باسيل من المشاريع الانتخابية المطروحة.

وتسأل المصادر نفسها هل أن استقرار العلاقة وتعميق التعاون بين رئيسي الجمهورية والحكومة يتطلب قيام خلاف بين الأخير من ناحية وبين بري وجنبلاط من ناحية أخرى؟ وتقول إنه يمكن هذه العلاقة أن تتطور في اتجاه توثيق التحالف، لكن لا ضرورة لأن تؤدي إلى تهديد تحالفات الحريري مع القوى الأخرى، خصوصاً إذا كان المقصود بها تلك القائمة الآن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية التي ليست في الوقت الحاضر على أحسن ما يرام ويشوبها الكثير من الشوائب والانزلاقات بعيداً من مقاربتها من زاوية بروتوكولية تفرض التقيد باللياقات التي لا تصرف في مكان، وإلا لماذا هذا التعثر حول القانون الذي أخذ يعمق الشرخ بين المؤسسات الدستورية؟

وتعتبر أن الحريري، من موقعه السياسي والرسمي، يبقى الأقدر على تبديد أجواء التباعد الذي لا يزال يعيق التفاهم حول قانون الانتخاب، وتقول إن لا مشكلة في موقف حزب «القوات اللبنانية» الذي يصعب عليه أن يضع نفسه في موقع المعرقل لمثل هذا التفاهم، وإلا لماذا يحرص على أن تبقى مشاوراته مفتوحة مع «اللقاء الديموقرطي»؟.

وتؤكد المصادر عينها أن للحريري، الذي لديه مصلحة في تحصين الاستقرار الأمني بجرعة زائدة من الاستقرار السياسي، دوراً في تنعيم موقف باسيل الذي من شأنه أن يحرر «القوات» من المزايدة الشعبوية لـ «التيار الوطني»، لا سيما في طروحاته الانتخابية.

وتعتقد أن هناك ضرورة لإخراج التحالفات من الثنائيات المغلقة كأساس لتوسيع المشاورات لأن ليس هناك من يشترط على الحريري إذا ما أراد تفعيل دور الحكومة أن يكون على تباين مع عون، لأن مثل هذا الشرط غير قابل للحياة، لما يترتب عليه من تداعيات على الوضع الداخلي للحكومة.

لذلك، لا مفر من أن يكون البديل، في حال تعذر اقتناص الفترة الزمنية المتبقية من ولاية البرلمان، وكما تقول المصادر المواكبة، من التمديد للأخير حتى أيلول المقبل، أن تجرى الانتخابات على أساس القانون النافذ حالياً، أي «الستين»، شرط أن يتزامن هذا التدبير مع تمديد المهل المتعلقة بدعوة الهيئات الناخبة إلى الاشتراك في الانتخابات النيابية.

 فهل يتجرع البرلمان والحكومة سواسية الكأس المرة في التمديد للمجلس النيابي؟ وهل ينسحب خيارهما المر هذا على رئيس الجمهورية، أم أنه سيبقى على موقفه الرافض التمديد من دون أن يتأمن البديل لمنع سقوط البلد في فراغ قاتل؟ والسؤال ذاته يطرح على الآخرين لاستكشاف مواقفهم في حال انقضت الدورة الاستثنائية للبرلمان من دون تحقيق أي تقدم في قانون الانتخاب في اللحظة الأخيرة.

وفي حال بقي القديم على قدمه وانقضى مفعول فتح الدورة الاستثنائية فهل يرفض عون ومعه الحريري وآخرون التمديد للبرلمان، ما يؤدي إلى مقاطعة جلسة التمديد التي يفترض أن تعقد قبل انتهاء هذه الدورة؟ وكيف سيكون الوضع في الجلسة التشريعية التي ستخصص للنظر في التمديد؟ وهل يلجأ إلى مقاطعتها العدد الأكبر من النواب، علماً أن بري كان أعلن مراراً وتكراراً أنه ضد التمديد لكنه يبقى أقل سوءاً من الفراغ؟

وعليه، تؤكد المصادر أن المواقف المبدئية الرافضة للتمديد ستخضع لإعادة نظر، خصوصاً أنه لن يكون في جعبة من يرفضه، وأولهم رئيس الجمهورية، ما يبرر سقوط البلد في الفراغ الذي سينسحب تلقائياً على المؤسسات الدستورية الأخرى، وبالتالي يشكل إعاقة لانطلاقة العهد في غياب الأسباب الموجبة لتبرير هذا الفراغ دولياً وإقليمياً، مع أن الصدى الإيجابي لانتخاب عون رئيساً للجمهورية لم يفعل فعله في رفع منسوب الإنتاج كما كانت تتوقعه الكتل النيابية التي أيدته أو تلك التي عارضته لكنها سهلت تأمين النصاب البرلماني لانتخابه؟ فهل يتجاوب عون مع رغبة حليفه «حزب الله» الذي يرفض الفراغ ويعتبره ضربة موجهة إلى الموقع الشيعي المتقدم في السلطة من خلال وجوده على رأس السلطة التشريعية؟