IMLebanon

لبنان ساحة تحجيم للنفوذ الإيراني؟

كتب شادي علاء الدين في صحيفة “العرب” اللندنية:

يثير المناخ المرافق للقمم الثلاث، الأميركية السعودية والإسلامية الأميركية والأميركية الخليجية التي تنعقد في الرياض على خلفية زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الكثير من الهواجس والمخاوف اللبنانية لناحية شبكة التأثيرات المحتملة التي يمكن أن تنتجها العناوين التي ترفعها، وخصوصا تلك المتصلة بتحجيم النفوذ الإيراني في إطار مكافحة الإرهاب.

لم يكن توجيه الرياض دعوة لرئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري لحضور القمم التي تنظمها بمناسبة زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإغفال دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون حدثا عابرا في سياق التحضير لعقدها وخصوصا مع شيوع أخبار تفيد أن هذا الأمر تم بطلب مباشر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه. يطرح هذا الواقع أسئلة خطيرة حول الطريقة التي تنظر بها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والعالم العربي والإسلامي إلى لبنان في هذه المرحلة.

إذا كان الامتناع عن دعوة رئيس الجمهورية يأتي انطلاقا من تصنيف يدرجه في سياق داعمي الإرهاب تأسيسا على العلاقة التي تربطه بحزب الله، فإن ذلك يعني أن صيغة الفصل بين حزب الله وحلفائه قد سقطت وأن المنطق الأميركي الجديد يدرج الجميع في إطار واحد، بحيث يسري عليهم ما يسري على حزب الله.

وفي تحليل هذا الواقع يكشف تقارب الأوساط السياسية والتحليلات عن وجود وجهتي نظر مختلفتين. تقول وجهة النظر الأولى إن اعتماد لبنان كساحة تحجيم للنفوذ الإيراني سينعكس إيجابا على انتظام الأمور فيه وعودة الزخم السياسي والاقتصادي وضبط الأمن، كما سيضعف قدرة حزب الله على الإمساك بمفاصل القرار اللبناني.

ويرى أصحاب وجهة النظر هذه أن الحلف الذي يتمتّن يوما بعد يوم بين الحريري والتيار الوطني الحرّ نجح في خلق حالة مواجهة مع حزب الله، يمكن أن تستفيد من المناخ الميال لتحجيم إيران في خلق معادلة سياسية جديدة في البلد تنطوي على قدر من التوازن، كما يعتبرون أن المرحلة القادمة قد تشهد فضا للحلف المعقود بين التيار الوطني الحر وحزب الله.

وينظر هؤلاء إلى ردة فعل رئيس الجمهورية على عدم دعوته إلى القمة وحرصه على وضع الأمور في إطار التوافق مع رئيس الحكومة سعد الحريري بوصفها دليلا على نشوء صيغة تمهد لتموضع الرئيس في موقع لا ينطبق عليه توصيف الرئيس الممانع. ويدرج هؤلاء العقوبات الأميركية التي يجري العمل عليها بالتزامن مع انعقاد القمم والتي من المتوقع أن تطال الرئيس ميشال عون شخصيا في إطار الضغوطات التي تصب في مصلحة دفعه إلى الاختيار بين العلاقة مع أميركا والعالم العربي والإسلامي، أو بين العلاقة مع إيران وحزب الله.

في المقابل تؤكد وجهة نظر أخرى مغايرة تماما أنّ لا موقع خاصا للبنان أمام حجم الصراعات الكبرى المندلعة في المنطقة وأن الاهتمام بمشاكله وتعقيداتها ليس على جدول أعمال أيّ من القوى المؤثرة والفاعلة. ويستشهد المدافعون عن فكرة لامبالاة العالم بلبنان بالمنطق الذي تدير به الولايات المتحدة علاقتها بالملفات اللبنانية، حيث يبدو واضحا أنها تعتمد سياسة الفصل التام بين الملفات ما يعني أنها لا تهتم بلبنان ولا تدعمه، بل تنفذ مشروعا خاصا بها من خلاله دون أن تهتم بما يمكن أن يسببه، تاركة تقدير الإيجابيات والسلبيات إلى اللبنانيين أنفسهم.

ويبرز الدليل على هذا المنطق من خلال الدعم الأميركي الاستثنائي الذي تقدمه الولايات المتحدة للجيش اللبناني لمساعدته في محاربة الإرهاب بينما تستعد في الوقت نفسه لفرض عقوبات قاسية على حزب الله في إطار مشروع تحجيم الأذرع الإيرانية في المنطقة دون أن تهتم بمدى تأثير العقوبات على مجمل الاقتصاد اللبناني ولا على الوضع السياسي فيه.

وأدرجت وزارة الخزانة الأميركية مؤخرا رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله هاشم صفي الدين على لائحة الإرهاب بعد ساعات من صدور قرار سعودي مماثل. وكذلك لا تنشغل واشنطن بالصراع الدائر حول القانون الانتخابي وما إذا كان سيجرّ البلاد إلى مأزق الفراغ، أو أنه سيصار إلى تدبير مخرج له في الفترة الأخيرة، ولا تلقي بالا بارتباط الملف الانتخابي بالمناخ السلبي الذي يرجح أن تثيره العقوبات ومشاريع مواجهة إيران والذي قد يدفع بحزب الله وحلفائه إلى التصعيد في الداخل اللبناني.

يعتبر النائب عن كتلة المستقبل خالد زهرمان أنه “لا مجال للشك في أن لبنان ليس على رأس قائمة الاهتمامات الدولية والأميركية، ولكن قد يكون من حسن الحظ أن هناك ميلا إلى ضبط الوضع في لبنان، والحرص على الحفاظ على استقراره ليس غيرة عليه، ولكن بسبب التخوف من حدوث انفجار في صفوف اللاجئين السوريين يدفع بهم في اتجاه الدول الغربية”. ويلفت زهرمان إلى أن القمم المعقودة في السعودية تنطوي على ايجابيات وسلبيات.

تكمن الإيجابيات في القرار الذي اتخذته إدارة ترامب بمواجهة التطرف والإرهاب والحدّ من تأثير الأذرع الإيرانية الممتدة إلى وسط الدول العربية، انطلاقا من رؤية تعتبر أن هذه الأذرع لعبت دورا كبيرا في نمو الإرهاب وانتشاره. ويشير زهرمان إلى أن ورش العمل المرافقة للقمم “تخرج الأمور من حدود المعالجة الأمنية فاتحة المجال أمام مقاربة أكثر عمقا لموضوع الإرهاب تتّصل بسبل محاربة أسبابه والفكر الذي ينتجه ويغذيه”.

وكان للحضور الإيراني في المنطقة الأثر الأكبر في خلق مناخ سهل مهمة التيارات المتطرفة، وتمكينها من استقطاب عدد كبير من الشباب. ويخشى زهرمان من أن “يكون الرد على مشروع تحجيم النفوذ الإيراني المطروح في القمة عبر تفجير معركة مع إسرائيل”. وينبه إلى أن إشكالية جدلية كبيرة “يمكن أن يثيرها مشروع مواجهة إيران فهو يمكن أن يحمي الساحة العربية واللبنانية، ولكنه يمكنه كذلك أن يدفع في اتجاه نشوء مواجهات داخل هذه الساحة”.

ويعرض لموضوع العقوبات معتبرا أنها قد تنتج مجموعة من الآثار السلبية على لبنان حيث يمكن أن تطال من له علاقة بحزب الله ومن لا تربطه به أيّ صلة. ويضيف “ربما يكون للعقوبات أثر عام على لبنان ككل، ولكن على حزب الله أن يفهم أن منطق العقوبات مصمم بشكل خاص كي يطاله ويطال بيئته”.

ويؤكد أنه “لا يمكن للبنان تعطيل مسار أيّ قرار أميركي، ولكن يمكنه الاستفادة من الحرص الأميركي على الاستقرار في لبنان النابع من ارتباط ملف اللاجئين السوريين وغيره من الملفات الحرجة بموضوع الأمن الغربي”. ويختم زهرمان تصريحاته قائلا إن “قطار مواجهة إيران يمشي بسرعة كبيرة، ولا يمكن للبنان إيقافه ولا التحكم في سرعته ولا بديل أمام اللبنانيين عموما وحزب الله خصوصا غير اعتماد منطق تحييد لبنان عن الصراعات”.

يشير النائب عن كتلة التنمية والتحرير علي خريس إلى أن الجلسة الحكومية الأخيرة شهدت إطلاق مواقف واضحة من قبل وزراء حركة أمل “أكدوا فيها على ضرورة أن تكون القمم المعقودة في السعودية محددة الأهداف، وأن تضع على رأس أولوياتها محاربة الإرهاب المتمثل في داعش والنصرة، وأن تخرج بموقف واضح بشأن فلسطين وما يجري فيها”.

ويقول خريس “نحن ننتظر أن يصدر عن القمة موقف يتضامن مع الأسرى الفلسطينيين في معركة الأمعاء الخاوية التي يخوضونها، ويدين الاحتلال الإسرائيلي والممارسات التي يقوم بها ضد الشعب الفلسطيني”. ويؤكد أنه “إذا ذهبت القمة في اتجاه مواجهة إيران وحلفائها فإن لبنان يجب أن يتخذ موقفا واضحا ضد أيّ قرار أو موقف ينال من هذا الحلف”.

ويلفت إلى مسألة العقوبات مشيرا إلى نشاطات الوفد النيابي الذي أرسله الرئيس نبيه بري إلى الولايات المتحدة الأميركية، لعقد لقاءات مع مسؤولين في الخزينة الأميركية وأعضاء في مجلس الشيوخ، لمحاولة شرح وجهة النظر اللبنانية. ويشدد على أن القرارات الأميركية لا تطال جماعة معينة أو طائفة أو تيارا سياسيا، بل تنعكس سلبا على كل لبنان. ويختم متمنيا للوفد النيابي النجاح في مهمته الرامية إلى إيجاد حلول لموضوع العقوبات.

انشغلت وسائل الإعلام الموالية لحزب الله عشية توجه الحريري إلى الرياض للمشاركة في فعاليات القمة بنشر خبر ردته إلى معلومات توافرت لديها تفيد بأن الحريري كان قد حاول في شهر مارس الماضي القيام بزيارة إلى الولايات المتحدة الأميركية ولقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولكن الأخير رفض الاجتماع به وتم إبلاغه أنه يمكنه الالتقاء بوزير الخارجية أو البحث في إمكان عقد لقاء بينه وبين نائب الرئيس.

وأكدت هذه المصادر أن الحريري سيحاول التعويض عن رفض الرئيس الأميركي الالتقاء به بمحاولة عقد اجتماع معه في الرياض. ويقول مراقبون إن المغزى من نشر هذا الخبر في هذا التوقيت يدل على وجود تخوّف جدي من النتائج التي ستتمخض عن قمم الرياض، وخصوصا في ما يتعلق بالدور المركزي الذي ستمنحه للرئيس سعد الحريري بوصفه ضابط إيقاع علاقات لبنان مع العالم والجهة المخولة للنطق باسمه. وتشير المعلومات الواردة من الرياض أن الحريري سيلتقي بالرئيس الأميركي بشكل جانبي على هامش أعمال القمم، ما يعني أن الولايات المتحدة تنظر إلى الحريري بوصفه شريكا أساسيا وحليفا رئيسيا في المنطقة، وأن إدارة الملفات التي تعمل الولايات المتحدة من أجل إنجازها على إنشاء حلف أميركي عربي إسلامي يلحظ للحريري دورا خاصا ومميزا.

وإذ تعتبر التحليلات أن الحريري سيبادر إلى طرح موضوع العقوبات المفروضة على حزب الله مع الرئيس الأميركي وسيطالبه بضبطها، فإنه لا يفعل ذلك من أجل عيون الحزب وبشكل مجاني بل في إطار ينسجم مع ضبط الأمور في الساحة اللبنانية. وكان اللقاء الذي جمع بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس الجمهورية ميشال عون تمهيدا لإقرار التجديد له في جلسة وزارية تعقد في بعبدا منتصف الأسبوع القادم، إعلانا واضحا عن شروع العقوبات في إنتاج واقع إدارة مالية للبلد، يتيح لسلامة المرضي عنه أميركيا الإمساك بزمام الأمور في هذا الشأن.

ولا يجد حزب الله سبيلا لمقاومة العقوبات، وتأتي الإشارات الايجابية التي أطلقها بشان التجديد لسلامة الذي كان قد سبق له أن أطلق جملة من الاتهامات في حقه وبعد أن كان معارضا للتجديد له، بوصفها علامة على اضطراره إلى تقديم تنازلات لمواجهة أزمة لا يستطيع التحكم فيها.

في الشأن المالي يتوقع أن يتسبب قرار مواجهة إيران الذي تشكل العقوبات جزءا منه بخلق حالة من هروب المال الشيعي في لبنان من دائرة الارتباط بحزب الله، والبحث عن ملاذات آمنة، يرجح أن تكون من خلال الدخول في نوع من الحلف المالي مع الحريري تحت الإدارة المالية لحاكم مصرف لبنان، الذي تصفه الولايات المتحدة بأنه واحد من أفضل حكام المصارف المركزية في العالم.

كذلك تقول المعلومات إن السعودية حرصت على أن تعيد بالتوازي مع عقد القمم زخم الدعم المالي السعودي إلى الحريري ومؤسساته، ما يعني أنها تنظر بعين الرضى إلى أدائه السياسي. يضاف إلى ذلك أن الاتفاقات الاقتصادية التي يتم التباحث في شأنها بين دول الخليج والولايات المتحدة تتضمن التخطيط لإطلاق ورشة إعادة إعمار سوريا التي يحتل لبنان موقعا مهما فيها. ويتوقع أن تكون شركات الحريري المختصة في مجال الإنشاءات في واجهة الشراكات المعقودة مع الشركات الدولية وكبار المستثمرين العالميين، ما سيعود عليه بأرباح مالية ضخمة.

من الناحية السياسية، يفرض الزخم السياسي الكبير الذي منحته دعوة الحريري إلى القمم على حزب الله التعامل معه بشكل جديد، سقطت فيه قدرته على الابتزاز السياسي بعد أن أسفرت محاولاته لفرض قوانين انتخابية تهدف إلى تحجيم كل المكونات في البلد عن نشوء حلف مسيحي مع سعد الحريري.

ولم يعد التهويل بجرّ البلاد إلى الفراغ النيابي والحكومي لغما يمكن أن ينفجر في وجه الحريري وحده، ويفرض عليه تاليا التفاوض مع حزب الله بشأنه والقبول بمجموعة من التنازلات في سبيل تجنبه. ويعلم الجميع حاليا أن الفراغ في حال دفع حزب الله في اتجاهه سينفجر في وجه الجميع وسيصيب بيئة حزب الله المستهدفة بالعقوبات بجملة من الأضرار الكبرى.

بات الإصرار الإيراني على بقاء الحزب في سوريا مكلفا للغاية وخصوصا في ظل الإحكام الذي فرضته واشنطن مؤخرا، والقاضي بقطع الصلات بين سوريا والعراق وإيران تمهيدا لضبط حدود التحرك الإيراني ودور حزب الله في سوريا وزيادة الضغط عليهما. كذلك لم تعد عودة الحزب من سوريا مطلبا لبنانيا يمكن له من خلاله فرض حالة سياسية تؤمّن له السيطرة على القرار اللبناني، بل يبدو أن القوى التي تناهضه ترحب ببقائه في سوريا الذي يستنزفه بشكل كبير يوما بعد يوم.

وترجّح هذه القوى التي تترقب مفاعيل قرار مواجهة إيران المتوقع أن يصدر عن القمم أن ترتفع وتيرة استنزاف إيران بشكل كبير في المرحلة القادمة. يضاف إلى ذلك سقوط معادلة تبرير التضحيات في سوريا بإيصال الجنرال عون إلى سدة الرئاسة بما يعني السيطرة على المواقع الرئيسية في تركيبة السلطة. هذه المعادلة لم تعد صالحة للاستعمال مع خروج التباينات بين الحزب والرئيس في مواقف عدة إلى العلن ومع التطور الايجابي الكبير لعلاقة عون مع الحريري.

تقول كل هذه المؤشرات إن من مصلحة كل القوى السياسية اللبنانية الاستمرار في اعتماد مناخ التهدئة والتسويات. ويعترف المراقبون أن وضع لبنان بعد القمم ليس كما قبله، ولكن لا أحد يستطيع أن يتنبأ بالمنطق الذي سيتعامل من خلاله حزب الله مع الحملة عليه. يقول تاريخ الحزب إنه يكون أخطر كلما كان محشورا ولعل الحصار الذي يهدده حاليا والذي يمكن وصفه بغير المسبوق ينذر بردة فعل غير مسبوقة من الحزب فهل سيرد بالسير في التسويات أم بافتعال الحرب والاغتيالات؟