IMLebanon

المالكي: ترامب منح السعودية لعبةً لتلهو بها

 

 

في المنطقة الخضراء، في ذلك الجزء الهادئ من بغداد، يتابع رئيس الوزراء السابق ونائب رئيس الجمهورية الحالي نوري المالكي خطط “عودته” إلى قلب المشهد السياسي. يقول إنه لا يرغب في رئاسة الوزراء لولاية جديدة، فهو يدرك ــ على ما يبدو ــ صعوبة تحقيق الأمر، خاصة أنّه شخصية خلافية داخل العراق. مواقفه الحادّة ــ والجارحة ــ قد تكون سبباً في ابتعاد كثيرين عنه، وسبباً رئيسياً لخلق مشكلات “حُمِّلتُ مسؤوليتها”. في ما يلي نص الحوار مع جريدة “الأخبار”:

ما مدى صحة الحديث عن تأجيل الانتخابات النيابية المقبلة؟

بالنسبة إليّ، كان الأمر في خانة التحليل، إلى أن صارحني بعض المطّلعين في الدوائر الأميركية بوجود قرارٍ يقضي بتأجيل الانتخابات، وهنا في العراق، بدأ بعض السياسيين الحديث عن تأجيل الانتخابات، والدعوة إلى المضيّ بهكذا قرار؛ إنّ هذا ضروري فقط بالنسبة إلى الفريق الذي يعمل على إقصاء التيّار الإسلامي والإسلاميين (المقصود بصورة أساسية حزب الدعوة الذي يحكم في العراق)…

لقد أراد هؤلاء إقصاء التيّار الإسلامي، واستخدموا كل السبل… (لكن) الإسلاميين استعصوا في انتخابات 2006، و2010، و2014، (برغم) أنهم واجهوا مؤامرات “القاعدة” و”داعش”.

وهؤلاء يعرفون اليوم بأن التيار الإسلامي سيفوز مجدّداً، لذلك لم يبق أمامهم إلا تعطيل الانتخابات بهدف إقصائنا. وهنا يبدأ الفصل الجديد: دولة بلا حكومة، وبلا برلمان (ذلك أن الدستور العراقي غفل عن النصّ بتصريف الأعمال مع انتهاء المهل الدستورية)، وهذا يعني انتهاء الحكومة والبرلمان، والدخول في الفراغ الدستوري، فيصبح العراق بلا حكومة تدير البلاد وتدبّر شؤونه. وهنا، فإن قراراً دولياً مبيتاً ومحضّراً، ليصدر عن مجلس الأمن تحت الفصل السادس، يدعو إلى تشكيل حكومة طوارئ بحجة إدارة البلاد مؤقتاً إلى أن تستقر الأحوال، ويتم إجراء الانتخابات مجدداً، على أن تُستكمل ــ في هذا الوقت ــ فصول مؤامرة إقصاء المشروع الإسلامي.

أصحاب هذا المشروع يعملون الآن على إسقاط مفوضية الانتخابات. فبعد شهر أيلول تنتهي صلاحية المفوضية الحالية، في وقتٍ تدعو فيه بعض القوى إلى إسقاط المفوضية بتهمة الفساد والتزوير. وإذا صحّت مقولة هؤلاء، فإن وجودنا كلّه من البرلمان إلى الحكومة مزوّر. (وعلى سبيل المثال) في حالة تعطيل المفوضية، فإن عملية تسجيل الأحزاب والكيانات السياسية ستتوقّف….

ويبدو واضحاً لنا، وجود خطّةٍ لإرباك الدولة. فمن جهة، باتت الحكومة ــ بصراحة ــ من أضعف الحكومات، وخصوصاً أنها لم تحرّك ساكناً بعدما استباحت تلك القوى مؤسسات الدولة ومرافقها. ومن جهةٍ أخرى فإن تلك القوى وداعميها يريدون إثارة أجواءٍ من القلق، وخلق مناخٍ أمني غير مستقر، لإقناع العراقيين والآخرين بأن الانتخابات غير ممكنة.

نحن لن نقبل بالتأجيل، ولن نسمح بتعطيل الانتخابات يوماً واحداً، وهذا تحدٍّ بالنسبة إلينا. نحن في التحالف الوطني اتفقنا على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها. وأنا أدعو الجميع إلى رفع الأصوات المطالبة بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وتحفيز الناس للمطالبة بذلك، وخصوصاً أن انتخابات مجالس المحافظات لن تُجرى في أيلول المقبل، بل ستندمج مع الانتخابات النيابية، التي يُخشى تأجيلها.

■ في حالة الفراغ المُفترضة، من يُحضّرون لتولي حكومة الطوارئ؟

البعض يرى في نفسه أنه المكلّف، أو أنه مفروضٌ أن يُمدّد للحكومة الحالية. لكن اعتقادي بأن هذه الحكومة لن يُمدّد لها، فرئيسها محسوبٌ على التيّار الإسلامي… إنّما سيكلّف من يعمل على الطريقة الأميركية، أي الذي يعمل وفق توجيهات واشنطن وأجندتها، وبتنسيقٍ مع الدوائر البريطانية. فيُعاد بذلك سيناريو الحكومة المؤقتة، التي شكّلها الأخضر الإبراهيمي بتكليف من الأمم المتحدة، وترأسها إياد علّاوي.

■ أيٌّ قانونٍ انتخابي ستؤيدونه في البرلمان؟

القانون الانتخابي إمّا أن يدعم الكتل الكبيرة، وإما أن يدعم الكتل الصغيرة. معظم برلمانات الدول تمتاز بوجود كتل كبيرة، كي تستطيع التفاهم في ما بينها. أما إذا كثرت الكتل الصغيرة، فمن الصعب تحقيق تفاهمٍ في ما بينها، وخصوصاً أن عدد مقاعد المجلس النيابي هو 327. لذلك نحن نسعى إلى تكريس قانونٍ يدعم الكتل الكبيرة، لأن القانون الداعم للكتل الصغيرة سيسبب إرباكاً في العملية السياسية.

■ لماذا تخاف الكتل الكبيرة من الكتل الصغيرة؟ هل تخشون صعود كتل صغيرة أو وجوه شبابية إلى الواجهة؟

لا، ليس خوفاً من صعود الشباب، ولا خوفاً من الكتل الصغيرة. وجود عددٍ كبيرٍ من الكتل الصغيرة يصعّب وضعها في نسق واحد لتشريع القوانين، واتخاذ القرارات في مجلس النواب، هذا هو القلق، وإلا ليس لدينا مشكلة باشتراكهم في الانتخابات. نعم، حقّ الجميع الاشتراك في السباق الانتخابي، لكن حق البلد، وحق العملية السياسية، وحق الوطن أهم من حق الفرد.

■ هل سيعود نوري المالكي إلى رئاسة الوزراء؟

ليس لدي رغبةٌ في العودة إلى أيّ سلطةٍ تنفيذية، لكنني سأبقى في السلطة السياسية. أريد أن أكون شريكاً في رسم نظامٍ سياسيٍّ متينٍ وجديد، ينقذ العملية السياسية الحالية، إما أن أكون شريكاً عبر بوابة الانتخابات، أو بوابة التحالفات.

مشروعي الذي أعمل عليه… هو تحقيق مبدأ الأغلبية السياسية (أي أكبر كتلة برلمانية، تحكم). فإذا تحقّق ذلك فإنني اعتبر نفسي موجوداً، وأنا بالحكم، وشريكاً أيضاً.

■ يشهد العراق احتقاناً طائفياً كبيراً، وأنت متّهم بأنك السبب الرئيسي وراء ذلك، فما تعليقك؟

الخطاب السياسي يعكس الاحتقان الطائفي الكبير. لكن هذا الاحتقان ليس وليد حكومتَي المالكي، إنما بدأ بالظهور مع سقوط نظام صدام حسين. التأجيج الطائفي كان في أشدّه، ووصل إلى حدّ تفجير مرقد الإمامين العسكريين في زمن حكومة ابراهيم الجعفري، ويومها انفجرت المواجهة الطائفية بشكل كبير. تم نسف الحسينيات ومساجد للسُنّة في وقت واحد. وجرى اختطاف كثر من الفريقين، وشارك في هذه الحرب الجميع، أبرزهم دعاة الدولة حالياً.

لكننا، تمكنّا ــ سُنّةً وشيعة ــ من صدّ هذه الهجمة، ولولا صدّنا لهذه الهجمة، لما كانت الدولة موجودة. الذين تضرروا من هذه العملية الطائفية هم أنفسهم أهل المناطق، كالأنبار وصلاح الدين والموصل، هم المساكين الذين لا ذنب لهم. ما جرى أحدث حالة من الصحوة والانتباه عند المكوّن السُنّي، بأن قيادات على صلة بدول خارجية هي التي أحضرت هؤلاء الوحوش.

الآن، أهل الموصل، وصلاح الدين، والأنبار، يسألون إن كان ممكناً أن يدخلوا معنا في الانتخابات. قلت لهم إذا دخلتم معنا فإنهم سيضربونكم. قالوا لقد تغيّر المزاج عندنا، وقالوا إن الموقف مني لم يعد كما في السابق. المناخ اليوم أفضل بكثير، هناك انفتاح وإقبال وقبول.

■ كيف ترون أداء حكومة حيدر العبادي؟

على صعيد مكافحة الإرهاب، فإنّ الأداء الحكومي جيّد، برغم المخالفات التي حصلت وإدخال قوات دولية دون قرار برلماني. تقدّمها جيد، ولكن هذا لا يكفي، فالدولة (لا تعني حصراً) مكافحة الإرهاب، ومقاتلة داعش. هيبة الدولة الآن باتت محل إشكال، وما يقلقنا هو التجاوزات والوضع الأمني السيئ، والتمرد الحاصل على الدولة.

الدولة تنشغل في قتال “داعش”، وتنسى البصرة. ما يحدث في البصرة، وبغداد، وسامراء يشير إلى إمكانية خسارة تلك المناطق. هل نربح الموصل ونخسر البصرة، وكربلاء، والنجف؟ بالأمس، احتلوا مطار النجف وأسواقها، هذا الجانب خطيرٌ جدّاً، وإذا لم تتم معالجة الوضع فسينهار ويتدهور، وسيكون هناك فرصة للميليشيات والعصابات والخارجين عن القانون كي يتمردوا.

بالنسبة إلى الوضع الاقتصادي، هو مرتبك جدّاً، وصل إلى حد قطع الرواتب عن موظفي الدولة، وتوقف المستشفيات عن تقديم العلاج للمرضى. أنا لا أفهم سبب سحب الحكومة من احتياط البنك المركزي 40 ملياراً. لقد سلّمت الخزينة باحتياط يبلغ 83 ملياراً، والآن بات 40 ملياراً، هذا خطر. يقولون إن هناك ديوناً متراكمة، أين تذهب كل تلك الأموال؟ يقولون إن الحرب قائمة، ويشترون السلاح والعتاد، لكن في الحقيقة أنا اشتريت كل السلاح، هم لم يشتروا السلاح، باستثناء العتاد والأدوات الاحتياطية. لقد اشتريت السلاح من إيران أثناء هجوم «داعش»، وقبله اشتريت طائرات من أميركا، وكوريا، ودبابات من روسيا.

إضافةً إلى سقوط هيبة الدولة، والوضع الاقتصادي، فإن الواقع السياسي ليس بأشفى حالاً. هل من المعقول أن تعجز حكومة عن تعيين 3 وزراء، وهي حكومة فريق منسجم، وقوية، وديموقراطية. ضعف الدولة، فجّر ظاهرة الفساد، الذي وصل إلى حال الاستشراء في كامل مفاصل الدولة، من الشرطي الى الوزير. أنا أخشى اليوم أن تتطور هذه التداعيات، وتحدث أزمة كبرى، ولعل أحد أهدافها تعطيل الانتخابات المقبلة.

■ كيف تقرأون “قمّة الرياض” الأخيرة؟

قمة الرياض يجب أن تُقرأ من باب: من هو المستفيد، ومن هو الخاسر؟ فالمستفيد هو إسرائيل. نتنياهو إن لم يكن حاضراً بشخصه، فهو موجود بعقله وفكره، وثبّت ذلك ترامب بزيارته لإسرائيل. ترامب أراد أن يقول لهم إنني أقدّم لكم ما أريد، وأذهب إلى إسرائيل، وأقدّم لها ما أريد.

الرابح الثاني هو أميركا، التي حازت استثمارات، وأموالاً، وعقوداً. أصبح لأميركا ــ كما كان يقول ترامب ــ حضور قوي، واستطاعت أن تنشئ ما يشبه تحالفاً عربياً ــ إسلامياً.

الرابح الإعلامي نسبياً في هذا المهرجان، هو السعودية، التي أصبحت رائدة أو رئيسة للتحالف العربي ــ الإسلامي. هذا هو طموحها، الذي أوصل المنطقة كلها إلى ما هي عليه. لقد أعطوا السعوديين لعبةً كما يعطى الطفل، لعبةً ليلهو بها.

السعوديون عبروا عما يفكرون به بطريقة منفعلة وواضحة وعنيفة وحاقدة. لقد جعلوا إيران وحلفاءها هدفاً لهم. بنظرهم، هم يحشدون قواهم لضرب إيران، ونقل المعركة كما قال محمد بن سلمان إلى الداخل الإيراني. إيران ليست ضعيفةً بهذا الشكل، ولا السعودية قويةٌ بهذا الشكل، ولا الدول التي وقفت في هذا المؤتمر ستمشي تحت جناح السعودية لقتال إيران، ولا أميركا نفسها ستمضي مع السعودية في قتال إيران.

وهذا يعني، أنه في نهاية المطاف، ستكون السعودية هي الخاسر الأكبر، التي أعطت أموالها، وكشفت عن حقيقة عدوانيتها… وهذا سيحمّلها ضريبةً كبيرةً.