IMLebanon

مال روسي لدعم برنامج الأسلحة الكيمائية في سوريا؟

 

كشفت وثائق مالية أن مجموعة استثمارية تقول السلطات الأميركية إن عصابة روسية تديرها وتتصل بالحكومة الروسية، أرسلت ما لا يقل عن 900 ألف دولار لشركة مملوكة لرجل أعمال على صلة ببرنامج الأسلحة الكيميائي في سوريا.

ووفقا لعقود وسجلات مصرفية من أواخر عام 2007 وأوائل عام 2008، وافقت شركة مرتبطة بمجموعة من المافيا الروسية المدعومة من الدولة، وفقا لمسؤولين أميركيين، على دفع أكثر من 3 ملايين دولار لشركة تدعى “Balec” للتجارة المحدودة – يُفترض أنها ثمن “أثاث” راق.

وتؤكد سجلات المعاملات السلكية التي اطلعت عليها CNN، أنه تم تحويل ما لا يقل عن 900 ألف دولار.

الشركتان مسجلتان في جزر فيرجن البريطانية التي تُعرف على نطاق واسع بأنها أحد أبرز الملاذات الضريبية في العالم.

الشركةالتي يُزعم أنها مرتبطة بعصابة مافيا روسية كانت تُدعى “Quartell Trading Ltd.”، وقالت وزارة العدل الأمريكية إنها واحدة من العديد من الهياكل التي استُخدمت لغسل ملايين الدولارات من أموال دافعي الضرائب الروسية المسروقة قبل عقد من الزمان فيما يتعلق بما يسمى “قضية ماغنتسكي”، ربما قضية الفساد الأكثر شهرة في روسيا بظل الرئيس، فلاديمير بوتين.

شركة “Balec Ventures” يملكها، عيسى الزيدي، وهو روسي أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2014 عقوبات بحقه لصلته بمركز الدراسات والبحوث العلمية، وهو مركز برنامج الأسلحة غير التقليدية في سوريا، الذي يُصنع غاز الأعصاب “VX” والسارين وغاز الخردل.

 

تزوير ضريبي بـ230 مليون دولار

ووفقاً للكونغرس الأميركي ووزارة العدل الأميركية فإن عصابة المافيا الروسية تسمى “مجموعة كليويف” تتكون من مسؤولين سابقين وحاليين في وزارة الداخلية الروسية ومكتبين ضريبيين بموسكو وجهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB)، هيئة الاستخبارات الداخلية التي خلفت الـ”KGB” السوفيتي.

وفي عام 2007، تقول السلطات، إن “مجموعة كليويف”، تواطأت للاستيلاء على ملكية ثلاث شركات تابعة لـ”Hermitage Capital Management” ومقرها موسكو، أكبر صندوق تحوط في روسيا.

ثم قامت “مجموعة كليويف” بتزوير خسائر للشركات بمئات الملايين من الدولارات. ومكنّهم ذلك من التقدم بطلب استرداد مبلغ 230 مليون دولار.

وخلصت معاملة كامل المبلغ في يوم واحد، عشية عيد الميلاد عام 2007، من قبل مسؤولي الضرائب الروسية الذين كانوا يعملون لحساب “مجموعة كليويف”.

سيرجي ماغنتسكي، المحامي الذي عينته “Hermitage Capital Management”للتحقيق في السرقة، وكشف هذه المؤامرة الجنائية الواسعة واللاعبين وراء ذلك. تم اعتقاله في عام 2008، وحُرم من الرعاية الطبية العاجلة لأكثر من عام في الحبس الاحتياطي وتعرض لتعذيب جسديا قبل وفاته في سجن موسكو في عام 2009 بعمر 37 عاماً.

وفي عام 2012، أصدر الكونغرس قانون “سيرغي ماغنيتسكي” للمساءلة، الذي تم بموجبه فرض عقوبات على نحو 23 من المسؤولين الروس.

ويرفض الكرملين النسخة الأميركية من الأحداث. وتصر موسكو على أن المحامي توفي بسبب “قصور القلب” وأنه كان المسؤول الحقيقي وراء الغش الضريبي. وحتى أن محكمة روسية حاكمته غيابياً بعد وفاته ووجدته مذنباً في عام 2013. وهي المرة الأولى في التاريخ الروسي التي تم فيها محاكمة جثة بنجاح.

 

تتبع المال – والجثث الميتة

وتم منذ ذلك الحين تحديد موقع أجزاء كثيرة من مبلغ الـ230 مليون دولار وتجميدها في العديد من الولايات القضائية في جميع أنحاء العالم. وقال دانييل فريد، المنسق الأمريكي السابق لسياسة العقوبات، لـCNNإن “ماغنيتسكي عثر على أكثر مما أدرك، وأكثر مما أدركنا حتى بعد صدور قانون ماغنتسكي.”

واتهم المحامي الأميركي في نيويورك شركة “Prevezon Holdings”، وهي شركة مسجلة في قبرص يملكها نجل مسؤول روسي مؤثر، بشراء عقار في مانهاتن وفتح حسابات مصرفية أميركية باستخدام بعض الأموال المختلسة. وقد تم تسوية هذه القضية في أيار. وفي التسوية، لم تعترف “Prevezon” بأي مخالفات ووافقت الحكومة الأمريكية على عدم متابعة الشركة في أي دعوى أخرى مرتبطة بهذه القضية.

وهناك قضية أخرى تتعلق بمصادرة الأصول لا تزال جارية في سويسرا حيث اعتمدت السلطات على الأدلة التي سلمها الكسندر بيريبيليشني، وهو مواطن روسي اعترف بأنه كان المسؤول الرئيسي لغسيل الأموال لمجموعة كليويف قبل أن يقطع العلاقات معها.

وأظهرت الأدلة حسابات في بنك “Credit Suisse” في سويسرا حيث أودعت بعض الأموال المسروقة. واحدة من تلك الحسابات السويسرية كانت تابعة لشركة “Quartell Trading Ltd.”، وهي شركة لبيريبيليشني – أو كانت قبل أن يسقط ميتاً فجأة أثناء الركض بالقرب من منزله في مقاطعة “سري” في إنجلترا في تشرين الثاني عام 2012.

وبعمر 44 عاماً فقط، ولا تاريخ بتعثر صحته، قالت الشرطة البريطانية في البداية إن وفاة بيريبيليشني “غير مبررة” إلى أن اكتشفت آثار “جلسميوم”، وهي زهرة سامة، في بطنه.

وبدأ التحقيق في القضية في بريطانيا في 5 حزيران، وقُلب عندما أعلنت “Buzzfeed” بعد أسبوع أن مكتب مدير المخابرات الوطنية في الولايات المتحدة، وهي الهيئة التي تشرف على جميع وكالات التجسس الأمريكية، خلصت بـ”ثقة عالية” إلى الاستنتاج بأن بيريبيليشني قُتل بناءً على أوامر فلاديمير بوتين.

ومشيرة إلى أكثر من 12 مسؤولاً في أجهزة الاستخبارات الماضية والحالية في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، زعمت “Buzzfeed” أن الحكومة البريطانية تحفظت على أدلة حاسمة. وقالت “Buzzfeed” إن الحكومة البريطانية رفضت التعليق على التقرير.

وفي الآونة الأخيرة، في أواخر آذار 2016، كاد يتوفى محام لعائلة ماغنيتسكي عندما سقط من الطابق الرابع من مبنى شقته، قبل يوم واحد من تقديمه أدلة جديدة إلى محكمة موسكو.

 

معاملة مشكوك فيها

عقد موقع بتاريخ 18 كانون الأول 2007 – قبل أيام قليلة فقط من إنهاء معملة مبلغ كليويف المحتجز بمبلغ 230 مليون دولار – أظهر أن شركة “Quartell Trading”  المملوكة لبيريبيليشني وافقت على شراء “أثاث” بقيمة 3.172  مليون دولار أمريكي من شركة “Balec” المملوكة لعيسى الزيدي.

وتظهر نسخة من معاملة سويفت التي حصلت عليها CNN أيضا أن مبلغ 900 ألف دولار من هذا المبلغ تم توصيله من شركة  Quartell Trading”  إلى شركة “Balec” بعد بضعة أسابيع، في 25 كانون الثاني عام 2008.

ومن غير الواضح ما إذا تم تسليم أي من العناصر الموصوفة على الإطلاق إلى العنوان المذكور، وهو مستودع في خاركيف، أوكرانيا.

ووافق البنك الذي استخدمته “Balec”، البنك الفيدرالي في الشرق الأوسط (FBME)  على الصفقة بعد تقديمها بخمسة أيام، في 30 كانون الثاني2008 . ومن المثير للاهتمام أن البنك ختم أيضاً وثيقة تثبت إجراء “فحص لغسل الأموال.”

وبعد أقل من شهر، وفقا لوزارة العدل الأمريكية، تلقت “Quartell Trading”  ما يقرب من 2 مليون يورو من حساب مصرفي في لاتفيا، تلقى جزءاً من مبلغ الـ230 مليون دولار المسروق.

البنك الفيدرالي في الشرق الأوسط (FBME)، الذي كان مقره في تنزانيا، لا يمكن الوصول إليه للتعليق على هذا التقرير. وفي أيار الماضي أغلق البنك المركزي التنزاني المؤسسة بسبب اتهامات الولايات المتحدة بأنها “تُستخدم من قبل زبائنها لتسهيل عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب والجريمة المنظمة العالمية والاحتيال والتهرب من العقوبات وغيرها من النشاطات غير المشروعة دولياً،” وفقاَ لشبكة مكافحة الجرائم المالية بوزارة الخزينة الأمريكية.

وقال محللون ماليون استشارتهمCNN، ودرسوا العقد والوثائق الداعمة إن هناك أموراً شاذة في معاملة “Quartell-Balec”.

من جانب واحد، وُصفت شركة “Balec” من قبل البنك الفيدرالي في الشرق الأوسط (FBME) بأنها تشارك تجارياً في “شراء/ بيع السندات الإذنية واستيراد وتصدير مواد البناء مثل بلاط السيراميك والرخام والأخشاب ولفائف الصلب و”الأثاث.”

ولكن لا يوجد لدى الشركة ملف تعريف عام أو موقع رسمي يعرض مخزونها.

 

علاقات مع أسلحة الدمار الشامل للأسد؟

ولا يملك عيسى الزيدي، المولود في سوريا، ملفاً شخصياً عاماً واضحاً في روسيا، إلى جانب صفحة غير النشطة إلى حد كبير على “فكونتاك”، النسخة الروسية من فيسبوك. وهي صفحة أكدت CNN أنها تخص الرجل الذي يملك شركة “Balec Ventures”.

تخرّج الزيدي في عام 1964 من جامعة بومان التقنية الحكومية في موسكو، حيث درس الهندسة. ووفقاً لسجلات تسجيل الشركات في روسيا، الزيدي هو أيضاً المالك و/أو الرئيس التنفيذي لعدة شركات صغيرة تكاد لا تملك أي رأس المال يُذكر.

إحدى تلك الشركات تُدعى “Aldzhamal Interneshal”، يُزعم أنها تعمل في “تجارة الجملة غير المتخصصة” و”إنتاج المنتجات النفطية” و”تصنيع الغازات الصناعية”.

كما شغل الزيدي منصب مدير “Enterprises Ltd.” وشركة “Fruminenti”  للاستثمارات المحدودة، وهما شركتان أصدرت الولايات المتحدة في عام 2014 عقوبات بحقهما لارتباطهما بمركز الدراسات والبحوث العلمية، وهو الجهاز الحكومي السوري المسؤول عن تطوير وإنتاج الأسلحة غير التقليدية والصواريخ الباليستية، وفقاً لمكتب الخزينة الأمريكية لمراقبة الأصول الأجنبية (OFAC).

ومن غير الواضح ما إذا كان أي جزء من مبلغ الـ900 ألف دولار الذي حولته “Quartell” إلى “Balec” ذهب لدعم المركز السوري.

وعقب هجوم غاز السارين في سوريا في نيسان الماضي، والذي دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإصدار الأمر بتنفيذ ضربات جوية أمريكية ضد قاعدة جوية سورية، فرضت وزارة الخزينة أيضاً عقوبات على 271 موظف في مركز الدراسات والبحوث العلمية ووصفت ذلك بأنها “إحدى أكبر العقوبات في التاريخ.”

وقد فشلت المحاولات المتكررة للاتصال بعيسى الزيدي في موسكو لهذا التقرير، وذلك باستخدام العناوين المسجلة لشركاته الروسية وأرقام هواتفه.