IMLebanon

متى يعترف السوريون بلبنان؟ (بقلم رولا حداد)

كتبت رولا حداد

ما أتطرق إليه في هذه المقالة لا علاقة له بالنازحين السوريين كنازحين، كما ليس له علاقة بطبيعة الحال بحقوق الانسان في لبنان، أي انسان مقيم على أراضيه بغض النظر عن أي انتماء له. حقوق الانسان، أي انسان، على أرض لبنان الذي شارك في وضع شرعة حقوق الانسان العالمية يجب أن تبقى مقدسة ومصانة مهما كانت التحديات.

بناء على ما تقدّم أنا لا أناقش في تفاصيل عملية الجيش في عرسال وما تلاها، وهل ثمة أخطاء حصلت أم لا. ليس هذا موضوع المقالة. الإشكالية التي أطرحها تتناول خلفيات ردود الفعل السورية على لبنان الكيان والدولة، كما على اللبنانيين، عند كل حادثة. ردود الفعل التي أتحدث عنها، والتي تنتشر بشكل سريع وفوري على مواقع التواصل الاجتماعي كما في وسائل الإعلام، والتي تؤكد أن ثمة قسماً كبيراً من المواطنين السوريين، في سوريا كما النازحين في لبنان وفي عدد كبير من دول العالم، لا يزالون يرفضون الاعتراف بلبنان ككيان وكدولة قائمة!

ثمة معضلة مزمنة مع السوريين في هذا الإطار، وهذه المعضلة سبقت حتى وصول حزب “البعث” إلى السلطة في دمشق. إنها عقدة مزمنة تتعلق بعدم فهم التاريخ والجغرافيا. فتاريخيا اسم لبنان ذكره الكتاب المقدس أكثر من 70 مرة منذ آلاف السنين، كما ان الدولة اللبنانية نالت استقلالها رسمياً قبل الدولة السورية. أما في الجغرافيا فإن سفوح سلسلة جبال لبنان الشرقية ترسم الحدود الطبيعية بين لبنان وسوريا غصباً عمّن يرفض الاعتراف بهذه الحدود.

وكما لم ينفع عدم اعتراف الدولة السورية بالدولة اللبنانية لعقود طويلة منذ نيلهما الاستقلال، كذلك لم تنفع كل محاولات حزب البعث مع نظام بشار الأسد باحتلال لبنان لضمّه أو اعتباره محافظة سورية إضافية.

ظننا لوهلة بعد انتفاضة الاستقلال الثاني في لبنان، وبعد الانسحاب العسكري والاستخباراتي السوري، ومع إقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفراء بين بيروت ودمشق، أن ثمة إرادة بطي صفحة الماضي وإعادة بناء علاقات مستقرة وندية. لكن المفاجأة كانت أن النظام ظن أن بإمكانه تحويل السفارة في اليرزة “عنجر” جديدة، وبقي قسم كبير من السوريين يرفض الاعتراف بلبنان، حتى وهم نازحون إليه هرباً من نظامهم الذي يبطش بهم!

ولذلك أعتقد أنه على السوريين أن يتعلموا بعض الدروس من اللبنانيين:

ـ أولاً، ولولا شجاعة اللبنانيين في مقاومة جيش بشار الأسد، كما جيش حافظ الأسد قبله، ولولا أنهم طردوه مذلولاً من “وطن الأرز”، لكان نظام البعث لا يزال يحكمهم ولما تجرّأوا على الثورة عليه.

ـ ثانياً، لا يمكن بناء علاقة سليمة بين دولتين من دون اعتراف نهائي لا عودة عنها، كل منهما بالأخرى، لا أن يكون ثمة اعتراف “مشبوه” بأمره، أو اعتراف مؤقت. ولذلك على جميع السوريين، دولة ومواطنين، أن يدركوا أن لبنان كان وسيبقى دولة مستقلة، وأنه لم ولن يكون يوما محافظة سورية.

ـ ثالثاً، إن محاولات توجيه الإهانة إلى اللبنانيين ودولتهم وجيشهم لن تجدي نفعاً. لا أحد يُنكر إمكان وقوع أخطاء في أي لحظة، لكن لا أحد ينسى أن السوريين كشعب شاركوا النظام في ارتكاب الجرائم بحق الشعب اللبناني بشكل أو بآخر، ولا أحد ينسى ممارسات الأكثرية الساحقة من جنود الجيش السوري وضباطه من كل الانتماءات، خلال فترة احتلالهم للبنان.

كل الأمل بألا يخسر السوريون تعاطف أكثرية اللبنانيين معهم، تماماً كما خسروا ثورتهم بسبب أخطاء لا تُحصى في الأداء على مختلف المستويات!