IMLebanon

مشاحنات في البيت الأبيض بسبب محامية روسية… هل يتم التضحية بمحامي ترامب لإنقاذ نجله؟

 

تدور خلافات داخلية في أروقة البيت الأبيض على خلفية ما ينسب للرئيس الأميركي دونالد ترامب وأعضاء حملته الانتخابية بوجود علاقات تربطهم مع روسيا.

فقد طرح أعضاء في الكونغرس الأميركي، ينتمون إلى الحزب الديمقراطي، مبادرة لعزل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب؛ بحجة عمله على عرقلة سير التحقيق في التهم المنسوبة إليه بشأن صلات له مع روسيا.

ونقل موقع “آر تي” العربي عن وكالة “تاس” الروسية، أن المشرعَين الديمقراطيين، بريد شيرمان وإل غرين، طرحا مسألة عزل ترامب للنقاش؛ “لعرقلته سير العدالة خلال التحقيق فيما يُنسب إليه هو وأعضاء حملته الانتخابية بوجود علاقات تربطهم مع روسيا”.

 

خلافات داخلية

طريقة معالجة هذه القضية أثارت خلافات داخل الفريق الأميركي، وفقاً لما ورد في تقرير لـ”نيويورك تايمز” الأميركية.

إذ قالت الصحيفة إنه مع عودة الطائرة الرئاسية من أوروبا، السبت 8 تموز 2017، تجمَّع كادر صغير من مستشاري ترامب بمقصورةٍ؛ للمساعدة في صياغة بيانٍ لأكبر أبناء الرئيس دونالد ترامب الابن؛ كي يدلي به لـ”نيويورك تايمز” ويُوضِّح فيه سبب لقائه الصيف الماضي محاميةً مرتبطة بالحكومة الروسية.

وبحسب أشخاصٍ مُطَّلعين على المسألة، فقد تجادل المشاركون على متن الطائرة وداخل الولايات المتحدة بشأن مدى الشفافية التي يجب أن يُصَاغ بها البيان.

وفي النهاية، كما قال هؤلاء الأشخاص، وافق الرئيس على بيانٍ غير مكتملٍ من دونالد ترامب الابن لصحيفة نيويورك تايمز، حتى إنَّه تطلَّب بعد ذلك بياناتِ متابعةٍ يوماً بعد يوم، كان كلٌ منها أكثر كشفاً عن سابقه.

وتُوِّج هذا الثلاثاء، 11 تموز 2017، بنشر رسائل بريدٍ إلكتروني توضح أنَّ نجل ترامب كان يعتقد أنَّ المحامية الروسية تسعى للاجتماع به؛ لتُقدِّم له معلومات تدين هيلاري كلينتون كـ”جزءٍ من دعم روسيا وحكومتها لترامب”.

وقال النجل الأكبر للرئيس دونالد ترامب لقناة فوكس نيوز الأميركية، إنه لم يبلِّغ والده بشأن اجتماعه بمحامية روسية العام الماضي، لتعرض عليه -كما يبدو- المساعدة في حملة الانتخابات الرئاسية، بحسب ما ورد في تقرير لـ”بي بي سي”.

وقال ترامب الابن لـ”فوكس نيوز”، إن اللقاء “لم يكن ذا شأن”، ولكنه أقر بأنه كان ينبغي أن يتعامل معه بطريقة مختلفة.

ودافع الرئيس الأميركي عن نجله الذي ثار جدل بشأن اجتماعه مع محامية روسية خلال الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية، ووصفه في تغريدة بحسابه على تويتر بأنه “منفتح، وشفاف، وبريء”.

وكان ترامب الابن قد نشر تفاصيل رسائل بريدية تُظهر موافقته على تلقي معلومات من قانونيٍّ روسيٍّ تحتوي معلومات حساسة ومضرَّة بالمرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية الماضية هيلاري كلنتون.

 

هل سارع بنشرها قبل فضح الأمر؟

وتضعف رسائل البريد الإلكتروني، التي نشرها دونالد ترامب الابن بعدما علم أنَّ صحيفة نيويورك تايمز قد حصلت على نسخٍ منها وكانت على وشك نشرها، الخط الدفاعي للرئيس في تحقيق روسيا.

فعلى مدى أشهر، رفض ترامب الشكوك بشأن التواطؤ بين روسيا وفريقه باعتبارها “أخباراً زائفة” و”خداعاً كاملاً”.

وقد أكَّد نجله الأكبر سابقاً أنَّ الحديث بشأن التواطؤ أمرٌ “مثيرٌ للاشمئزاز” و”كاذب تماماً”. وقال: “إنَّه سيقوم بالأشياء بطريقةٍ مختلفة لو عاد به الزمن إلى الوراء، لكنَّه أصرَّ على أنَّه لم يقم بشيءٍ خاطئ.”

غير أنَّ رسائل البريد الإلكتروني تُبيِّن، على الأقل، أنَّ دونالد ترامب الابن لم يكن مستعداً لقبول المساعدة التي يُروَّج لها على أنَّها قادمة من الحكومة الروسية فحسب؛ بل وكان حريصاً أيضاً على ذلك. فقد كتب: “أحب ذلك”.

وكان من انضم إليه بعد ذلك في اللقاء مع المحامية الروسية في حزيران 2016 هم: غاريد كوشنر زوج شقيقته والمستشار البارز الآن في البيت الأبيض، وبول مانافورت مدير حملة ترامب الانتخابية آنذاك والناشط السياسي المُخضرم الذي يتمتع بعلاقاتٍ ممتدة مع أحد الأحزاب الموالية لروسيا في أوكرانيا.

وقال كلٌ من دونالد ترامب الابن والمحامية الروسية، ناتاليا فيسلنيتسكايا، في الأيام الماضية، إنَّه في الواقع لم يجرِ تناقل أي معلومات تدين هيلاري كلينتون حقاً في أثناء اللقاء الذي جرى في برج ترامب؛ بل ناقشت ناتاليا العقوبات الأميركية المفروضة على منتهكي حقوق الإنسان الروس. وقال دونالد ترامب الابن: “إنَّ كوشنر قد غادر اللقاء بعد دقائق قليلة من بدايته”.

وفي حين كان دونالد ترامب الابن هو محور التركيز في هذا الجدل؛ لأنَّه قام باللقاء، يواجه كوشنر مشكلةً مُحتَمَلَة؛ لأنَّه يعمل الآن في البيت الأبيض وتغاضى عن ذكر اللقاء في النماذج التي ملأها من أجل فحص الخلفية المطلوب للحصول على التصريح الأمني لشغل المنصب.

وبحسب أشخاصٍ مُطَّلعين على التطورات، والذين كغيرهم رفضوا الكشف عن هُوياتهم؛ بسبب المسائل السياسية والقانونية الحساسة المتضمنة، فقد اكتشف الفريق القانوني لكوشنر رسائل البريد الإلكتروني في الأسابيع الأخيرة بينما كانوا يراجعون الوثائق، وقد عدَّل الفريق استمارات تصريح كوشنر؛ للكشف عن تلك الرسائل.

وبحسب الأشخاص المُطَّلعين على المسألة، فقد ذكر مانافورت مؤخراً، وعلى نحوٍ مشابه، ذلك اللقاء لمُحقِّقي الكونغرس الذين يبحثون في احتمالية وجود تواطؤ. وترك هذا الكشف عن رسائل البريد الإلكتروني البيت الأبيض من جديد في وضعية الدفاع، مع زيادة التوتُّر داخل دائرة الرئيس. ويشعر الرئيس ترامب بالإحباط.

وبناءً على طلب مستشاريه، لم يُدلِ بأي شيءٍ علني دفاعاً عن نجله حتى يوم الثلاثاء؛ حين أصدر بياناً من جملةٍ واحدةٍ. وقال ترامب فيه: “ابني شخصيةٌ من طرازٍ رفيع، وأنا أشيد بشفافيته”. وبعد ذلك بساعات، أضاف على تويتر أنَّ ابنه “شخصٌ عظيم يحب بلاده”.

وقال مستشارون إنَّ الرئيس لم يكن غاضباً للغاية من نجله بقدر ما كان غاضباً من عناوين الصحافة. غير أنَّ 3 أشخاص مُقرَّبين من الفريق القانوني قالوا إنَّه قد صبَّ غضبه على مارك كاسويتز، محاميه منذ فترةٍ طويلة، والذي يقود فريق المحامين الخاصين الذين يُمثِّلونه.

وذكر هؤلاء الأشخاص أنَّ ترامب، الذي كثيراً ما يُنفِّس عن نفسه بالتعبير عن غضبه على مستشاريه في أوقات المشكلات، يشعر بخيبة أملٍ من استراتيجية كاسويتز.

غير أنَّ التوتُّر موجود على كلا الجانبين؛ فقد شعر كاسويتز وزملاؤه بإحباطٍ عميق من الرئيس. فبحسب شخصٍ آخر على دراية بالفريق القانوني، شكا كاسويتز وزملاؤه من أنَّ كوشنر كان يهمس في أذن الرئيس بشأن تحقيقات وقصص روسيا، في حين يبقى المحامون خارج تلك الحلقة.

لكنَّ شخصاً على دراية بتفكير كاسويتز قال إنَّ محامي الرئيس يرون كوشنر باعتباره عقبةً يعمل لحساب نفسه وينشغل بحمايتها أكثر من صهره، ترامب. وفي حين لم يُقدَّم أي إنذارٍ نهائي، فقد أخبر المحامون زملاءهم بأنَّهم لا يستطيعون الاستمرار في العمل بتلك الطريقة؛ الأمر الذي يثير احتمالية استقالة مارك كاسويتز، محامي الرئيس ترامب.

وأخبر الرئيس كذلك حلفاء مُقرَّبين له بأنَّه يبحث إجراء تغييرٍ في طاقمه، ووجَّه بعض أفراد أسرته تركيزهم إلى رئيس موظفي البيت الأبيض، رينس بريبوس. لكنَّ معظم مستشاري ترامب قد أقروا سراً بأنَّ التغييرات الرئيسية مستبعدة في المدى القريب.

 

هل يتهم بالخيانة؟

وقد أثارت تلك التطورات انتقاداً حاداً من الديمقراطيين وحتى من بعض الجمهوريين. فقال السيناتور تيم كين، السيناتور الديمقراطي عن ولاية فرجينيا والذي كان مُرشَّحاً على منصب نائب الرئيس إلى جانب هيلاري كلينتون العام الماضي، الثلاثاء، إنَّه “لا شيء مُثبتٌ بعد، لكنَّنا الآن تجاوزنا مسألة إعاقة العدالة من حيث ما يجري التحقيق فيه. إنَّ الأمر ينتقل إلى حنثٍ باليمين، وتصريحاتٍ كاذبة؛ بل وحتى الخيانة المُحتَمَلَة”.

ولم يقم الجمهوريون في الكونغرس بجهدٍ يُذكَر للدفاع عن البيت الأبيض، وعبَّر بعضهم عن قلقه. فكتب لي زلدين، النائب الجمهوري من ولاية نيويورك في مجلس النواب الأميركي، على تويتر: “لقد صوتُّ للرئيس ترامب في تشرين الثاني 2017، وأريد له وللولايات المتحدة النجاح، لكنَّ ذلك اللقاء، وبالنظر إلى سلسلة رسائل البريد الإلكتروني التي نُشِرت للتو، أمرٌ غير ملائم تماماً”.

ورفض البيت الأبيض الانتقاد. وعند سؤالها بشأن استخدام مصطلح “الخيانة”، أجابت سارة هكابي ساندر، نائبة المتحدث باسم البيت الأبيض: “أعتقد أنَّ تلك الكلمات الجديدة سخيفة”.

وقال نجل ترامب والمدافعون عن الرئيس، من جديدٍ، إنَّ الضجة لم تكن مُبرَّرة. فكتب دونالد ترامب الابن على تويتر: “يستهلك الإعلام والديمقراطيون أنفسهم للغاية في القصة الروسية. إذا كان هذا اللقاء التافه هو كل ما لديهم بعد مرور عامٍ، فأنا أتفهم أسباب إحباطهم!”.

 

محاولات للدفاع

وحاول بعض المدافعين الآخرين التقليل من شأن علاقات حملته بالمحامية ناتاليا، عن طريق المجادلة بأنَّها شبيهة بالتفاعلات بين مسؤولي الحكومة الأوكرانية وأحد المستشارين الديمقراطيين الذي سعى وراء معلوماتٍ ضارة بشأن ترامب وشركائه، وضمن ذلك مانافورت، في أثناء الحملة الانتخابية.

وفي برنامجٍ أُذيعَ مؤخراً، قرأ شون هانيتي، المذيع بمحطة فوكس نيوز والمُقرَّب من ترامب، من مقالٍ نُشِر في كانون الثاني 2017 بمجلة بوليتيكو ويكشف عن لقاءات الناشط الديمقراطي مع المسؤولين الأوكرانيين بالسفارة الأوكرانية في واشنطن. وتساءل هانيتي: “أين الغضب بشأن هذا؟”.

وداخل فريق ترامب، أصبحت الاستجابة للتطورات موضوعاً للخلاف الشديد. فقد كان المحامي كاسويتز يعمل بشكلٍ منفصل للإدلاء بمعلوماتٍ لمقالٍ يجري إعداده من جانب موقع “سيركا Circa”، وهو منفذٌ إعلامي يعتبره البيت الأبيض مُفضَّلاً، بدلاً من صحيفة نيويورك تايمز.

وبحسب الشخص المُقرَّب من الفريق القانوني، أُبقي على كاسويتز بعيداً عن المناقشات بشأن البيان الأول من دونالد ترامب الابن ورآه فقط بعد نشره على الإنترنت بالمقال الأول لصحيفة نيويورك تايمز.

وذكر البيان الأساسي، الذي صِيغَ على متن الطائرة الرئاسية من قِبل المستشارين ووافق عليه ترامب بعد ذلك، فقط، أنَّ المحامية الروسية ناقشت سياسة التبنّي في أثناء اللقاء، دون الإتيان على ذكر أنَّ اللقاء قد عُرِض كفرصةٍ لتقديم معلوماتٍ بشأن تعاملات هيلاري كلينتون مع روسيا. ولم يُصدِر دونالد ترامب الابن بياناً ثانياً يعترف فيه بذلك سوى بعدما تابعت صحيفة نيويورك تايمز الاتصال معه تحضيراً لمقالٍ آخر.