IMLebanon

الصراع على “السلسلة” لحماية الفقراء أم الأغنياء؟ (بقلم رولا حداد)

كتبت رولا حداد

عادت “سلسلة الرتب والرواتب” مادة دسمة على طاولة التجاذب السياسي، وعدنا إلى ضخ جرعات من التفاؤل حول إمكان إقرارها، وذلك رغم غياب استراتيجية واضحة حول كيفية مقاربة هذا الملف الحسّاس جداً على الصعيد الاقتصادي.

ويبدو أن الصراع الخفي يقوم بين محاولة إنصاف جميع أصحاب الحقوق، وصولا إلى المتقاعدين، في مقابل من يتوجّس من أن يترافق ذلك مع فرض ضرائب تطال الميسورين وأصحاب الرساميل الكبرى.

المفارقة الكبرى في الموضوع أن طرفي الصراع لا يأبهون للاقتصاد وحاجاته، ولا يلتفتون إلى ما يمكن أن يمس الاقتصاد ككل، كما الفقراء وأصحاب الدخل المحدود بالدرجة الأولى عند اتخاذ أي إجراء ضريبي. لذلك ثمة أسئلة تقض مضاجع اللبنانيين عموماً وأصحاب الاختصاص خصوصاً، وأهمها:

ـ هل يمكن للاقتصاد اللبناني أن يصمد في حال فرض ضرائب جديدة، أياً يكن نوعها، وتحديداً في حال كانت تطال كل شرائح الشعب، مثل الزيادة على الضريبة على القيمة المضافة؟

ـ وفي المطلق هل يمكن لاقتصاد يعاني من انكماش وتباطؤ في النمو الذي يبلغ في حدّه الأقصى نسبة 1% أن يتحمّل ضرائب إضافية ستشل الحركة الاقتصادية بالكامل؟

ـ هل يتحسّب المسؤولون للتضخم الذي يمكن أن يصيب اقتصادنا وتراجع القيمة الشرائية للعملة الوطنية في حال إقرار سلسلة الرتب والرواتب بالتوازي مع فرض سلة ضرائب جديدة؟

ـ وكيف يمكن الحديث عن فرض ضرائب جديدة، في حين أن الحكومة لم تدرس فعلاً كل سبل استرداد المال العام المنهوب، سواء من مصادرة الأملاك البحرية، أو التعدي على المشاعات في عدد كبير من المناطق؟ وكيف يمكن الحديث عن فرض ضرائب على الفقراء في حين أن الحكومة تشرّع المزيد من الأملاك البحرية لتعديات “الأثرياء” والشركات كما حصل في جل الديب مؤخرا؟

ـ وماذا عن الخطوات التحفيزية للاقتصاد؟ هل ألغت الحكومة ومجلس النواب من حساباتهما ضرورة تكبير حجم الاقتصاد عبر أنواع من الانفاق الاستثماري مثلا، ما يسمح بزيادة مداخيل الخزينة عبر رفع نسبة النمو وخلق فرص عمل جديدة ودفع العجلة الاقتصادية إلى الأمام؟

لست خبيرة اقتصادية بطبيعة الحال، لكن كثراً ممن تسلموا ويتسلمون مسؤوليات عامة لطالما ادعوا أنهم خبراء اقتصاديين، في حين نرى أن كل الإجراءات الاقتصادية منذ سنوات وحتى اليوم تزيد في طين وضعنا سوءاً، ويزداد العجز عجزاً والفساد فساداً من دون أي أفق.

والمطلوب اليوم على الأقل وقف السياسات الكارثية القديمة، وعدم وضع أثقال لا تُحصى على اقتصادنا المتباطئ أصلاً، والبحث عن كيفية تحفيزه لا إرهاقه بمزيد من الإجراءات الغوغائية بعيداً من أي منطق علمي اقتصادي. إن تبسيط الأمور إلى درجة جعل المعادلة محصورة في أن إقرار سلسلة الرتب والرواتب يجب أن يقترن بسلة ضرائب يكون مردودها “مضموناً”، يؤكد أن المسؤولين منعدمو الرؤية الاقتصادية ويتعاطون بمنطق دفتري سخيف ليس أكثر، وخصوصاً أن توقعاتهم للأرقام ومردود الضرائب يقوم على الوضع الحالي الذي سيسوء كثيراً في حال إقرار الضرائب. أما في حال تحفيز الاقتصاد وتحريكه وزيادة نسبة النمو والتصدي لمشاكل الفساد والتهرّب الجمركي والضريبي فسترتفع واردات الخزينة بأضعاف ما يمكن أن تأتي به أي ضرائب جديدة.

عسى أن ننتقل يوماً بدراساتنا من حماية مصالح الأغنياء الى الانتباه إلى أوضاع الفقراء، والأهم أن تكون عيوننا دائماً وأبداً إلى مصلحة الاقتصاد اللبناني أولاً وأخيراً.