IMLebanon

بلد التناقضات من فوق إلى تحت! (بقلم رولا حداد)

كتبت رولا حداد

ثمة من يقول إن السياسة لا يمكن أن تكون ثابتة أو متحجرة، وأن المواقف السياسية يجب أن تبقى متحركة ومتغيرة تبعاً للتطورات التي تحصل. في المبدأ هذا القول منطقي، لكن تطبيقه في لبنان ينقلب إلى حدود اللامنطق، في بلد تحكمه طبقة سياسية في غالبيتها تحرّكها مصالحها الآنية لا مصلحة الوطن العليا، والنماذج عمّا نقول لا تنتهي!

في لبنان ثمة أكثرية ساحقة تؤيد الجيش اللبناني، الذي يجب أساساً أن يكون تأييده محط إجماع وخارج إطار أي نقاش. لكن في لبنان نفسه ثمة مجموعة كبيرة لا تجد أي إشكال في التهجّم على المؤسسات الأمنية الأخرى كقوى الأمن الداخلي و”شعبة المعلومات” فيها تحديداً، ولا تمانع في حرمانها من المخصصات بانتظار “إخضاعها” سياسياً، تماماً كما تم تعطيل جهاز “أمن الدولة” طوال سنتين للأسباب نفسها!

وفي لبنان نفسه قسم ممن يؤيدون الجيش لا يترددون في “مبايعة” ميليشيا باتت تدّعي أنها أقوى من الجيش وتقوم بما لا يستطيع القيام به. هؤلاء يدّعون تأييد الجيش لكنهم يرفضون حصر السلاح بيده تماماً كما هي الحال في كل دول العالم، وكأنهم يريدون الجيش ليكون في خدمتهم وليس في خدمة كل الوطن!

في لبنان البعض ممن يعتبرون “جبهة النصرة” إرهابية لكنهم لا يمانعون في أن تعقد ميليشيا صفقة معها من دون مبرر، وخصوصاً أنها نظرياً في موقع المهزوم، ولنا كلبنانيين في ذمتها ثأراً لإرهابها الذي مارسته في ذبح جنود لبنانيين أبطال. وفي الوقت نفسه لا يسأل هؤلاء أنفسهم لمَ لم تبدأ المعركة مع “داعش” التي لا تزال تحتفظ بجنود لبنانيين أسرى، وهي المتهمة وليس “جبهة النصرة” عن إرسال جميع الانتحاريين والسيارات المفخخة الى الداخل اللبناني؟!

في لبنان قوى سياسية تنتقد ممارسات “حزب الله” وهي في موقع المسؤولية، ولا تجرؤ على طرح ولو سؤال على هذا الحزب على طاولة مجلس الوزراء!

في لبنان رئيس حكومة يقول من واشنطن إنه يرفض المواجهة مع “حزب الله” لأنه يريد الاستقرار في البلد، ولكنه يعتبر في الوقت نفسه أن “حزب الله” مشكلة إقليمية وعلى المجتمع الدولي حلها.

في لبنان رئيس للجمهورية وحكومة يؤيدان القرار 1701 لكنهما يرفضان القرار 1559، في حين أن القرار 1701 يصرّ في متنه على تطبيق القرار 1559 وحل كل الميليشيات وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية!

وفي لبنان تعلن كل القوى السياسية رفضها التمديد لمجلس النواب ومن ثم تصوّت للتمديد 11 شهراً بذريعة إصدار بطاقة انتخابية ممغنطة يعرفون مسبقاً أنهم لن يصدروها وأنهم استعملوها كذريعة سخيفة لتمرير التمديد!

وفي لبنان تدّعي القوى السياسية كما المسؤولون على كافة المستويات الالتزام بالدستور والقوانين، وهم يمعنون بانتهاكها يومياً، وآخر ابداعاتهم تطيير الانتخابات الفرعية في كسروان وطرابلس التي ينص عليها القانون صراحة وبوضوح تام، وكأن وجهة نظرهم تعلو على القانون!

وفي لبنان كل القوى السياسية ضد فرض المزيد من الضرائب، وخصوصا على الفقراء، لكن هذه الضرائب تجد بسحر ساحر أكثرية بين القوى السياسية تقرّها في مجلس النواب!

في لبنان كل القوى السياسية تتحدث عن الفساد لكنها ترفض مجرد الإشارة إلى الفاسدين، كما تفضل فرض الضرائب على المواطنين عوض وقف الفساد والهدر!

والأهم، وفوق كل ذلك، أن في لبنان شعباً ينتقد مسؤوليه وأداءهم يوميا، ويئنّ من كثرة مشاكله، وحين تأتي ساعة الانتخابات النيابية يجدد للطبقة السياسية نفسها!

بربكم ألم نكتو من هذه التناقضات؟ ومتى تحين ساعة التغيير؟!