IMLebanon

“الحافلات الخضر” تَفتح الطريق بين لبنان و… “سوريا الجديدة”

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: يقيم لبنان الآن بين معركتيْن، واحدة خاضها «حزب الله» ضدّ فلول «جبهة النصرة» في جرود عرسال على التخوم الشرقية مع سورية وانتهتْ الى تَفاوُضٍ بضماناتٍ إقليمية ترعى حركة الحافلات الخضر لنقْل مسلّحي الجبهة ومَن يرغب من النازحين الى إدلب السورية، وثانية يَحشد لها الجيش اللبناني ضدّ جيْبٍ لتنظيم «داعش» في جرود القاع ورأس بعلبك، ومن غير المستبعد ان تنتهي الى تَفاوُض يُخرِج المسلّحين الى البادية السورية.

وبين معركتيْن، واحدة تطوى وثانية على قاب قوسين، عاد رئيس الحكومة سعد الحريري من زيارةٍ للولايات المتحدة اتّسمتْ بطابعٍ بالغ الحساسية عَكَسَتْه مناقاشاتٌ بـ «مكبرات الصوت» في بيروت وواشنطن على حدّ سواء كان محورها «حزب الله» وأدواره في لبنان والمنطقة، حدود التعايش مع مشروعه وسبل الحدّ من تأثيراته، وهو العنوان الصاخب الذي يُحْدِث ضوضاء يرجح استمرارها الى أَجَل غير مسمّى على وهج التحولات التي تعيشها المنطقة. وبدا ان «حزب الله» نجح في اصطياد أكثر من هدف بإطلاقه المعركة ضدّ مسلحي «النصرة» في جرود عرسال في التوقيت الذي اختاره، فأحرز تفوّقاً في الميدان مكّنه من فرض التفاوض لمبادلة أسراه بانسحاب المسلّحين، وانتزع تضامناً واسعاً، ربما لم يكن ينتظره، وبلغت «البروباغندا» الإعلامية في استثمار ما حقّقه حدّ «ترشيحه» للانتقال الى جبال تورا بورا لإنجاز ما عجز عنه حلف شمال الاطلسي ضدّ حركة «طالبان» في افغانستان.

وثمة مَن يربط خفوت صوت الاعتراض الداخلي على احتكار «حزب الله» لدور الجيش اللبناني المفترَض في تحرير جرود عرسال من الارهابيين، بسعي غالبية القوى السياسية، ولا سيما خصوم الحزب، الى تطبيع العلاقة معه لاعتباراتٍ شتى تنطوي في حقيقتها على تسليمٍ بـ «إمرته» كناظِمٍ سياسي – أمني يستمدّ قوّته من تَمدُّده الاقليمي في إطارٍ مشروعٍ استراتيجي عابِر للحدود.

فالحريري، الذي كان انخرط في تسويةٍ مع «حزب الله» عنوانها «ربْط النزاع» حيال القضايا الخلافية معه، يَحرص على التذكير ان الحزب يشكل «مشكلة إقليمية» لا قدرة للبنان على حمْلها، وتالياً فإنه يمضي في موجبات التسوية التي تملي عليه صيانة تفاهمه الدائم مع الرئيس ميشال عون، الذي جاء الى الحكم كشريكٍ سياسي لـ «حزب الله»، وخصوصاً في المسائل ذات الطبيعة الاستراتيجية.

وفي حين خرج رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط عن صمته ليعلن «في انتظار ان يستكمل الجيش عملية جرود عرسال، التحية لشهداء حزب الله الذين سقطوا اثناء المرحلة الاولى من المهمة»، فإن رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي يسعى الى تبديد الانطباع عن تقويمه «الايجابي» لعملية الحزب في الجرود على الداخل رغم تحفظه على مشروعه، كان أيقن ان المواجهة التي خيضت ضدّ الحزب بين 2005 و2008 لم تأت بنتيجة، وتالياً فانه اختار الموازنة بين اعتباره الحزب «مشكلة استراتيجية» وبين إطفاء المحرّكات في وجهه وملاقاته في عناوين مشترَكة لمكافحة الفساد.

وثمة مَن يعتقد ان هذا الاختلال في موازين القوى الذي ازداد رسوخاً مع كسْب «حزب الله»، «شرعية وطنية» لمعركة تطهير جرود عرسال من الارهابيين، سينعكس بطبيعة الحال في التوازنات التي يمكن ان تفضي اليها الانتخابات النيابية في الـ 2018 عبر مجيء برلمانٍ يتيح لـ «حزب الله» شرْعنة وجوده العسكري الى جانب الجيش على غرار الحرس الثوري في ايران والحشد الشعبي في العراق والتشكيلات المماثلة في سورية.

ولفت في هذا السياق مسارعة نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الى اعتبار «ان ما جرى في مواجهة التكفيريين في جرود عرسال هو أوضح تطبيق لمعادلة الجيش والشعب والمقاومة، فالمقاومة كانت تقاتل على الأرض، والجيش يشكل السند والمانع لهؤلاء أن يدخلوا الأراضي اللبنانية، والشعب يقدم كل أشكال الدعم الإعلامي والسياسي والعملي من أجل أن تتكامل الحلقات الثلاث (…)».

ورغم التفاعلات الداخلية لهذه المعركة، فإن «رمزية» دخول الحافلات الخضر من سورية الى لبنان للعودة بمسلّحي «النصرة» ونحو 8 آلاف من النازحين، من جرود عرسال اللبنانية الى ادلب والقلمون في سورية، تعكس ارتباط المعركة التي خاضها «حزب الله»، في توقيتها ومسرحها ودلالاتها بمشروعه القائم على وحدة «الميادين» الممتدّة على طول خط «الهلال» من طهران الى بيروت مروراً ببغداد ودمشق.

فلم تكن مصادفة إطلاق «حزب الله» لمعركته في اللحظة التي ترتسم في سورية ملامح ترتيبات جديدة، من مَظاهرها تَقاسُم النفوذ بين اللاعبين الدوليين والاقليميين، ومن أهمّ علاماتها الفارقة إبعاد ايران وميليشياتها عن جنوب غرب سورية بضماناتٍ روسية، ووقف الولايات المتحدة برنامج تدريب المعارضة السورية وتسليحها والاكتفاء بدعم الأكراد.

هذه الترتيبات التي اقترنتْ مع ما يشبه رفع الغطاء عن «النصرة» بعد إعلان الحرب على «داعش»، سرّعتْ من خطوة «حزب الله» لاقتلاع «الشوكة الأخيرة» من على الحدود اللبنانية – السورية على النحو الذي يجعله «حبل السرة» الذي يربط بين «سورية المفيدة» التي جرى الإقرار بالنفوذ الإيراني فيها وبين لبنان.

ولم يعد يفصل الحزب عن تحقيق هدفه سوى ساعاتٍ سيجري خلالها وضع اللمسات الأخيرة على «صفقة الجرود» الذي يقضي بتوفير «ممر آمن» بَرّي لأمير «النصرة» في جرود عرسال والقلمون ابو مالك التلي وبقايا مسلّحيه اضافة الى آلاف النازحين للانتقال الى إدلب في شكل رئيسي، مقابل تسليم «حزب الله» 8 من أسراه، خمسة منهم كانوا أُسروا في بلدة العيس السورية قبل نحو عامين وثلاثة آخرين وقعوا في قبضة «النصرة» بعد وقف المعارك في جرود عرسال بعدما ضلّوا الطريق.

وفيما برز تنظيم «حزب الله» جولة لممثلين لوسائل إعلام لبنانية وعربية وأجنبية (بينهم إعلامي أميركي) في جرود عرسال التي تمت استعادتها، فإن الصفقة المتوقّع إتمامها بين ساعة وأخرى تأخّرتْ عن موعدها الذي كان مرجّحاً صباح امس نتيجة المعطى الجديد الذي شكّله أسْر 3 عناصر إضافية لـ «حزب الله» وكذلك كثافة عدد النازحين الراغبين بترْك المخيمات في عرسال وجرودها، وسط معلومات عن ان 5 آلاف تسجّلوا للانتقال الى إدلب و3 آلاف آخرين يريدون العودة الى قراهم في القلمون الغربي وإحدى بلدات القلمون الشرقي.