IMLebanon

صفقة التبادل إنطلقت… وأركان الحكم معاً “على منصّة” التسوية السياسية

دَخَل لبنان أسبوعاً جديداً سيشكّل امتداداً للمشهد الذي ساد البلاد منذ أن بدأ «حزب الله» (قبل 10 أيام) معركته في جرود عرسال على الحدود الشرقية مع سورية ضدّ «جبهة النصرة» قبل أن تتوقّف المواجهات لتَسلك المفاوضات بين الجانبين طريقها نحو صفقة تبادُلٍ متعددة العناصر بدأت أولى مراحلها يوم امس بتسليم «الجبهة» 5 جثث تعود لعناصر من الحزب مقابل تسلُّمها جثث 9 من مسلّحيها على ان تُتوَّج بعد اكتمال محطاتها تباعاً بانسحاب كل مسلّحي «النصرة» وأميرها في القلمون (ابو مالك التلي) نحو إدلب.

وفي هذا السياق اتجهتْ الأنظار الى انطلاق الجانب التنفيذي من «صفقة الجرود» في توقيتٍ أريد منه تأكيد انها تسير وفق المرسوم لها ولا سيما مع انتهاء مهلة الأيام الأربعة التي كانت حُدِّدت لوقف إطلاق النار، وسط عوامل لوجستية وأخرى ترتبط بوقوع 3 أسرى جدد من «حزب الله» في قبضة «النصرة» (بعد وقف معارك الجرود) استدعتْ تجزئةً أكبر لمراحل التنفيذ التي تشتمل على إفراج «النصرة» عن 8 أسرى لـ «حزب الله» (خمسة كانوا أسرى منذ عامين او ثلاثة) وتسليم أقلّ من 30 جثة تعود لمقاتلين من الحزب ولعناصر من الحرس الثوري الإيراني قضوا في معارك العيس بسورية وضمان انتقال مسلّحي «الجبهة» من جرود عرسال مع سلاحهم الخفيف عبر «خطٍّ آمِن» الى إدلب، مقابل تَسلُّم «الجبهة» نحو 30 جثة لمقاتليها في قبضة الحزب، وأيضاً السماح لمَن يرغب من مسلّحيها و«سرايا أهل الشام» (بقايا الجيش السوري الحر) باصطحاب عائلاتهم من مخيمات النزوح في عرسال الى إدلب وتفكيك مخيمات النازحين السوريين الواقعة في محلّتيْ وادي حميد والملاهي.

وشكّل وقوع العناصر الثلاثة الجدد من «حزب الله» في الأسْر معطى وسّع دائرة التفاوض (يرعاها جهاز الأمن العام اللبناني بقيادة اللواء عباس ابراهيم) وشروطه، فيما سبّبت كثافة الراغبين في الانتقال من مخيمات عرسال وجرودها الى الداخل السوري بتعقيدات لوجستية تستدعي توفير عدد كبير من الحافلات الخضر، وسط معلومات عن ان عدد النازحين الذين سجّلوا أسماءهم للمغادرة مع عناصر مسلّحي «النصرة» (عائلاتهم وآخرين) الى إدلب بلغوا نحو 6 آلاف، مقابل نحو 3 آلاف تسجّلوا للتوجّه مع عناصر «سرايا أهل الشام» الى القلمون الغربي وبلدة الرحيبة في القلمون الشرقي.

واذ علمت «الراي» ان التقارير التي تتحدّث عن ان المفاوضات لخروج «النصرة» تشمل قريبين منها داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا (مثل اسامة الشهابي) غير صحيحة وان لا السلطات اللبنانية ولا الفلسطينية في وارد التسليم حتى بهذا المبدأ، فإن تبادُل الجثث بين «النصرة» و«حزب الله» تمّ بهدوء يوم أمس رغم التأخير الذي طرأ نتيجة حرص «حزب الله» على إجراء فحوص «دي ان اي» للتأكد من هوية 3 من الجثث العائدة لعناصره (كانوا سقطوا قبل نحو عامين في سورية فيما العنصريْن الآخرين سقطا في المواجهة الأخيرة في عرسال)، قبل تسليم «النصرة» جثث مسلّحيها التسعة.

وحصل تبادل الجثامين في مقر قيادة اللواء التاسع في الجيش اللبناني في اللبوة، حيث تولّت الهيئة الصحية الاسلامية نقل جثث عناصر «النصرة» التسعة (ومنها الى جرود عرسال) في حين نقل الصليب الأحمر جثث «حزب الله» الخمسة، وسط معلومات تحدثت عن ان منتصف ليل الأحد – الاثنين قد يشهد خروج «سرايا أهل الشام» مع الراغبين في العودة الى القلمون، على ان تُستكمل تباعاً فصول الصفقة مع «النصرة» سواء في ما خص الجثث الباقية او بدء انتقال المسلّحين والمدنيين على دفعات، على ان يتمّ مع وصول كل دفعة بأمان الى إدلب او مداخلها إطلاق أسير او أكثر من «حزب الله». علماً ان تقارير تحدثت امس عن ان «اتفاق الجرود» يشتمل على الإفراج عن موقوفة داخل السجون اللبنانية تُدعى ميادة عيوش التي كان الامن العام اللبناني أوقفها بتهمة حمْل مبلغ مالي كانت تنقله الى عرسال.

ولم تحجب عملية التبادل الاهتمام بمحطة بارزة تترقّبها الأوساط السياسية وتتمثّل في احتفال عيد الجيش اللبناني الذي يُقام غداً في الكلية الحربية – الفياضية (بعبدا) وسيتخلله تقليد التلامذة الضباط المتخرّجين سيوفهم.

وتكتسب هذه الاحتفالية أهميتها لاعتبارات عدة أبرزها:

• أنّها المرّة منذ 4 أعوام يتم إحياؤها بحضور رئيس الجمهورية (ما يعيد تالياً مشهدية تسليم السيوف) بعدما كان الفراغ الرئاسي حَكَم الواقع اللبناني بين أيار 2014 وتشرين الاول 2016.

• ان حضور رئيس الجمهورية ميشال عون وكل من رئيسيْ البرلمان نبيه بري والحكومة سعد الحريري سيعطي إشارة متجددة الى ان التسوية السياسية، بشقيْها الداخلي والخارجي، التي كانت أفضتْ الى انتخاب عون (مرشح «حزب الله» وإيران) وعودة الحريري (حليف السعودية) الى السرايا الحكومية لم «تنته صلاحيتها»، رغم كل «الضجيج» المكتوم او «بلا كواتم» الذي ساد على خلفيّة تطوريْن: اوّلهما كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام رئيس الحكومة في البيت الأبيض حين وضع «حزب الله» و«داعش» و«القاعدة» في خانة واحدة وأعلن ان لبنان هو بالخطوط الأمامية في مواجهة هؤلاء من دون ان يلقى كلامه اي تعليق من الحريري.

والتطوّر الثاني يتمثّل بالاستقطاب السياسي المستعاد نتيجة تَفرُّد «حزب الله» بقرار فتْح معركة جرود عرسال وتمدُّد نشاطه العسكري ذات الصلة بالأزمة السورية الى داخل الأراضي اللبنانية ما دفع خصومه وفي مقدّمهم «تيار المستقبل» (يقوده الحريري) لإطلاق مواقف اعتراضية بنبرة عالية على وقع موجة تخوين وتهديدات بالقتل من قريبين من الحزب. علماً ان العملية العسكرية المتوقّعة ضدّ تنظيم «داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع والتي يواصل الجيش اللبناني الاستعداد لها ربما تشكّل التطور الذي من شأنه احتواء «الغبار» السياسي الذي لفّ البلاد بعد مواجهات جرود عرسال وذلك بمعزلٍ عن المواقف التي تَعتبر ان حتى المعركة ضدّ «داعش» حدّد توقيتها الحزب لاعتباراته المتصلة بوقائع الأزمة السورية.