IMLebanon

إيران.. ومخطط الهيمنة على الشرق الأوسط

 

كتبت مي السكري في صحيفة “القبس” الكويتية:

أقامت إيران شبكة متعددة الجنسيات، تضم عشرات الآلاف من الشباب الشيعة، من مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وعملت على تحويلهم إلى آلة قتالية، تتحدى بها الولايات المتحدة وتفوقها العسكري في المنطقة، ما جعل من طهران القضية الأولى التي تطغى على أروقة السلطة الأميركية في البيت الأبيض والكونغرس ووزارة الدفاع (البنتاغون) ».

موقع بازفيد الإخباري الأميركي، نشر تقريراً أعده الصحافي اللبناني فداء عيتاني، حول «المخطط الإيراني للسيطرة على الشرق الأوسط وطموح حزب الله وإيران في المنطقة»، مستعينا بشهادات عدد من المقاتلين الذين التقى بهم.

وورد في التقرير أن «مهمة هؤلاء الشباب الذين تجنّدهم إيران الدفاع عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، واستعادة الأراضي من تنظيم داعش في العراق، والقتال من أجل السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء»، لافتا إلى أن «الميليشيات الشيعية العابرة للحدود التي ليس لها صفة رسمية، هي الآن القوة المهيمنة في المنطقة، ما يمكّن إيران من الاستفادة الكاملة، في ظل غياب استراتيجية متماسكة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب».

وعلى مدى ستة أشهر، تحدث عيتاني إلى باحثين ومسؤولين ومقاتلين من هذه الميليشيات، حول ما يعرفونه عن البرنامج الإيراني الذي يشرف عليه فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، بقيادة الجنرال قاسم سليماني الذي غالبا ما يظهر على الخطوط الأمامية للجبهات في العراق وسوريا.

وكشفت حسابات المقاتلين عن حجم البرنامج وهيكله. وعلى الرغم من أنه لا يمكن التحقق من العديد من التفاصيل بشكل مستقل، تمكّن «بازفيد» من تأكيد جميع قصص المقاتلين، في مختلف الجماعات المسلحة، التي تم جمعها بشكل مستقل، فضلا عن الحسابات التي جمعها مسؤولون عسكريون ومخابراتيون أميركيون.

واستعرض الموقع تجربة المقاتل الشاب مصطفى الفريداوي، وهو رجل ذو لحية سوداء مشذّبة بدقة، تذكّر باعتزاز أيامه الأولى كعضو في الميليشيات الإيرانية، وكيفية تجنيده وتدريبه ليكون جزءاً من قوة.

وخلال حديثه في مطعم صاخب شمال بغداد، في وقت سابق من هذا العام، ذكر فريداوي كيف تم تجنيده وتدريبه ونشره، ليكون جزءا من قوة قتالية تهدف إلى تعزيز نفوذ إيران في الشرق الأوسط. وتابع الموقع أن الفريداوي – وهو ابن سائق حافلة – نشأ في حي أور شمال بغداد، قبل أن يتابع خطى والده، وفي يونيو من عام 2013، انضم إلى جماعة ميليشيات شيعية، تعرف باسم «عصائب أهل الحق» التي شنت هجمات ضد القوات الأميركية، إلى جانب قيامها بانتهاكات لحقوق الإنسان، بحق السُنّة في العراق.

وأوضح الموقع أنه «تم تدريب فريداوي عشرة أيام، في قاعدة عسكرية عراقية في بلدة أبو غريب غربي بغداد، قبل أن يتم إرساله إلى محاربة المتمردين السُنّة. وكانت مهمته الأولى الانضمام الى إحدى الفرق للبحث عن ثلاثة جنود عراقيين مفقودين في بلدة الكرمة شرقي مدينة الفلوجة. وشارك فريداوي ورفاقه في معركة فظيعة. وقال: كنت خائفا جدا، حيث كانوا يطلقون النار علينا مثل المجانين، واعتقدوا أنهم هزمونا. لكننا لم نُهزَم».

ويتابع «بازفيد» أن «الفريداوي أثبت شجاعته، على مدى الأشهر اللاحقة. ومن بدأ كمتطوع من أجل القيام ببعض الخير لبلده المنهار- كما وصف العراق – كان يتطور بسرعة، ليتحول إلى مسلح محترف. وساهمت مواهبه في ساحة المعركة في فوزه في نهاية المطاف، كأي شاب يقاتل من أجل القضية الشيعية». وأكد الفريداوي أن قادته أوصوا بنقله إلى إيران لتلقي التدريب العسكري والأيديولوجي لمدة 45 يوما، تخوله ليكون جاهزا للقتال لمصلحة الأسد في سوريا.

وأكمل الموقع: «في يوم بارد من يناير عام 2014، وجد الفريداوي نفسه على متن حافلة مملوءة بالمقاتلين الشيعة، استخدمت الطرق السريعة والريفية المؤدية إلى بغداد، باتجاه جنوب شرقي الحدود الطويلة مع إيران، وبثّت الأغاني عن زينب، شقيقة الحسين بن علي».

ووفق شهادة فريداوي الذي كان يبلغ من العمر 23 عاما، كانت هذه هي المرة الأولى التي يغادر فيها العديد من هؤلاء الرجال العراق، ويزور مئات الآلاف من العراقيين إيران كل عام لزيارة الأماكن المقدسة أو من أجل الرعاية الصحية. وتم نقل الرجال إلى مطار الأحواز جنوب غربي ايران.

ولفت الموقع إلى أن «إيران على خلاف مع الغرب منذ عام 1979، عندما أطاحت الثورة الإسلامية في إيران بالشاه محمد رضا بهلوي، الموالي للولايات المتحدة، وأقامت حكومة دينية. وعلى مدى العقد الماضي، تسبب البرنامج النووي الإيراني في حالة من الذعر في واشنطن، حيث جهدت الإدارات المتعاقبة من أجل التوصل إلى آلية للتعامل مع الرقيب الإقليمي. وتوّج ذلك بالاتفاق النووي المثير للجدل الذي وقّع عليه باراك أوباما عام 2015».

وأشار «بازفيد» إلى أنه «منذ غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، كانت إيران تنظر إلى العراق، عازمة على تولي زمام السلطة والتجارة والجيش فيه. ولكن هذا هو جزء واحد فقط من هدف إيران الأوسع نطاقا، وهو الهيمنة الإقليمية، من خليج عدن إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط». وأفاد الموقع بأن «أعداء إيران يَرَوْن أن الميليشيات الشيعية ليست أكثر من مرتزقة، إلا أن الفريداوي ورفاقه يؤمنون بصدق بقضيتهم. ومن وجهة نظرهم، فإن التهديد الذي يمثّله المتطرفون السُنّة في المنطقة والولايات المتحدة والدول المتحالفة معها، حقيقي جدا، ويطالبون بأن يحملوا السلاح للدفاع عن دولهم ومعتقداتهم».

وفي صيف عام 2011، عندما كانت انتفاضات الربيع العربي تهز الأنظمة عبر الشرق الأوسط، تجمّع مئات الشباب السوريين واللبنانيين في جبال البقاع في لبنان. وشاهدهم مدربون عسكريون من حزب الله، وفق ما ذكر عيتاني في تقريره.

في ذلك الوقت، كان عيتاني مؤيدا كبيرا للحزب، وكان في بعض الأحيان يحمل السلاح ويتدرب جنبا إلى جنب مع مقاتلين في الحزب. لكنه منذ ذلك الحين تحوّل علنا ضد حزب الله، ووافق على التحدث عن تجربته في برنامج التدريب. وقال عيتاني: «حزب الله يقوم بإخضاع المقاتلين لتدريبات قاسية من أجل تعليمهم الدفاع عن أنفسهم ودينهم، فضلا عن كيفية استخدام البنية التحتية للدولة، من كهرباء ومياه ودفاع مدني». وذكر أنه فوجئ «بطموح وحجم المشروع الإيراني، الذي لا يكتفي بالعراق، والذي بدأ أصلا خلال الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، عبر تجنيد الشباب الشيعة. وعلى مدى عقود، أصبح حزب الله أقوى على نحو متزايد، كأداة للسياسة الخارجية الإيرانية، ومرتكب العنف المزعوم في الشرق الأوسط وأوروبا، وحتى أميركا اللاتينية»، مبينا أنه «سيتم استخدام هؤلاء الشبان للحرب في سوريا، حيث يكافح السُنّة من أجل الإطاحة بنظام بشار الأسد المدعوم من إيران. ففي حال غادر الأسد، ستظفر ميليشيات حزب الله وإيران بجزء صغير من سوريا. أما إذا فاز الأسد، فستسيطر حينها على كل سوريا».

وتابع عيتاني: «منذ بداية الربيع العربي، استطاعت إيران أن تجتذب عشرات الآلاف من المقاتلين العراقيين واللبنانيين والأفغان للقتال في سوريا».

ووفق ما ذكره الموقع، فإن هناك قلقا آخر من أن بناء شبكة متعددة الجنسيات من المقاتلين المدربين تدريبا عاليا وذوي الخبرة، يمكن أن يكون له عواقب دائمة على المنطقة التي تغرق بالفعل في الأسلحة والتطرف والصراعات المتداخلة»، متسائلا: «ماذا سيحدث مع كل هؤلاء العراقيين والأفغان والباكستانيين الذين يقاتلون في سوريا»؟ . وأضاف: «500 أو 1000 مقاتل، هو كل ما يلزم لتنظيم شبكة إرهابية. وستكون تهديدا مستقبليا. ودورها الآن استراتيجي».

ويبدو أن التدريب الإيراني لمقاتلي الميليشيات يتسارع، مع المجنّدين الجدد والمحاربين القدامى، من بعثات التدريب السابقة التي تخطط لرحلات إلى إيران هذا العام، وفقا لما ذكره المقاتلون أنفسهم. ووصف المجندون أنهم تلقوا تدريبا على استخدام سلاح خارق للمركبات العسكرية.

ولفت الموقع إلى أن انتشار إيران يمتد إلى ما وراء سوريا وجيرانها. كما يشتبه مسؤولون أميركيون ومسؤولون آخرون في أن التدريب الإيراني للمقاتلين الحوثيين في اليمن، هو وراء الهجمات الأخيرة على السفن قبالة سواحل اليمن، وأن بعض القلق يمكن أن يشل الممرات البحرية الحاسمة». واعتبر الموقع أن «محاربة الجماعات المسلحة المنظمة على نحو فضفاض من الرجال الذين يمزجون بسهولة بين السكان المدنيين، يمثّل تحديا كبيرا للولايات المتحدة وحلفائها، وهو أمر لا تكفي فيه الأدوات التقليدية للحرب».