IMLebanon

الجيش يُحكم الطوق على “داعش” قبل “ساعات الحسم”

 

كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:

كل الأخبار الوافدة من جرود القاع ورأس بعلبك في ما يتعلّق بالتحضيرات التي يقوم بها الجيش لفتح المعركة المُنتظرة ضد تنظيم «داعش»، تُنبئ باقتراب الموعد مع تطمينات ميدانية يُحققها الجيش كخطوة أولية وأساسية لإنجاز المعركة بالشكل المطلوب وبحس الخطة الموضوعة من القيادة العسكرية، مع الابتعاد بشكل كامل عن تحديد الوقت للإنتهاء من العملية. وفي أجواء التحضيرات، برزت خلال اليومين الماضيين، مجموعة تحركات قامت بها وحدات من الجيش، تمكّنت فيها من بسط سيطرتها على مجموعة نقاط استراتيجية، سوف يكون لها أثر ايجابي بالغ الأهمية خلال سير المعركة ضد «داعش».

على ضفاف معركة الجرود، تقدم الجيش أمس من نقاط خلفية، باتجاه مراكز ومواقع أمامية مكّنته من استرجاع نقاط استراتيجية في جرود رأس بعلبك الهدف منها، تضييق الخناق على مجموعات «داعش» وكشف تحركاتها في الميدان بشكل كامل وإبقائها تحت عين الجيش الساهرة واليقظة لأي تحرك تنوي من خلاله العناصر الإرهابية، النفاد إلى الداخل اللبناني، أو الإلتفاف على مواقع متقدمة للجيش. وضمن عمليات التقدم في الجرود، برزت سيطرة فوج المجوقل على مرتفعات قنزوحة مراح الشيخ، خابية الصغير، طلعة الخنزير وشميس خزعل. وقد لاقاه فوج التدخل الأول، بالسيطرة على تلّة خربة خزعل، عقاب خزعل وعلى مرتفع ضهور الخنزير.

وحتّى الساعة لم تُعلن قيادة الجيش البدء بالمعركة، لكن من خلال التطورات الحاصلة في الجرود والتعزيزات العسكرية واللوجستية التي قام بها الجيش، يُمكن القول، إن المعركة قد بدأت فعلاً ولو بوتيرة أخف بكثير مما هو مُنتظر خصوصاً في ظل تأكيد مصدر عسكري لـ«المستقبل» أن عناصر «داعش» سيُفاجأون بحجم قوّة الجيش وبقوّة وحجم النيران التي ستُفتح عليهم. ومن المتوقع أن تشهد الساعات الأولى للمعركة، ضعضعة في صفوف العناصر الإرهابية وعمليات استسلام، لكن هذا لا يعني على الإطلاق عدم وجود نيّة لدى العديد من هؤلاء، للقيام بعمليات إنتحارية ضد مواقع الجيش ومراكزه.

أجواء البقاع تغلي حماوة وحماسة. كل الأهالي بإنتظار أن يُعلن الجيش بدء معركته ضد «داعش». هو دعم شعبي ومعنوي غير مسبوق تلقاه المؤسسة العسكرية لدرجة أن معظم أهالي البقاع وضعوا أنفسهم بتصرف الجيش منذ اللحظة، والأبرز في وسائل الدعم الشعبي هذا، صيحات الفرح والدعوات والصلوات، التي تخرج في كل لحظة تمر فيها آليات عسكرية للجيش باتجاه الجرود استعداداً لساعة الصفر. وفي ظل الحماوة هذه، تخرج تأكيدات الأهالي أن معركة الجرود هي معركة كل لبنان وليس معركة فريق أو مذهب أو طائفة. ولذلك يُجمعون على موقف موحّد يُنوّه بالدعم السياسي للجيش وخصوصاً الحكومة التي لم توّفر أي اهتمام، والتي أمّنت كل سُبل الدعم لمعركته ضد الإرهاب.

وفي خطوة أولية له بعد مغادرة عناصر «سرايا أهل الشام» من منطقة وادي حميد والملاهي في عرسال، دخل الجيش إلى المراكز والنقاط التي كان يتواجد فيها المسلحون وبدأ بتمشيطها وتنظيفها من الألغام والمتفجرات. كما قام بتأمين طريق مكنه من التمركز أمس، على تلال مُشرفة على مواقع «داعش» في الجرود يستطيع من خلالها في الوقت نفسه، استهداف أي عمليات تحرك سواء إلى الأمام أو التراجع إلى الخلف. وبذلك تؤكد مصادر عسكرية أن الجيش ومن خلال بسط سيطرته بشكل كامل على الجرود في عرسال وعملية التقدم نحو التلال التي قام بها خلال اليومين الماضين، يكون قد أحكم الطوق على عناصر التنظيم، من جهتي الغرب والشمال والجنوب خصوصاً وأنه اطمأن إلى حد كبير بعدما أمّن حماية المدنيين والنازحين السوريين في عرسال من خلال عزله البلدة عن جرودها بشكل نهائي، وهي خطوة تمنع أيضاً، تسلل الإرهابيين إلى المناطق المحررة أو إلى البلدات اللبنانية في البقاع.

وفي وقت تُبدي بعض الأحزاب والشخصيات السياسية، حماسة زائدة لفتح الجيش المعركة ضد «داعش»، وهي معركة لن تكون نزهة على الإطلاق ولا أقل ضراوة من معركة جرود عرسال بحسب ما يُشيع البعض، تُشدد المصادر على أن قيادة الجيش التي مُنحت غطاءً سياسيّاً لخوض هذه المعركة، لن تقوم بأي خطوة غير مدروسة على الرغم من ان كل التحضيرات أصبحت ناجزة بشكل كبير. والقيادة هي وحدها من يُحدد توقيت بدء العملية وإنتهائها، مؤكدة أن الأجندة الوحيدة التي يحملها الجيش، هي أجندة لبنانية لا تخضع فيها شروط المعركة، لأي إملاءات أو استحقاقات إقليمية أو دولية.

وتتطابق الوقائع الميدانية مع تأكيدات عسكرية تقول، إنه ومنذ أسْر العسكريين اللبنانيين في عرسال وما تبعه من احتلال لبعض المساحات الحدودية، وما رافقه من عمليات قتْل وأسْر وإرسال سيارات مُفخّخة إلى الداخل اللبناني وإعلان تواجد علني للجماعات المُسلحة في جرود عرسال والقاع ورأس بعلبك، راح الجيش يبني تحضيراته العسكرية واللوجستية ويُعزّز أمكنة إنتشاره عند الحدود ضمن الإمكانيات المُتاحة نسبيّاً وتثبيت مواقع له كان خسر بعضها خلال معارك خاضها مع تلك الجماعات. واليوم وبفعل كل هذه التضحيات، وصل الجيش إلى ما هو عليه اليوم من جاهزية تامّة تُمكّنه من خوض أي مواجهة تُفرض عليه بالإضافة إلى تحصين أماكن وجوده وجعلها عصية على الانهيار مهما كبرت التحديات.

في ضوء تحركات الجيش في جرود رأس بعلبك أمس، يصح القول، إنها تحركات كانت أشبه بـ «بروفا» لما ستكون عليه المعركة، فعملية التنسيق بين وحداته والقطع العسكرية بدت أكثر من لافتة، كما تبيّن أن الخطط العسكرية المُعدة لمواجهة عناصر «داعش» في الجرود، سوف تُنفذ بشكل دقيق خصوصاً وأن الخطأ في معركة كهذه، سيكون مكلفاً جداً. أما في الإنجازات التي تحققت أمس، فقد أكدت أكثر من وسيلة إعلامية، أن «داعش» خسر خلال عمليات التقدم للجيش 10 قتلى وعدداً من الجرحى. ومن هذا الإرتياح الكامل، تأتي التوقعات بنصر الجيش ودحره الجماعات الإرهابية، من على آخر بقعة من مساحة البلد، ولتنتهي معها، حكايات أوجاع وآلام طالت سنوات، مع الرجاء أن تنتهي قضية العسكريين المخطوفين، بالطريقة نفسها.