IMLebanon

“صراع أجنْدات” على تخوم معركة الجيش ضدّ “داعش”

كتب وسام أبو حرفوش في صحيفة “الراي” الكويتية:

تدور في لبنان وحوْله «حربٌ ناعمةٌ» الهدف منها إلحاقه سريعاً بعملية «الفرز والضمّ» لمناطق النفوذ الدولي والاقليمي في المنطقة التي تبدو وكأنها تودّع مرحلةً لم تنته تماماً وتلاقي مرحلةً أخرى لم تتضح معالمها، أيضاً. فالعالم بلاعبيه الدوليين والإقليميين ينخرط الآن في رسْم ملامح شرق أوسط بلا «داعش» وأخواته، وسط سباقٍ على فرْض وقائع جيو- بوليتيكية جديدة.

فعلى وهْجِ محاولاتِ ربْط لبنان بـ «سورية الجديدة»، تنشط إسرائيل وإيران ومعها تركيا والأكراد في حجْز مقاعد متقدّمة في الأرجاء السورية التي تدار بإرادةٍ روسيّة بالتفاهم مع الأميركيين، بالتزامن مع تَزايُد حمّى الحِراك العراقي في اتجاه الجوار الإيراني والخليجي، وسط أسئلةٍ كبيرة عن تحالفاتِ انتخابات الـ 2018 ومصير التعايش الاميركي – الإيراني في بلاد الرافدين.

ويصعب تالياً فهْم ما يجري في لبنان بمعزل عن «صراع الفيلة» في منطقةٍ تضجّ بتحولات لم تضع أوزارها بعد. فالاتفاق النووي الإيراني على شفير مواجهةٍ بين واشنطن وطهران، ومشروع «الدولة الكردية» في شمال العراق استدعى محادثات تركية – إيرانية رفيعة في أنقرة، والحصان الكردي في سورية جعل الأميركيين شريكاً مضارباً، وإيران عيْنها دائماً على خط طهران – بيروت.

وفي غمرة الضجيج المتصاعد من الميدان والديبلوماسية، تتّجه بيروت نحو «اختبارٍ بالنار» هو الأول في الحرب العسكرية على الارهاب، بعدما راكَمَ لبنان نجاحاتٍ باهرة في الحرب الأمنية الاستباقية على الجماعات المتشدّدة التي جرى على مدى الأعوام الماضية تفكيكها خلية خلية، الأمر الذي مكّن لبنان من استضافة أكبر تجمّع من النازحين من سورية دون تَحوِّلهم «بيئةً حاضنة» لإرهابيين أقلقوا العالم بأسْره.

… لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. هكذا سيكون حال بيروت في الأيام المقبلة مع إطلاق الجيش اللبناني حربه على مسلّحي «داعش» المتحصّنين في جيْبٍ من التضاريس الصعبة في الجرود الشرقية المتاخِمة للحدود مع سورية قبالة القاع ورأس بعلبك… فالمعركة بدتْ في الميدان وكأنها بدأت من دون ساعةِ صفر.

في الجغرافيا القاسية، تقع إمارة «داعش» على مساحة نحو 296 كيلومتراً مربعاً، 141 كيلومتراً منها في الأراضي اللبنانية والمساحة الأكبر في سورية التي رفضتْ على الدوام ترسيم الحدود مع لبنان، الذي عاندتْ طويلاً الاعتراف به. ويراوح عدد المسلحين في هذه البقعة بين 400 و 600 مسلّح موزّعين على ثلاثة قواطع.

في السياسة، تجري معركة جرود القاع ورأس بعلبك التي تُعتبر امتداداً لجرود عرسال، بتوقيتِ «حزب الله» الذي كان أَطلق عملية عسكرية ضد «جبهة النصرة» في جرود عرسال انتهتْ إلى خروجها، بالتفاوض، إلى ادلب في سورية عبر صفقة تبادُل لأسرى وجثامين تمت بغطاء إقليمي وبإدارة مدير الأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم.

في العسكر، حشَدَ الجيش اللبناني، الذي يتمتع بإسنادٍ سياسي قوي من الحكومة وبدعم خارجي كبير، لواءين وفوْجين من المقاتلين لمعركةٍ استعدّ لها بعناية، وبدأ التمهيد لها بقصفٍ بري وجوي وبقضمِ تلال استراتيجية تمكّنه من تضييق الخناق على «الغيتو الداعشي»، ايذاناً بحربٍ لا هوادة فيها.

وسُجل في الساعات الأخيرة سقوط ما لا يقلّ عن 5 قتلى لـ «داعش» مقابل 4 جرحى للجيش اللبناني في المواجهات الميدانية التي دارت فجر أمس حين بدأ الجيش بالتقدم براً من محور جرود عرسال باتجاه جرود رأس بعلبك، تحت غطاء قصف مدفعي وصاروخي عنيف، ما مهد للسيطرة على ثلاث تلال استراتيجية ومرتفعات أخرى.

على أنّ هذا التوصيف العريض لمعركة الجيش ضدّ «داعش» في الجغرافيا والسياسة والعسكر، لا يلغي الكثير من «الهوامش» الجوهرية وبالغة الحساسية التي ترفع منسوب معاينة مجريات هذه الحرب و«القطب المخفية» التي تحوطها، وخصوصاً في ضوء العلامات الفارقة الآتية:

  • ان «حزب الله» الذي يجاهر بانتصار محوره في العراق وسورية، وَجَد في ما يشبه رفع الغطاء عن «النصرة» بعد «داعش» التوقيت الملائم لإزالة «الشوكة الأخيرة» من على الحدود اللبنانية – السورية لضمان إمساكه بتلك الجغرافيا كميدانٍ لمنصاته الصاروخية وجعْلها بمثابة الممرّ الآمن لـ «خط طهران – بيروت» و«المعبر» لمعاودة تطبيع العلاقة مع النظام في دمشق بدءاً من زيارات لوزراء من الفريق الذي يقوده الحزب للعاصمة السورية رغم تأكيد الرئيس سعد الحريري ان هؤلاء الوزراء «لا يتوجهون إلى سورية بصفة رسمية».
  • إصرار «حزب الله» الذي أدار معركته ضدّ «النصرة» ببراعةٍ إعلامية، على تحويل الجيش اللبناني شريكاً له في المعركة ضدّ «داعش» وحليفاً للجيش السوري عبر الترويج لـ «وحدة الميدان»، وهي محاولةٌ تنطوي على انتزاعِ اعترافٍ حاسم ولا لبس فيه بـ «حزب الله» ككيانٍ عسكري على غرار «الحشد الشعبي» في العراق، إضافة الى إظهار علاقة تَكامُل بين الجيشين اللبناني والسوري على أرض المعركة.
  • اختارتْ الحكومة «توليفةً» تشبه التسوية حين أقرّ مجلس الدفاع الأعلى بأن معركة الجيش ضد «داعش» هي في إطار التحالف الدولي ضد الإرهاب من جهة، وتَرَك حرية الحركة للجيش في الميدان في سياق تمكينه من التنسيق مع مَن يشاء في اطار مجريات المعركة من جهة أخرى، خصوصاً أن الجيش السوري و«حزب الله» سيقاتلان من الناحية السورية.
  • ثمة تقديرات تشي بأن معركة الجيش ضدّ «داعش» ستكون أكثر تعقيداً من تلك التي خاضها «حزب الله» في مواجهة «النصرة» ودارت على إيقاع تفاوضيٍ سابقٍ بأشهر وانخرطت فيه عواصم إقليمية قدمت لـ «النصرة» تسهيلاتٍ كـ «الممر الآمن» الى إدلب وأثمان لا بأس بها كإطلاق أسرى وموقوفين.
  • إذا صحّت المعلومات عن أن «داعش» أقفل الباب تماماً في وجه أي مفاوضات، خصوصاً أن أحداً لن يضمن انتقال مسلّحيه إلى البادية السورية او الرقة، فإن هذا الأمر يعني انه سيقاتل على طريقة «يا قاتل يا مقتول».

وثمة مَن يعتقد في بيروت أن الحكومة اللبنانية مدرِكة لطبيعة المعركة التي يتجه الجيش اللبناني الى خوضها، وتالياً فإنها عملتْ على تأمين الدعم اللازم له تحت سقف اعتبار هذه العملية جزءاً من حرب التحالف الدولي على الارهاب، وهو ما يفسّر تغريدة الرئيس سعد الحريري الذي أرفقها بصورة لآلية «برادلي» الاميركية وشكر فيها الشعب الأميركي ورئيسه.

فالمعلومات المتداولة في بيروت تتحدث عما يشبه «جسراً جوياً» لنقل المساعدات الأميركية للجيش اللبناني، من آليات وذخائر، إضافة الى وجود نحو 60 مستشاراً في قاعدة رياق العسكرية في البقاع على مقربة من مسرح العمليات في الجرود.