IMLebanon

هل سيعود تنظيم القاعدة إلى الصدارة

 

 

كتبت صحيفة “العرب” اللندنية:

بالرغم من أن الولايات المتحدة ركزت جهودها على محاربة تنظيم “داعش”، إلا أن تنظيم “القاعدة” ظل موجودا ويحاول العودة من جديد، ومسألة نجاحه قابلة للنقاش، حيث أن تقييمات مستقبله تنقسم بين وجهتي نظر مختلفتين.

فالبعض يؤكد، كما يقول الباحث دانييل بيمان من جامعة جورجتاون، أن “تنظيم “القاعدة” في تراجع بسبب محدودية الدعم الشعبي التي يتلقاها والجهود الفعالة التي تقوم بها الولايات المتحدة ودول أخرى لمكافحة الإرهاب، وقتله للمدنيين المسلمين”. ويخلص بيمان إلى أن هناك سببا وجيها للتفاؤل بأن “تراجع “القاعدة” حقيقي وربما يكون دائما”.

والبعض الآخر له وجهة نظر مخالفة، مثل عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق علي صوفان الذي يدعي أن “تنظيم “القاعدة” يتحول من جماعة إرهابية صغيرة بفروع متضاربة إلى شبكة قوية من الفروع العابرة للحدود التي اكتسبت أعدادا وقوة قتالية تنتشر الآن في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا”.

ويؤكد هذا الأمر الباحث ديفيد غارتنستين روس من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بقوله، إن “الجماعة برزت بقوة من خلال اتباع إستراتيجية مدروسة وإن كانت محدودة”.

ولكن العديد من هذه التكهنات حول ما إذا كان تنظيم القاعدة سيعاود الظهور أو سيتراجع أكثر مستقبلا، مجرد افتراضات لأنها تهمل تحديد أهم العوامل التي يمكن أن تؤثر في مساره.

وتضاءلت قوة تنظيم “القاعدة” بناء على عدة عوامل مثل انهيار الحكومات في دول مثل العراق وسوريا واليمن . وبالتالي، فإن المهمة الأولية في تحليل مستقبل التنظيم تتخذ سمة منهجية، بتحديد العوامل التي يمكن أن تؤثر في مساره المستقبلي.

إنتشار وإنحسار التنظيم

بدأ ظهور تنظيم “القاعدة” من خلال 4 موجات كبيرة، ففي عام 1988، أنشأ أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وقادة آخرون التنظيم لمحاربة القوات السوفييتية في أفغانستان . وبعد عشر سنوات، في 7 آب 1998، شن التنظيم هجمات متزامنة ضد السفارات الأميركية في نيروبي بكينيا ودار السلام في تنزانيا، ثم قام مقاتلو القاعدة بتفجير المدمرة الأميركية “يو إس إس كول” في 12 ت1 2000، بينما كانت راسية في المياه اليمنية لغرض التزويد بالوقود، مما أسفر عن مقتل 17 بحارا أميركيا وإصابة 39 آخرين.

وشهدت تلك الموجة الأولي من الهجمات ذروتها في عام 2001 مع تنفيذ حادث 11 أيلول. وعلى مدى العامين المتتاليين، واجه تنظيم “القاعدة” انتكاسة بعد أن قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بالقبض وقتل قادته ونشطائه في أفغانستان وباكستان والولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم.

وبدأت موجة الهجمات الثانية في عام 2003 بعد الغزو الأميركي للعراق، حيث شن أبو مصعب الزرقاوي وجماعته “جماعة التوحيد والجهاد” حملة تمرد عدوانية ضد الولايات المتحدة وحلفائها، ثم انضم الزرقاوي إلى تنظيم “القاعدة” في عام 2004. وخارج العراق، شنت الجماعة هجمات في دول مثل إندونيسيا والمغرب والمملكة العربية السعودية وتركيا.

وفي آذار 2004، قامت جماعة إرهابية من شمال أفريقيا، تؤمن بأيديولوجية تنظيم “القاعدة”، بعمل بعض التفجيرات المنسقة ضد قطارات الركاب في مدريد بإسبانيا، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من 200 شخص وإصابة نحو 200 آخرين. وفي تموز 2005، قامت “القاعدة” بتنفيذ واحدة من أكثر الهجمات جرأة في أوروبا، حين استهدفت ثلاثة قطارات في مترو الأنفاق بلندن وحافلة ذات طابقين، مما أسفر عن مقتل أكثر من 50 شخصا وإصابة 700 آخرين. بيد أنه بحلول عام 2006، وهنت قوى تنظيم “القاعدة” فى العراق، بعد أن أحبطت أجهزة المخابرات البريطانية والأميركية عدة مخططات، وقتلت هجمات الطائرات دون طيار الأميركية كبار قادة “القاعدة” فى باكستان.

وقد شهد التنظيم انتعاشا للمرة الثالثة بين عامي 2007 و2009 بعد ظهور أنور العولقي، وهو أميركي يمني عمل كإمام في المساجد في ولايتي كاليفورنيا وفرجينيا، وكذلك ظهر التنظيم في شبه الجزيرة العربية في اليمن.

ومع اندلاع ما سمي بثورات الربيع العربي وانسحاب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان ، كانت الفرصة سانحة لظهور التنظيم مرة أخرى، حيث وسع من تواجده في دول مثل أفغانستان والصومال وسوريا واليمن.

ونظم التنظيم معظم هجماته في تلك المرحلة في دول قريبة من العدو وليس في دول الغرب، لكن تقلص نفوذ تنظيم “القاعدة” مرة أخرى بحلول عام 2014، بعد صعود تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وسوريا.

لم يتضح بعد إذا كان تنظيم “القاعدة” سيُصبح قادرا على الظهور من جديد، سيما أن قادة التنظيم مازالوا يسعون لتحقيق حلم الخلافة الممتدة من أفريقيا عبر الشرق الأوسط الى آسيا، ولكن قد تؤثر عدة عوامل على ظهور أو تراجع التنظيم خلال السنوات القليلة القادمة. وتظل معظم هذه العوامل خارجة عن سيطرة القاعدة، على الرغم من أن الكثير منها سيعتمد على مدى استجابة الجماعات السلفية الجهادية للعمل معا عن قرب.

هل من ظهور جديد؟

من المؤكد أن انسحاب القوات العسكرية الأميركية أو غيرها من القوات العسكرية الغربية، ولا سيما قوات العمليات الخاصة والقوات الجوية، من ساحات القتال الجهادية سيساهم بشكل كبير في إعادة إحياء التنظيم مرة أخرى. وكمثال على ذلك نذكر انسحاب القوات الأميركية وغيرها من القوات الغربية من أفغانستان والعراق والصومال وسوريا. ففي اثنتين على الأقل من تلك الدول، سوريا وأفغانستان مثلا، شكك بعض مسؤولي إدارة ترامب من الحكمة في استمرار الالتزام الأميركي نحو هذه الدول.

ويمكن للأحداث التي تسلط الضوء على اضطهاد المسلمين من قبل الحكومات الغربية أن تعطي فرصا دعائية محتملة لتنظيم “القاعدة”. ففي عام 2004، كان بدء الشرارة، حينما أساء الجنود الأميركيون وأهانوا السجناء العراقيين في سجن أبو غريب . حينها ظهرت صور التعذيب، التي لم يتم حذف شئ منها، على مواقع الجهاديين واستخدمت لأغراض تجنيد عناصر جديدة للانضمام إلى التنظيم. كما يمكن للجماعات السلفية الجهادية أيضا استخدام نفس الوسيلة من أجل الانتشار.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن إقرار الولايات المتحدة أو غيرها من الدول الغربية، في حالة حدوث هجوم إرهابي على أراضيها، لبعض السياسات المحلية التي تستهدف المسلمين بشكل عام، والتي تخلق تصورا لما يسمى بالحرب ضد الإسلام، من شأنه أن يزيد من التطرف والحرص على تجنيد عناصر جديدة في تنظيم “القاعدة” والتنظيمات الأخرى.

وقد يؤدي تعيين زعيم لـ”القاعدة” إلى إعادة تنشيط التنظيم. وكان أسامة بن لادن وكذلك أنور العولقي من أهم القادة المُلهمين للتنظيم، لكن الظواهري، القائد الحالي، لا يتمتع بموهبة الشخصية المُلهمة تلك. غير أن هذا قد يتغير، ففي عام 2016، بدأ قادة “القاعدة” في الترويج لأحد أبناء بن لادن، حمزة، في دعايتهم. وفي ايار 2017، وصفت المجموعة حمزة بن لادن بـ”الشيخ”، مما يشير إلى احتمالية تنصيبه كقائد للتنظيم.

وبغض النظر عما إذا أصبح حمزة شخصية مُلهمة مثل أبيه أم لا، سيساعد تنصيبه كقائد حتما على زيادة الدعم العالمي للتنظيم. ومن شأن الانتشار الواسع النطاق للقوات العسكرية الأميركية أو غيرها من القوات الغربية في الدول الإسلامية أن يزيد من احتمال عودة تنظيم “القاعدة” أو غيرها من التنظيمات الإرهابية الأخرى. وفشلت الولايات المتحدة عندما نشرت قواتها لمحاربة الإرهابيين في الخارج، بشكل عام في تحقيق الاستقرار في الدول المعنية، بل وحققت نتائج عكسية.

ففي العراق، على سبيل المثال، ساهم التواجد الأميركي في انتشار التطرف. وسيسهل انتشار القوات الأميركية بأعداد كبيرة في الدول الإسلامية من تجنيد عناصر الإرهابيين، من خلال إثارة الخوف في نفوس المدنيين من الاحتلال الأجنبي.

وساعد انتشار عدد كبير من القوات الأميركية المقاتلة في الدول الإسلامية على استفزاز بعض المتطرفين الذين تورطوا كنتيجة لذلك في بعض الهجمات الإرهابية التي حدثت في الولايات المتحدة بعد 11 أيلول 2001، مثل خوسيه باديلا ونضال حسن ونجيب الله زازي وفيصل شهزاد.

وفي الوقت الحالي، لا يحتمل أن تدعم إدارة ترامب أو المواطنون الأميركيون ذلك الانتشار الواسع للقوات العسكرية لمكافحة الإرهاب ، غير أن بعض الأميركيين قد يعيدون التفكير فى هذه الإمكانية إذا حدث هجوم إرهابي كبير على الأراضى الأميركية.

وتجدر الإشارة إلى أنه سيساعد انهيار تنظيم “داعش”، وخاصة ما يسمى بحلم الخلافة في العراق وسوريا ، على إحياء تنظيم “القاعدة” والجماعات الإرهابية الأخرى من جديد. كما أن ذلك الانهيار يمكن أن يزيد من إمكانية الدمج بين المقاتلين الموالين لتنظيمي “القاعدة” و”الدولة الإسلامية” وجمعهم تحت مظلة واحدة، وقد يؤدي هذا الدمج أيضا إلى ظهور تنظيم سلفي جهادي جديد.

ويختلف تنظيم “القاعدة” اليوم عما كان عليه قبل عقد من الزمان، فقد أصبح أقل مركزية، وأقل تركيزا على تنفيذ العمليات الإرهابية في الغرب في الوقت الراهن. وبناء على كل ما سبق من تحديات، لم تتضح بعد قدرة تنظيم “القاعدة” أو تنظيمات الجهاديين السلفيين الأخرى على آلية الصعود من جديد.

وحتى لو كانت هناك عودة، فمن الممكن أن يقودها تنظيم “القاعدة” أو “داعش”، أو منظمة إرهابية جديدة، أو مزيج من الجماعات السلفية الجهادية. ومن المرجح أن يتوقف الظهور مرة أخرى على القدرة على الاستفادة من الفرص التي تظهر وتشكلها المتغيرات الدولية بالمنطقة، لكن فكر التطرف الإسلامي المتمثل في تنظيم “القاعدة” لن ينتهي قريبا، بل وستستمر الأيديولوجيا طالما أن هناك حروبا تندلع في العالم بأسره.