IMLebanon

الجيش بين نارين (بقلم بسام أبو زيد)

كتب بسام أبو زيد

لم تكن المفاجأة فيما أنجزه الجيش اللبناني في عملية فجر الجرود في رأس بعلبك والقاع، إذ إن كل المؤشرات العسكرية كانت تدل على أن الجيش قادر على دحر الارهابيين وان ما لديه من خطط عسكرية وأسلحة كافية للقضاء على هؤلاء وإخراجهم من الأراضي اللبنانية.

مع بداية المعركة وما كان قد سبقها أدرك مسلحو “داعش” أن مواجهة الجيش اللبناني أمر محتوم بهزبمة نكراء ومكلفة، ففضلوا الفرار كي يتجمعوا في وادي مرطبيا النقطة الحدودية الأخيرة بين لبنان وسوريا في منطقة جرود القاع، حيث واصل الجيش اللبناني ضربهم بقوة.

في خلال أسبوع واحد كان الجيش قد حاصر هؤلاء المسلحين في تلك المنطقة، والخسائر البشرية التي تكبدها في تلك العملية هي أقل بكثير مما كان متوقعا إذ إن عدد الشهداء في أسبوع بلغ خمسة، أربعة منهم سقطوا والمتفجرات وواحد بالنقص، ولو لم تكن الألغام والعبوات منتشرة في شكل كثيف لكان الجيش حرر تلك الجرود في ٣ أيام فقط.

ما قام به الجيش اللبناني نتيجة أبهرت العالم ولا سيما من يقفون إلى جانب الجيش من أميركيين وبريطانيين وفرنسيين، وأبهرت في شكل خاص اللبنانيين الذين رأوا جيشا على مستوى الجيوش العالمية يقاتل وفق قواعد الجيوش الحديثة وقادر على تغيير وتنفيذ المناورات الهجومية والدفاعية في أي وقت.

جيش لبنان قوي فعلا إذا ترك لحاله يواجه أعداء البلد ويحفظ الأمن خارج نطاق التراضي السياسي، وبما أن هذه النتيجة أصبحت واضحة للقاصي والداني، خلقت مشكلة وعقدة عند من لم يكونوا راغبين في أن يظهر الجيش قوته، فعمدوا في شكل مباشر أو غير مباشر إلى التقليل من أهمية الإنجاز الذي حققه الجيش محاولين فرض أنفسهم كداعمين ومشاركين له في هذه العملية، وصولا إلى حد محاولة فرض هذه المشاركة كي لا يكون الجيش الرصيد الأقوى في قلوب كل اللبنانيين وعند الرأي العام العربي والدولي.

نعم لقد أثبت الجيش في هذه المعركة أنه قادر وحده على حماية لبنان، وأن اللبنانيين يثقون به رغم محاولة أطراف سياسية ذر الرماد في العيون. وتبين أن الجيش اللبناني ليس بحاجة إلى جيوش أخرى تساعده في القضاء على الارهابيين، بل على العكس فإن هناك من امتعض من فرض الجيش لتوقيت وظروف المعركة ضد آخر معقل لـ”داعش” في لبنان.

إن محاولات سرقة الانتصار اللبناني الشرعي لن تتوقف، وتستخدم فيها كل الاوراق والضغوط بدء من ورقة العسكريين المخطوفين و مصادفة استسلام عناصر داعش لجهات غير الجيش اللبناني، مرورا بالقول إن الجيش لم يقاتل لأن المسلحين فروا، وصولا إلى طلب التنسيق مع الجيش السوري وحتى مفاوضة الارهابيين.

إن عدم السماح بسرقة هذا الانتصار أو التقليل من أهميته هو بالدرجة الأولى مسؤولية السلطة السياسية والجيش، إذ إن هذه السلطة يجب ألا تتوقف عند أي اعتبار أو مطلب، بل عليها أن تواصل منح الجيش الغطاء السياسي وأن تطلب منه استكمال العملية حتى النهاية، ولرئيس الجمهورية دور كبير في هذا الموضوع إنطلاقا من وضع مصلحة السيادة اللبنانية في الأولوية.

أما المسؤولية بالدرجة الثانية فتقع على عاتق الجيش الذي لا يجب أن يتوقف عند أي اعتبار سياسي من لبنان وخارج لبنان، وأن يصر على مواصلة العملية العسكرية لأن مواصفاتها تمنع المخطط لاستنزافه واستنزاف البلد وسيادته وحريته، لاسيما وأن الجيش يتعرض في الوقت عينه لنيران صديقة ونيران عدوة، ومن يسمح لنفسه بالاستمرار ضحية بين نارين يكون كمن يطلق رصاصة الرحمة على رأسه.