IMLebanon

صفقة بين “حزب الله” و”داعش” أنهتْ معركة الجرود

 

 

 

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

…ماذا بعد؟ سؤالٌ «قَبَضَ» على بيروت يوم أمس مع «الفرح الكئيب» الذي رافق نهاية المعركة ضدّ تنظيم «داعش» على المقلبيْن اللبناني والسوري… فرحٌ لنجاح الجيش اللبناني منذ إطلاقه معركة «فجر الجرود» في 19 الجاري في فرْض الاستسلام على «داعش» بعدما حصَرَه في جيْب أخير ودَفَعَهُ الى رفْع «الراية البيضاء»، وكآبةٌ لأنّ طيّ صفحة وجود التنظيم الإرهابي في الجرود الشرقية كشَف مصير العسكريين اللبنانيين التسعة الذين كانوا أسرى لديه (منذ أغسطس 2014) واتّضح أنهم سبق أن قُتلوا.

وجاء الانهيار السريع والمفاجئ لـ «داعش» تتويجاً لمسار تَفاوُضي بين التنظيم الإرهابي و«حزب الله» كان أعلن عنه أمينه العام السيد حسن نصر الله ليل الخميس الماضي، والذي بدا من الصعب فصْل استعجال نهاياته عن المقدّمات الميدانيّة التي عكستْ ليل اول من امس أن الجيش اللبناني ماضٍ في معركته لدحْر «داعش» من آخر بقعة يتمرْكز فيها على الأراضي اللبنانية (وادي مرطبيا)، وهو ما تجلّى بقصْف صاروخي ومدفعي عنيف أوقع إصاباتٍ كبيرة في صفوف الإرهابيين الذين وجدتْ قيادتهم في المقلب السوري من الحدود حيث كان «حزب الله» والجيش السوري أطلق معركةً متزامنة أن لا مفرّ من التسليم بشروط التفاوض التي حدّدها «حزب الله».

ومنذ فجر يوم أمس لاحتْ مؤشرات صفقة «حزب الله» – «داعش» مع الإعلان عن أن مسلّحي التنظيم الإرهابي في الجرود قرروا ليل السبت – الأحد تسليم أنفسهم جميعاً إلى «حزب الله»، وسط تقارير في وسائل إعلام قريبة من الحزب ربطتْ الأمر باقتراب مقاتليه من مسلّحي «داعش» كثيراً وصعودهم إلى بداية مرتفع حليمة قارة (آخر نقاط وجود «داعش» في المقلب السوري).

وبالتزامن، أفاد «الإعلام الحربي» التابع لـ «حزب الله» أنّ «الجيش السوري ومقاتلي (حزب الله) أعلنوا وقف إطلاق النار، في سياق اتفاق شامل لإنهاء المعركة في القلمون الغربي ضد (داعش)»، قبل أن يعلن الجيش اللبناني لاحقاً وقف إطلاق النار في جرود القاع ورأس بعلبك اعتباراً من الساعة السابعة من صباح أمس وذلك «إفساحاً للمجال أمام المرحلة الأخيرة للمفاوضات المتعلقة بمصير العسكريين المخطوفين».

وسرعان ما تكشّفتْ بنود الصفقة بين «حزب الله» و «داعش» والتي وافق عليها الجانب السوري، وتضمّنتْ كمرحلة أولى أن يسلّم «داعش» الى «حزب الله» 5 جثامين تعود لمقاتلين له على أن تخضع لفحوص «دي ان آي» للتأكد من هوية أصحابها، لتشمل المرحلة الثانية كشْف مصير العسكريين اللبنانيين التسعة، وبعدها تبدأ المرحلة الثالثة والأخيرة التي تقضي بانتقال نحو 350 من مسلّحي التنظيم الإرهابي من دون أسلحتهم ومع عائلاتهم بحافلات إلى منطقة الميادين قرب دير الزور، على أن يتزامن انطلاق الحافلات التي تقلّهم من قارة السورية مع إطلاق «داعش» أسيراً لـ «حزب الله» وتسليمه جثامين 3 عناصر آخرين.

ولم يتأخر السياق الإجرائي للصفقة في سلوك طريقه الى التنفيذ، إذ بعدما تَسلّم «حزب الله» الجثامين الخمسة، تَوجّه دليل من «داعش» ومعه ممثلون لجهاز الأمن العام اللبناني والجيش اللبناني و«حزب الله» إلى بقعة في وادي الدب داخل الأراضي اللبنانية، تبيّن أن جثامين العسكريين المخطوفين موجودة فيها.

ومع توالي الإشارات «الكئيبة» عن مصير أبنائهم، عادت عائلات العسكريين المخطوفين «مكسورة الخاطر» إلى خيمة اعتصامهما في وسط بيروت، حيث زارها بعد الظهر مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، معلناً العثور على رفات يرجح بقوة أن تكون للعسكريين.

وقال إن «الأمن العام والجيش اللبناني يعملان على انتشال رفات نحن شبه جازمين أنها للعسكريين»، مشيراً الى انه تم حتى الآن (بعد ظهر أمس) انتشال ست رفات لجثث «يعتقد أنها لجنود لارتدائها بزات عسكرية…​ ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 8»، وهو ما أكدته لاحقاً مصادر أمنية مشيرة أنه تم انتشال رفات جثتين أخريين، ما يعني حسم مصير ثمانية من أصل تسعة عسكريين، وسط معلومات عن أن الأخير كان التحق بعد الأسْر بـ «داعش» وربما سقط خلال معارك في سورية.

وأعرب إبراهيم عن أسفه الشديد، مشيراً إلى أنه «كانت لدينا معلومات عن إستشهاد العسكريين منذ فبراير 2015 لكننا لم نستطع أن نؤكد ذلك».

وأضاف «ننتظر نتائج إختبار ​الحمض النووي​ لنتأكد من الشكوك التي لدينا، لكننا شبه متأكدين من أن الجثث هي للعسكريين المخطوفين».

وأعلن إبراهيم أن لا معلومات عن المصور المخطوف لدى «داعش» سمير كساب أو المطرانين المخطوفين بولس يازجي ويوحنا إبراهيم.

وفيما دهمتْ بيروت علامات استفهام حول ما بعد إنهاء وجود «داعش» على الحدود اللبنانية – السورية بعدما كان «حزب الله» فرض على «جبهة النصرة» الانسحاب الى إدلب، بدا المشهد السياسي ملتبساً في مقاربته السيناريو الختامي للمعركة ضدّ «داعش» التي تعاطى معها خصوم «حزب الله» على أنها تثبيت للدولة القوية والقادرة ولكون الجيش المخّول الوحيد حماية لبنان وشعبه، فيما أرادها الحزب تكريساً لمعادلة «الجيش والشعب والمقاومة» التي أضاف إليها عنصر «الجيش السوري» واضعاً اياها بمصاف تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي.

ورغم أن «حزب الله» لم ينجح في جرّ لبنان الرسمي إلى تنسيق «فوق الطاولة» مع النظام السوري ولا في فرْض تعاون ميداني معلن بين الجيش اللبناني والجيش السوري والحزب، فإنه ظهر وكأنه مَن أدار اللعبة ورسم نهاياتها، في ظل اندفاعة كبيرة من نوابه ووزرائه تعكس تعبئة عالية ضد خصومه استعادتْ لغة التخوين والغلبة ويُخشى أن تُستثمر في المسار التصاعدي لتطويع الواقع اللبناني بما يخدم أجندة الحزب الاقليمية.

وبيّنت مجريات المعركة والتفاوض لإنهائها أن «داعش» الذي تصرّف كـ «قوة عظمى» عندما احتلّ أجزاء واسعة من العراق وسورية، غيّر من أسلوبه الذي بدا وكأنه ينقلب رأساً على عقب.

فالتنظيم، وحسب خبراء في شؤون الجماعات الارهابية، لم يكن يفاوض وكان يقتل كل مَن ينسحب من مقاتليه على عكس ما جرى على الحدود اللبنانية – السورية وبإيعاز من قيادته في البوكمال على الحدود السورية – العراقية.

وفي تقدير هؤلاء أن «داعش» الذي يعاني أفولاً وفَقَدَ «الجابية الإعلامية» أصبح يحتاج للعناصر ولمَن يتمتع بخبرات قتالية، خصوصاً أنه مضطر الى الانتشار في مناطق صحراوية واسعة كالقائم في الأنبار.

ولم يكن التفاوض بين «حزب الله» و «داعش» في مناطق القلمون موْضعياً بل إن الكلام الأخير الذي أعلنه السيد نصرالله كان موجّهاً لقيادة التنظيم الارهابي في البوكمال – القائم ومنها جاء الجواب النهائي.

يُذكر أنّ العسكريين الذي كان أسرهم «داعش» بعد معارك 2 اغسطس 2014 مع الجيش اللبناني في بلدة عرسال وجرودها هم: المعاون ابراهيم مغيط عريف، وعلي المصري، والعريف مصطفى وهبي، وسيف ذبيان، ومحمد يوسف، وخالد مقبل حسن، وحسين محمود عمار، وعلي الحاج حسن.