IMLebanon

عن عباس ابراهيم… ما له وما عليه (بقلم طوني أبي نجم)

كتب طوني ابي نجم

يشكل المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم عامل إجماع بين القيادات السياسية على اختلافها من جهة، وعامل حيرة شعبية من جهة أخرى. فكل القوى السياسية من دون استثناء تحترم هذا الرجل ودوره وأداءه، من “حزب الله” إلى “القوات اللبنانية” وما بينهما، ولا تملك أي ملاحظات فعلية عليه.

استطاع عباس ابراهيم أن يعيد المديرية العامة للأمن العام إلى وظيفتها وأدوارها الفعلية، التي هي كثيرة وفاعلة جدا وتشكل عصباً أمنياً أساسياً وأولاً للدولة اللبنانية، من دون أن يقبل بأن يجنح إلى ممارسات أمنية سابقة شوّهت دور هذه المؤسسة.

أساس دور “الأمن العام” يبقى في الأدوار الأمنية التي يلعبها لمصلحة الدولة اللبنانية، وهنا لبّ الموضوع مع اللواء عباس ابراهيم الذي نجح في مهمات فائقة الحساسية يعرف عناوينها اللبنانيون من دون أن يعرفوا تفاصيلها الدقيقة، وأهمها المفاوضات التي أجراها بنجاح لإطلاق العسكريين الذين كانوا مخطوفين لدى “جبهة النصرة”، وإطلاق راهبات معلولا، إضافة إلى تولي المفاوضات من الجبهة اللبنانية أولا مع “جبهة النصرة” بمتابعة مباشرة من رئيس الحكومة سعد الحريري وأدت إلى إخراج مقاتليها من جرود عرسال، ومؤخراً مع “داعش” لمعرفة مكان دفن العسكريين الشهداء في مقابل وقف المعركة العسكرية، وهو ما وافقت عليه قيادة الجيش التي كان لها القرار على هذا المستوى.

ما لا يعرفه كثر أن اللواء ابراهيم كان تولى مفاوضات مع “داعش” في صيف الـ2014 بعد حصول عملية خطف الجنود لإطلاقهم، وتقدّمت المفاوضات لكنّ “داعش” انسحبت منها واختفت، ويُرجح المعنيون أن انسحاب “داعش” من المفاوضات كان بسبب خلافات داخلية بين صفوفها، وخصوصاً أنه كان تم الاتفاق مع الوسيط مع “داعش” على الأسماء التي طالبت بالإفراج عنها من السجون اللبنانية، من غير المحكومين قضائياً، مقابل الإفراج عن الجنود اللبنانيين.

نجاح عباس ابراهيم في هذه المفاوضات لا تشوبه شائبة لأكثر من سبب، وأهمها:

ـ أولاً، كل ما يقوم به هو بناء على طلب السلطات السياسية المتمثلة بالحكومة ورئيسها ورئيس الجمهورية، وبالتنسيق الدائم معها. وعلى كل معترض على مبدأ المفاوضات أن يسائل السلطة السياسية لا عباس ابراهيم. حتى حين كان “حزب الله” في صيف الـ2014 يطلق المواقف الرافضة للمفاوضات مع “داعش” كان ابراهيم يفاوض بإشراف السلطة السياسية، وبمعرفة “حزب الله”.

ـ ثانياً، هو “الشيعي” وفق التصنيف والواقع اللبناني المذهبيين، كان يفاوض أشد المتطرفين السُنّة ونجح في حين أن المنطق كان يفترض فشله. وسبب نجاحه في هذا الإطار أنه كان يفاوض باسم الدولة اللبنانية وانطلاقاً من موقعه كمدير عام للأمن العام اللبناني وليس بهويته المذهبية.

ـ ثالثاً، أنه امتلك مفاوضات ومهارات في التفاوض عجز عنها الآخرون على اختلافهم. فاوض ونجح حيث كان ثمة أمل بالنجاح رغم كل الصعوبات والألغام والتناقضات السياسية اللبنانية، والجميع كانوا بحاجة إليه وإلى مهاراته، بدءًا برئيسي الجمهورية السابق والحالي، مرورا برؤساء الحكومات المتعاقبة وصولاً إلى مختلف القوى السياسية وفي طليعتها “حزب الله”.

وإذا كانت كل تلك النجاحات تُسجّل للواء ابراهيم، إلا أن الأهم أنه لم يقبل بأن يؤدي أدواراً أمنية في الداخل للتضييق على هذا الطرف أو ملاحقة ذاك الطرف تحقيقاً لمكاسب سياسية لفريق على فريق آخر. في عهده لم يلاحق “الأمن العام” صحافياً، ولم يضيّق على أي فريق سياسي كما كان يحصل سابقاً، بل إن كل الأفرقاء السياسيين يؤكدون أن “الأمن العام” يقف على مسافة سياسية متساوية من الجميع، وهذا إنجاز يُحسب للواء ابراهيم.

تبقى العقدة الأبرز وهي موضوع علاقته بالثنائي الشيعي، وتحديداً وبشكل خاص بـ”حزب الله”، وما ما يطرح علامات استفهام لدى الشريحة اللبنانية المناوئة للحزب، وخصوصاً أن هذه العقدة هي الوحيدة التي تُسجل على اللواء ابراهيم.

بعض المقرّبين منه يؤكدون أن علاقته مع “حزب الله” أكثر من ممتازة وأن التنسيق دائم مع الحزب الذي يملك قوة عسكرية وأمنية بالغة القوة في لبنان وعدد من دول المنطقة. ولكنهم يؤكدون أن علاقته ممتازة مع كل القوى والأطراف السياسية من دون استثناء وأنه يخدم الجميع، فهل يُعقل ألا يكون على علاقة ممتازة مع “حزب الله” بحكم موقعه ودوره الرسمي؟

الثابت أن المدير العام للأمن العام بحسب جميع عارفيه قمة في اللياقة والتواضع والاحترام للآخرين. فهل تؤهله حكماً الأدوار الفائقة الحساسية التي يلعبها لأدوار سياسية في المستقبل؟