IMLebanon

عوامل تُمْلي “صيانة” التسوية السياسية

 

 

 

تشير أوساط مطلعة لصحيفة “الراي” الكويتية إلى عوامل عدة تُمْلي «صيانة» التسوية السياسية وإبقاء الاستقطاب حول أي عنوان خلافي تحت سقفها واحتواء مفاعيل «الهزّة» التي سببّها المسار النهائي لمعركة الجرود ضدّ «داعش» والذي رسمه «حزب الله» على قاعدة إبرام صفقةٍ مع التنظيم الإرهابي أتاحت انتقال مسلّحيه الى الحدود السورية – العراقية، قبل أن «تنفجر» قضية فتْح تحقيقٍ «بمفعول رجعي» في أحداث عرسال 2014 (وما تخلّلها من خطْف رجال أمن وعسكريين انكشف مصير آخر ثمانية منهم أعدمهم داعش ومكان دفْنهم مع نهاية معركة الجرود)، وهو الملف الذي سرعان ما تحوّل «متراساً» لتوجيه اتهامات بحق رئيس الحكومة آنذاك تمام سلام وقائد الجيش في حينه العماد جان قهوجي واستحضر مجمل «حقل الألغام» الذي «زنّر» البلاد في تلك المرحلة.

وأبرز العوامل «المحفّزة» على تبريد الواقع اللبناني هي:

* الحركة الرئاسية في اتجاه الخارج بدءاً من الزيارة التي بدأها الحريري لموسكو ويتوّجها غداً بلقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مروراً بسفر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى نيويورك نهاية الأسبوع لترؤس وفد لبنان إلى اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وصولاً إلى المحطة البارزة لعون في باريس في 25 الجاري حيث سيجتمع بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.

 

ويكتسب هذا الحِراك أهمّيته باعتبار أنه سيساعد في تكوين صورة واضحة عن آفاق الوضع الاقليمي، لا سيما الأزمة السورية ومحاولة حشْد المزيد من الدعم للبنان وجيشه، علماً أن تقارير ذكرت أمس أن الحريري سيطلب من روسيا تحييد لبنان عن أيّ صفقة ستحصل بشأن الأزمة السورية، مع تأكيد أن أي صفقة ستتمّ من دون عودة النازحين ستكون ناقصة.

* «خط الدفاع» الذي يشبه «الخط الأحمر» الذي وضَعَه الحريري أمام أيّ استهدافٍ لسلام، وهو ما لاقاه رئيس البرلمان نبيه بري بمواقفَ بارزة تحدّثتْ عن «تزييفٍ على حساب سلام وقهوجي»، ومشدداً على أن «الفتنة السنية – الشيعية العام 2014 هي مَن منعتْ تحرير العسكريين».

وإذا كانت «الاندفاعة الدفاعية» من بري أثارتْ بعض الالتباسات حيال خلفياتها وحقيقة موقف «حزب الله» منها، ولا سيما بعد ربْطها بـ «تسجيل النقاط» الدائم بين رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية الذي طلب فتْح التحقيق في أحداث عرسال بعدما كان الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله أوّل من أعطى إشارة في هذا الاتجاه، فإن كلام نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم في إطلالة تلفزيونية ليل أول من أمس أعطى إشارات واضحة الى نيّة في إبقاء الوضع اللبناني في دائرة «الأمان» سياسياً والحفاظ على الستاتيكو الحالي، بكلامه عن إبقاء الحكومة وعدم المس بها حتى الانتخابات النيابية المقبلة.

وفي رأي المصادر المطلعة ان إعلان قاسم أنّ «الرئيس الحريري يتصرّف بعقلانية لحماية الاستقرار وهو متأذٍ من الأصوات التي تثير البَلبلة، ولا يوجد مانعٌ من الحوار الثنائي معه»، هو ردٌّ على وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان الذي كان شنّ في تغريدتين في غضون اربعة أيام هجوماً عنيفاً على «إيران وابنها البكر حزب الشيطان» داعياً اللبنانيين الى الاختيار «مع حزب الشيطان او ضدّه”.

وتَعتبر هذه المصادر أن «حزب الله» له مصلحة بالالتصاق أكثر بالحريري في محاولةٍ للإمعان بإحراجه في غمرة رفْع الرياض مستوى التصدّي للحزب ولو من باب الرغبة في الحضّ على استعادة التوازن الداخلي في لبنان في الطريق إلى الانتخابات، لافتة الى أن «حزب الله» يحقق «نقاطاً ثمينة» وبطريقة شبه مجانية بإمساكه بالإمرة الاستراتيجية التي لا يملك أيّ طرف لبناني أن «يغيّر حرفاً فيها»، وفي الوقت نفسه يضع خصومَه في الواجهة لمواجهة «العواصف» التي تستجلبها سياساته عليه كما على البلاد عموماً ولمحاولة «سحْب فتائلها».

وترى المصادر نفسها أن لا مصلحة لـ «حزب الله» بأيّ مساسٍ بالحكومة قبل موعد الانتخابات النيابية في ايار 2018 والتي يتعاطى معها باعتبارها مفصلاً لتكريس القبض على مفاصل الحكم، وهو ما يفسّر اعتبار بري أن أي محاولة لتطيير الانتخابات ستعني تطيير البلاد وسيُردّ عليها بـ «انقلاب»، في موازاة تَسابُق بين رئيس البرلمان و«التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس عون) على «أبوّة» مطلب تقريب موعد الانتخابات لتحصل في نحو شهرين في ظلّ الخلاف حول البطاقة الممغنطة وإمكان إنجازها في الوقت المناسب، وهو ما اعتُبر في سياق «حرب سقوفٍ» هدفها الرئيسي تثبيت موعد انتخابات 2018.

وحسب هذه الأوساط، فإن مسار الأمور يلائم رغبة «حزب الله» في استنزاف الحريري شعبياً ضمن بيئته من خلال إرباكه بملفاتٍ تشكّل «ألغاماً» له ولكن من دون أن «تنفجر» بالحكومة، لافتة في هذا السياق الى عناوين إشكالية عدة ستَبرز بقوة في الفترة المقبلة مثل التطبيع مع النظام السوري من بوابة قضية النازحين وغيرها، وملاحِظة ان الرسالة الإيجابية التي وجّهها قاسم لرئيس الحكومة ترافقتْ مع إشاراتٍ بالغة السلبية تجاه السعودية، ومع تثبيت «حزب الله» مقولة التنسيق بينه وبين الجيش اللبناني في معركة الجرود، اضافة الى تأكيده «أن الانتصارات التي ستحصل قريباً سنتواضع امامها ولكنها لن تؤدي الى طرح مسألة سلاح (حزب الله) على بساط البحث، لا بل ستكرّس سلاحنا الى ما شاء الله».