IMLebanon

“القوات”: باسيل خرق التفاهم!

 

 

كتبت هيام القصيفي في صحيفة “الأخبار”:

لا تحتاج القوات اللبنانية الى مجلس الوزراء وقراره حول الكهرباء وإدارة المناقصات لتؤكد «صوابية خيارها في ما يتعلق بإعادة تفعيل إدارات الدولة وحسن انتظام عمل المؤسسات». لكنها كانت حكماً بحاجة الى خطاب رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، الاحد الماضي، لتؤكد «مخاوفها من أن ثمة مساراً ينتهجه الاخير لا يصبّ في صالح ورقة التفاهم بينهما والمصالحة المسيحية والشراكة الوطنية».

فتتمة القصة بين التيار والقوات اللبنانية، بحسب القوات، هي أن الأزمة الحالية بين الطرفين اللذين وقّعا ورقة التفاهم باتت تحتاج الى توضيحات ولقاءات مباشرة لتبيان حقيقة ما يحصل، وإظهار الامور على حقيقتها، لكن أي محاولات لم تجر حتى الساعة على هذا الخط. فكلام باسيل، الأحد الماضي، كان النقطة التي أفاضت كأس التباينات، ولا تزال القوات تتوقف عنده، لأنه بالنسبة اليها معيار أساسي في ظل سؤال تطرحه: «هل هذا الكلام هو القاعدة أم الاستثناء؟». إذا كان الاولى فهناك ورقة تفاهم بين الطرفين فيها الكثير من البنود المكتوبة والتفاهمات على ملفات وبنود أساسية، وإذا اقتضى الامر «فستكشف القوات مضمونها». أما إذا كان كلام باسيل استثناءً، فإن الحوار بين الطرفين يمكن أن يوضح الامور، فتعود الامور الى مجاريها.

لم يعد سراً أن القوات تحيّد تماماً رئيس الجمهورية، فـ«العلاقة معه استراتيجية»، كما تحرص على تحييد قواعد التيار «والعلاقة معها بعيدة عن أي صدام ولا تشوبها شائبة». وهي تصبّ انتقادها الحاد على أداء باسيل وخطابه وتصرفه حتى في إقامة حفلين، أحدهما في بشري حيث لا يوجد «عرين» للتيار الوطني بل بضعة أشخاص يؤيدونه، والثاني في ملعب فؤاد شهاب في جونية، وكل ذلك تزامناً مع احتفال القوات وكلمة رئيسها الدكتور سمير جعجع الذي كان يتحدث عن أهمية ورقة التفاهم والشراكة، فيما ذهب باسيل في خطابه نحو اتجاه آخر مغاير تماماً.

ولأن مضمون كلام باسيل شكل علامة فارقة في مسار العلاقة بين الطرفين، فإن قنوات الحوار المعتادة لم تعد تكفي لمعالجة هذا الخرق، بدليل أن أي مساع جدية لعقد لقاء مكاشفة ومصارحة على مستوى رفيع لم تحصل حتى الساعة، رغم كل ما يقال في الصالونات السياسية وأوساط الطرفين. تحمّل القوات باسيل مسؤولية «التدهور الأخير»، وهي ترى أنه لا يبدي حرصاً مماثلاً للذي تبديه القوات في محاولتها منذ مدة تجاوز التوترات الصغيرة لصالح العنوان الاساسي الذي أقرّته ورقة التفاهم الذي تخشى القوات أن يصبح آخر اهتمامات التيار. وهي لا تعرف، بحسب مصادرها، سرّ توقيت هذا الانقلاب في الخطاب، ولا سيما الشق المتعلق بدور القوات في انتخاب عون وسحب هذا الفضل عنها، وتصويرها كأنها مأزومة. فإذا كان التوقيت له علاقة بالمتغيرات الإقليمية ومواقف حزب الله، «فهذا مؤشر خطر، لأن معنى ذلك أن حزب الله بدأ يضغط داخلياً، وبدأ التيار يخرج من وسطيته التي أتت به الى رئاسة الجمهورية في اتجاه مزيد من الالتصاق بالحزب. وهذا يثير القلق من أن يكبر الخلاف مع الوقت إذا كان الامر له علاقة بالوضع الاستراتيجي».

أما إذا كان لأسباب داخلية كالانتخابات النيابية المقبلة «التي لم تعمل القوات على استهداف باسيل فيها لا من بعيد أو من قريب، أو ملف الكهرباء، فيمكن حينها معالجة الامور بين الطرفين بالحوار المباشر، علماً بأن القوات حين صاغت ورقة التفاهم مع التيار إنما كانت تعمل على أمرين: المصالحة المسيحية الداخلية والشراكة المسيحية ـــ الاسلامية عبر التفاهمات التي أدت الى انتخاب عون وأسهمت في الاستقرار الحالي وتشكيل الحكومة التي كان عنوانها استعادة الثقة. فهل المطلوب اليوم هزّ هذه الثقة وهزّ المصالحة المسيحية والشراكة الوطنية؟».

لم «يحترم» باسيل ورقة التفاهم و«خرق» الاتفاق بينهما بشقه العام، بحسب القوات التي ترفض التقليل من دورها في انتخاب عون، «لأن باسيل يعرف تماماً أن انتخاب النائب سليمان فرنجية بترشيح من الرئيس سعد الحريري كان قاب قوس وليس قوسين؛ فالسعودية أيّدت وباريس باركت وواشنطن كذلك، لكن القوات هي التي أوقفت هذا المسار وأحرجت حزب الله من خلال تأييد عون، وإلا لماذا لم يُنتخب عون خلال عامين ونصف عام من الفراغ»، إضافة الى أن القوات تستغرب تصنيفها على أنها «مأزومة وهي التي كانت تقيم علاقات تحالف مع المستقبل وتفاهم مع التقدمي الاشتراكي، إضافة الى علاقات عربية واسعة، وهي التي فكّت عزلة التيار حين سهّلت وجنّدت علاقاتها لصالح تأييد داخلي وخارجي لمجيء عون».

في الشق الإداري ثمة أسئلة تتوقف عندها القوات، سائلة عمّا إذا كان هدف ما يقوله باسيل هو موقف القوات في ملف الكهرباء، وعمّا إذا كان المطلوب أن تمشي خارج اقتناعها؛ فالقوات عقدت سلسلة اجتماعات مغلقة حول الكهرباء، وتبين لها وجود سلسلة ثغر أدت الى اتخاذها هذا الموقف الذي عبّرت عنه في مجلس الوزراء ولم تخفه، ولم يكن موجّهاً ضد باسيل، والدليل على صحة موقفها هو قرار مجلس الوزراء الاخير. فالقوات لن تتخلى عن موقفها في تصويب طريقة إدارة الدولة أياً كان الطرف المقصود، حلفاء أو خصوماً، سواء كان التيار الوطني أو المستقبل. هذه الحكومة يجب أن تستعيد الثقة من خلال أدائها وشفافية عمل وزاراته ا».

أكثر من مرة خلال الفترة الاخيرة «تخطّت القوات تجاوزات في أداء التيار تجاهها كالتعيينات. فحتى وزير الاعلام ملحم الرياشي الذي صاغ علاقة مع التيار ورئيس تكتل التغيير والاصلاح آنذاك العماد ميشال عون، ما أوصل الى ورقة التفاهم، لم يعط بعد تعيين مدير عام لمجلس إدارة تلفزيون لبنان. ورغم ذلك تجاوزت القوات كل ذلك حتى لا ترتقي الى إشكالات وللحفاظ على الوحدة المسيحية والحكومة». لم تغيّر القوات اقتناعها الاستراتيجي والنظرة الى سلاح حزب الله، وهذا أمر يعرفه التيار، ولن تبدل موقفها من أداء الحكومة كما حصل في مهرجان النصر، والسماح بخروج عناصر «داعش» من لبنان، وهذا أمر يعرفه تيار المستقبل، ولم تبدل حرصها على ورقة التفاهم بشقّيها المسيحي والوطني، «لكن عندما نصل الى وقت ينسف فيه الاتفاق أو يحرف أو يحوّر، فعند ذلك لا بد من تصويب الأمور، لأن تراكم هذا الكلام وعدم تصويبه يؤشران الى أن التسوية التي تمت بدأت تهتز، وهذا أمر ترفضه القوات وترفض المساس به، لأنه ليس في صالح أحد».