IMLebanon

ماذا وراء قرار إبطال قانون الضرائب؟

 

 

كتبت فيفيان عقيقي في “الأخبار”:

أصدر المجلس الدستوري بإجماع أعضائه العشرة القرار رقم 5/2017، الذي أبطل بموجبه القانون 45/2017، الذي عدّل واستحدث ضرائب جديدة، وذلك خلال الجلسة الثالثة التي عقدها، أمس، لاستكمال البحث في مراجعة الطعن في دستورية هذا القانون المقدّمة من نواب الكتائب وخمسة نواب آخرين، إذ رأى المجلس الدستوري في ملخّص قراره أن القانون 45/2017 “يخالف المبادئ الواردة في الحيثيات، وأن عدم إقرار موازنة عامّة سنويّة للدولة وعدم قطع حساب لكلّ سنة يشكّلان انتهاكاً فاضخاً للدستور”.

إمعان المجلس الدستوري في عرض اجتهاداته في تفسير الدستور، تصفه مصادر قانونيّة بـ”الهرطقة”، بعد أن وصل به الأمر إلى حدّ ربط “جواز فرض الضرائب وشرعيّتها ودستوريتها بإدراجها ضمن الموازنة العامّة السنويّة للدولة، فيما القوانين الضريبيّة تصدر بمعزل عن الموازنة ومن دون وجود أي موانع دستوريّة”، وهو ما يمكن ترجمته على أرض الواقع، ومن تاريخ نشر القرار في الجريدة الرسميّة، بامتناع كلّ المواطنين من موجب تأدية كلّ الضرائب إلى حين صدور موازنة عامّة. وأكثر من ذلك، مطالبة الدولة اللبنانيّة بتعويضات عن كلّ الضرائب والرسوم التي دُفعت منذ شباط 2006 حتى اليوم، أي منذ تقاعس السلطة السياسيّة عن إقرار موازنة عامّة للدولة!

ما مصير السلسلة؟

هذا الحرص على “احترام الدستور”، الذي تغاضى عنه المجلس الدستوري خلال 3 تمديدات متتاليّة للمجلس النيابي، أسهم هذه المرّة في فوز الهيئات الاقتصاديّة ولوبي المصارف والعقارات، مجدّداً، في معركتهم الرافضة لأي تصحيح ضريبي يصيب أرباحهم الضخمة، فضلاً عن أنه وضع مصير سلسلة الرتب والرواتب تحت سطوة السلطة السياسيّة، التي سبق أن هدّدت بإلغائها في حال أبطل المجلس الدستوري مصادر تمويلها، رغم تحوّلها إلى أمر واقع غير قابل للمساومة، وحق مُكتسب مصون بموجب الدستور. وهو ما يعدُّ، أيضاً، انتصاراً للوبي نفسه الذي كان يرفض أي تصحيح للأجور خشية انسحابه على القطاع الخاص.

يأتي قرار المجلس الدستوري متناغماً مع المواقف التي أبداها رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون بوجوب إعداد قطع الحساب وإقرار الموازنة لتحديد نفقات الدولة وإيراداتها قبل إقرار السلسلة، التي قد تتأمن مصادر تمويلها من الوفر في الموازنة، وهو ما أكّده أيضاً الوزير جبران باسيل في تصريح أعقب إصدار القرار، في حين رأى الرئيس نبيه بري أنه “قرار يخدم المصارف”. أما الرئيس سعد حريري، فأجرى اتصالات أفضت إلى التوافق على عقد جلسة استثنائيّة لمجلس الوزراء يوم الاثنين لبحث تداعيات هذا القرار.

وتشير مصادر وزاريّة إلى أن “هذا القرار مرّر كيفما كان، وهو يضع الحكومة أمام ثلاثة خيارات: إمّا دفع السلسلة والذهاب نحو أزمة ماليّة كبيرة، وإمّا مخالفة القانون وعدم دفعها وتجميدها إلى حين إيجاد مصادر تمويل أخرى، أو السعي إلى إصدار قانون يلغي قانون السلسلة وتالياً مخالفة الدستور عبر نزع هذا الحق المكتسب من المستفيدين من السلسلة، وهو قرار سيكون موضع بحث داخل الحكومة، قد يعيد النقاش إلى النقطة الأساسيّة الخلافيّة بين وزراء حركة أمل من جهة ووزراء المستقبل والتيار الوطني الحرّ من جهة أخرى، حول أولويّة إقرار السلسلة أم الموازنة”.

مبرّرات الإبطال!

تستند مراجعة الطعن إلى ما اعتبرته مخالفات دستوريّة، لناحية أن التصويت على القانون لم يحصل بالمناداة على النواب بأسمائهم (المادة 36)، وأن تخصيص الإجراءات الضريبيّة المستحدثة لتمويل السلسلة يناقض شمولية الموازنة (المادة 83)، وأن تكليف المهن الحرّة والمصارف بالضريبة على الفوائد ينطوي على ازدواج ضريبي ينقض مبدأ المساواة بين اللبنانيين (المادة 7 والفقرة ج من مقدمة الدستور). وهو ما أعاد المجلس الدستوري تأكيده في مطالعته. واللافت أن المجلس استثنى الضريبة على الفوائد، التي تطال المصارف وحدها دون المهن الحرّة، من تهمة “الازدواج الضريبي”، ما وضعته المصادر في معرض “ردّ المعروف للمحامين الذين تضامنوا مع القضاة في اعتكافهم الأخير اعتراضاً على إلغاء صندوق تعاضد القضاة. وهو ما يجيز أيضاً للمجلس النيابي إعادة فرض هذه الضريبة على المصارف باعتبارها دستوريّة”.

في مطالعته، يستند المجلس الدستوري إلى نصّ المادة 36 التي تحدّد كيفيّة التصويت على القوانين في مجلس النواب “بالمناداة على الأعضاء بأسمائهم وبصوت عالٍ”، لتأكيد أن “التصويت العلني ليس قاعدة شكليّة بل شرط ضروري للمراقبة والمحاسبة في الأنظمة الديمقراطيّة، وهي أصول دستوريّة لم تحترم بحسب محضر الجلسة التي أقرّ فيها القانون، ما استوجب إبطاله”.

في معرض الردّ على مخالفة القانون للمادة 83 من الدستور، يقرّ المجلس الدستوري بعدم دستوريّة كلّ الحسابات الماليّة للدولة منذ عام 2006 حتى اليوم في ظل غياب الموازنات، والعمل بموجب القاعدة الاثني عشرية غير الصالحة لأكثر من شهر واحد. إلّا أنه يربط استحداث قوانين ضريبيّة بإدراجها في الموازنة بحجّة احترام مبدأ سنويّة الموازنة التي تجيز للحكومة الإنفاق والجباية لسنة واحدة، ومبدأ الشمول الذي يعني تضمين الموازنة جميع نفقات الدولة وجميع مداخيلها عن السنة المقبلة، ومبدأ الشيوع، أي عدم تخصيص واردات معينة لتغطية نفقات معينة، مشيراً إلى أن القانون 45 استحدث موارد ضريبيّة لغايات تمويل تصحيح الأجور خلافاً لمبدأ الشمول، وخارج إطار الموازنة العامّة، وتالياً فإنه لا شرعيّة ودستوريّة للضريبة غير المجازة بقوانين الموازنة السنويّة.

ويصل المجلس إلى انتهاك مبدأ المساواة أمام القانون بين المكلفين بأحكام الباب الأول (ضريبة أرباح الشركات التجاريّة والمهن)، معتبراً أن الازدواج الضريبي الذي تنطوي عليه المادة 17 من القانون 45 ينطبق فقط على المهن الحرّة، دون المصارف، باعتبار أن دخلهم سيخضع لاقتطاع ضريبي مرّتين: ضريبة الباب الأول على الأرباح، وضريبة الباب الثالث عند اقتطاع ضريبة الفوائد على إيداعاتهم في المصارف. كذلك يلحظ مخالفة دستوريّة في المادة 11 من القانون 45 المتعلّقة بتسوية الإشغال غير القانوني للأملاك البحريّة العموميّة، نتيجة الغموض في نص المادة الذي يفسح المجال أمام تطبيقه باستنسابيّة، تسيء إلى العدالة والمساواة.

قرار “الدستوري” في نظر قانونيين

يرى رئيس ديوان المحاسبة القاضي أحمد حمدان أن هذا “القرار جاء مفاجئاً باعتبار أن آلية التصويت هي مسألة شكليّة ولا تمسّ بأساس القانون ولا تستدعي إبطاله بالأساس، وإنما إعادته إلى البرلمان للتصويت عليه وفق الأصول الدستوريّة، مع العلم بأن أغلبية القوانين الصادرة عن البرلمان يصوّت عليها برفع الأيدي، فهل يعني أن كلّ هذه القوانين من المفترض إبطالها”؟

ويشير حمدان إلى أن “المجلس النيابي سلطة مستقلة ومنفصلة عن السلطات الأخرى، تتيح له تشريع ما يرتئيه من قوانين، وتالياً لا يجوز ربط إصدار القوانين الضريبيّة بإقرار الموازنة وقطع الحساب، وإلّا وجب الامتناع عن جباية أي ضريبة منذ عام 2006 حتى اليوم نتيجة عدم إقرار الموازنات وقطع الحساب، فضلاً عن أن الموازنة تشمل نفقات وإيرادات الدولة لسنة واحدة ولا تشمل تعديل قوانين ضريبيّة قائمة بلا جدول زمني يحدّد صلاحية انتهائها، وتالياً تعديلها يستلزم تعديل القانون بقانون”.

وعن الازدواج الضريبي، يرى حمدان أنه غير متوافر، لكون نوع الضريبة ونوع الدخل مختلفين، فهناك ضريبة على الدخل المتأتي من ممارسة المهنة، وضريبة على الدخل المتأتي من فوائد الإيداعات. كذلك فإن الإقرار بعدم وجود ازدواج ضريبي على المصارف كان من المفترض أن يطاول المهن الحرّة أيضاً وللسبب نفسه.

بالنسبة إلى المحامي نزار صاغية “ينطوي قرار المجلس الدستوري على إيجابيات تخدم النظام الديمقراطي بصرف النظر عن تبعاتها على الماليّة العامّة، وهي تتمثّل في تصحيح مخالفات دستوريّة ارتكبتها السلطة السياسيّة منذ عقود، تتمثّل في طريقة إقرار القوانين التي تلغي الديمقراطيّة وتناقض الشفافيّة، فأعاد الاعتبار إلى الآلية المنصوص عليها دستوراً، أي بالمناداة على النواب، كما أكّد عدم دستوريّة الحسابات الماليّة للدولة اللبنانيّة، التي كانت موضوع دعوى قدّمت في عام 2012 أمام مجلس شورى الدولة من قبل الوزير السابق شربل نحّاس والرئيس حسين الحسيني والوزير السابق الياس سابا، والنائب السابق نجاح واكيم والنائب غسان مخيبر، وأشير فيها إلى أن الإنفاق والجباية يتمّان خلافاً للدستور منذ شباط 2006، نتيجة الارتكاز على القاعدة الاثني عشرية التي تصلح لشهر واحد فقط.

ووضع القرار السلطة السياسيّة أمام مسؤولياتها في إصدار موازنة قبل جباية أي ضريبة، فضلاً عن أن هذا القرار يشجّع المواطنين على المشاركة في المراقبة على دستوريّة القوانين من خلال المذكرات التي من الممكن تقديمها عند وجود طعن أمام المجلس الدستوري، وتمثل ذلك عندما لحظ القرار لا دستوريّة المادة 11 من القانون 45 رغم أن حيثياتها لم تكن واضحة، إلا أنها تمنع المجلس النيابي من إقرار أي تشريع للتعديات على الأملاك العموميّة”.

ويتابع صاغية “قد ينطوي القرار على تقديم خدمة للمصارف والمطوّرين العقاريين والهيئات الاقتصاديّة لناحية تأخير جباية الضرائب التي فُرضت عليهم، إلّا أنه أقرّ بإمكانية فرض ضريبة على فوائد المصارف، ووضع السلطة أمام مسؤولية إقرار الموازنة لإعادة الانتظام إلى المالية العامّة، وهو الأهم”.