IMLebanon

الاستدانة وزيادة العجز وتأثيره على التصنيف الائتماني… أو ضرائب جديدة

 

كتب جوزف فرح في صحيفة “الديار”:

ابطال المجلس الدستوري للقانون رقم 45 المتعلق باستحداث ضرائب بغية تمويل سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام لا يمكن الا ان تكون له تداعيات خطرة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي اضافة الى السياسي، واحداث بلبلة وفوضى في الحكومة والمجلس النيابي اللذين عليهما ان يفتشا عن مخارج لا تزيد الامور تعقيدا وتعيد الدولة الى الوراء من خلال الكلام التصعيدي الذي صدر عن هيئة التنسيق النقابية.

1- ابطال قانون الضرائب يعني ان تبحث الحكومة عن حلول اخرى تقي الخزينة المزيد من العجز، وتعطي اصحاب الحق الذين يتجاوز عددهم الـ 250 الف موظف في القطاع العام رواتبهم على اساس الزيادة الجديدة لانه لم يتم الطعن بقانون السلسلة رقم 46 وهذا ما سيؤدي الى الزام الحكومة تأمين هذه الرواتب في نهاية الشهر الحالي … الا اذا تم تعليق قانون السلسلة بانتظار تأمين الايرادات له.

وهذا الامر له تداعياته خصوصا ان هيئة التنسيق النقابية التي ناضلت اكثر من خمس سنوات لإقرار قانون السلسلة لن ترضى بهذا التدبير وستتجه الى التصعيد بعد ان وصلت اللقمة الى فم الموظف فقد عمد البعض منهم الى الاستدانة على راتبه الجديد الذي لم يصل الى جيبه بعد، واضطر البعض الاخر الى دفع الزيادة للاقساط المدرسية رغم ان وزير التربية حذر المدارس من اي زيادة، اضافة الى ان العديد من المؤسسات رفعت اسعارها.

وقد دعت هيئة التنسيق النقابية وزير المال الى اصدار قرار صرف الرواتب والاجور ومعاشات التقاعد وفق القانون الجديد والا ستتجه الى تصعيد غير مسبوق.

2- تستطيع الحكومة في هذا الإطار تأمين الموارد اللازمة لتغطية كلفة السلسلة من خلال: الاستدانة ريثما يتم ضم الموارد الضريبة التي ستعود الحكومة وتقرها الى مشروع موازنة العام 2017 ضمن شمولية هذه الموازنة من خلال استعمال جزء من اموالها في حساب رقم 36 في مصرف لبنان، او من خلال الاستدانة من مصرف لبنان نفسه.

3- تتحسب مصادر اقتصادية مطلعة ان التأخير في المعالجة قد يتسبب بزيادة العجز في الموازنة، مما ينعكس حاليا على التصنيف الائتماني للدولة خصوصا ان بعثة صندوق النقد الدولي التي حضرت الى لبنان الاسبوع الماضي اثنت على اقرار المجلس النيابي الايرادات الضريبية الجديدة التي تؤمن تكلفة السلسلة وتخفف العجز في الموازنة.

احد المديرين العامين في الدولة وصف ما يجري بأنه «حفلة جنون» خصوصا بربط الموازنة بقطع الحساب وادخال المواد الضريبية بمشروع الموازنة متسائلا كيف ان الضرائب التي اقرت في السنوات الماضية من قانون ضريبة الدخل او قانون الضريبة على القيمة المضافة، هل اقرت ضمن الموازنة او بإقرار هذه الضرائب منفردة رافضا التأكيد على امكانية ان يقبض الموظفون والاساتذة الرواتب على القانون الجديد او على اساس الرواتب القديمة.

لكنه اعتبر ان قرار المجلس الدستوري في ابطال القانون 45 قد يسرّع في اقرار مشروع موازنة العام 2017 كما كان يطالب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بضم هذه الايرادات الى الموازنة خصوصا ان وزير المال طالب بعقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء لمناقشة قرار ابطال قانون الضرائب وتداعياته وتحمل المسؤولية في ما خص قانون السلسلة وايجاد البدائل اللازمة.

مصادر اقتصادية اعتبرت ان الضريبة على ارباح المصارف الاستثنائىة من جراء الهندسات المالية لمصرف لبنان امنت للخزينة 1135 مليار ليرة، وهي تعتبر كافية لتأمين كلفة السلسلة لكنها ذكرت ان هذه الاموال دخلت الخزينة ضمن مشروع موازنة العام 2017.

وعلى الرغم من ان المصارف والمهن الحرة قد حققت انتصارا في رد قانون الضرائب خصوصا في ما يتعلق بالازدواج الضريبي فإن الاسراع في تطبيق قرار المجلس الدستوري يبقى الحل الامثل كتأمين ايرادات جديدة وادخالها ضمن مشروع موازنة العام 2017 او الاستدانة بانتظار الحل المنشود الذي لا يمكن ايجاد بديل عنه وهو تأمين ايرادات للسلسلة والبحث عن الوفر الذي امّنه رئىس لجنة المال النيابية ابراهيم كنعان.

الخبير الاقتصادي غازي وزني فند لـ«الديار» هذا الموضوع فاعتبر ان الحكومة ملزمة ان تدفع الرواتب والاجور وفق الجدول الجديد اعتباراً من نهاية ايلول حيث تبلغ الكلفة الاضافية 110 مليار ليرة شهرياً.

يعود ذلك لان المادة 20 من قانون 46 المتعلق بالسلسلة ينص على ما يأتي : يجاز للحكومة فتح الاعتمادات اللازمة لتنفيذ احكام هذا القانون الذي ينفذ حكماً بعد شهر.

فان رفض الحكومة دفع الرواتب الجديدة يترتب عليها مخالفات قانونية وملاحقات من قبل موظفي القطاع العام.

وان المادة 27 من قانون المحاسبة العمومية (فتح الاعتمادات الاضافية وتغطيتها) تنص: تغطى هذه الاعتمادات الاضافية بطريقة النقل من بنود اخرى او من باب احتياطي الموازنة، او اخذها من مال الاحتياط او بمواد جديدة.

في حالتنا الحالية فان تغطية الاعتمادات الاضافية تتم من خلال زيادة الاستدانة ما يتسبب بزيادة العجز في الموازنة العامة وهذه التغطية يمكن ان تتم باستعمال الحكومة اموالاً لديها في حسابها في مصرف لبنان رقم 36 الذي يسجل رصيد دائن او ايجابي بقيمة 8800 مليار ليرة، او عبر الاستدانة مباشرة من مصرف لبنان.

تقدم الحكومة بمشروع قانون جديد معجل مكرر للموارد الضريبية اخذة في عين الاعتبار الملاحظات والاسباب التي ابطلت القانون القديم ولا سيما المتعلق بالمادة 83 من الدستور الذي ينص على شمولية الانفاق والايرادات، اي على ضم جميع الموارد الضريبية على مشروع موازنة العام 2017.

اما التأخير في المعالجة فقد يتسبب بزيادة العجز في الموازنة العامة بقيمة 100 مليار ليرة شهرياً، لا سيما ان العجز مقدر بحوالى 9 في المئة من الناتج المحلي في العام الحالي ما ينعكس حالياً على التصنيف الائتماني للدولة ولاحقاً ضرورة رفع معدلات الفوائد. وعلى الحكومة عند التقدم بمشروع القانون الضريبي الجديد ان تأخذ بعين الاعتبار تصريح رئيس لجنة المال النيابية النائب ابراهيم كنعان في تحقيق وفر في الموازنة العامة بقيمة 1000 مليار ليرة وذلك يتيح لها الغاء بعض الايرادات الضريبية التي تستهدف مباشرة او بشكل غير مباشر المواطنين.

ان ابطال المجلس الدستوري المادة 11 من قانون المواد الضريبية رقم 45 المتعلق بمعالجة مخالفات الاملاك العمومية يتيح للحكومة استبدال هذه المادة بأخرى جديدة تتعلق بتسوية مخالفات الاملاك العمومية البحرية التي توفر ايرادات مقدرة بـ2000 مليار ليرة لمرة واحدة، اضافة الى بدل سنوي لهذه المخالفات للاملاك البحرية والمقدرة بـ250 مليار ليرة.

وتجدر الاشارة الى ان غالبية الاجراءات الضريبية المرصودة في قانون 45 سوف تعود في القانون الجديد باستثناء المتعلق بالازدواجية الضريبية والاملاك العمومية البحرية وذلك بعد اقرار المجلس النيابي مشروع القانون المكرر المعجل الجديد المقدم من الحكومة.

في المقلب الاخر نوّه رئيس اتحاد الغرف اللبنانية رئيس غرفة بيروت وجبل لبنان محمد شقير بقرار المجلس الدستوري واصفاً إياه بـ «الخطوة التاريخية التي أنقدت لبنان وحمته من مأزق اقتصادي».

وقال شقير في بيان: إننا كقطاع خاص نؤمن إيماناً عميقاً بدولة القانون والمؤسسات، باعتبارها المرجع الوحيد لتسيير أمور الناس بشكل عادل ومنتظم»، معتبراً أن «قرار المجلس الدستوري أكد أهمية فصل السلطات الذي من شأنه في نهاية الأمر وضع الأمور في نصابها بما يخدم مصالح البلاد العليا».

وأمل في أن «يشكّل هذا القرار، صدمة إيجابية لدى أهل السياسة، وأن يتيح للسلطة السياسية بكل مؤسساتها، مساحة كافية من الوقت لإعادة درس كل الامور بعيداً من الضغوط، بما يحفظ حقوق الجميع ويساهم في نهوض البلد على مختلف المستويات، لا سيما اقتصادياً واجتماعياً».

على أي حال قد يكون قرار المجلس الدستوري بتعليق قانون الضرائب سببا لإعادة درس كيفية الحصول على ايرادات جديدة، او «تطيير» السلسلة الى ما بعد الانتخابات النيابية، او زيادة غلاء المعيشة لموظفي القطاع العام.