IMLebanon

ملف النازحين سيسلك طريق الحل بعد خطاب عون

 

كتبت دوللي بشعلاني في صحيفة “الديار”:

حسم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمام المجتمع الدولي خلال كلمته في الدورة الـ 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ما اقترحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من حلّ للاجئين بـ «إعادة توطينهم في أقرب مكان من بلدانهم» أي في كلّ من تركيا ولبنان والأردن، مؤكّداً أنّ «لبنان لن يسمح بالتوطين لا للاجىء أو لنازح، مهما كلّف الثمن، والقرار في هذا الشأن يعود لنا وليس لغيرنا». ولم يتوانَ الرئيس عون بالتالي عن القول بأنّه «لا شك أنه من الأفضل لهم أن تقوم الأمم المتحدة بمساعدتهم على العودة الى وطنهم بدلاً من مساعدتهم على البقاء في مخيمات لا يتوافر فيها الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة الكريمة».

وترى أوساط ديبلوماسية بأنّ الرئيس عون لم يلجأ بشكل مباشر الى الأمم المتحدة طالباً مساعدتها على تحقيق عودة النازحين، على ما كان يريد فريق سياسي داخلي ويجد أنّه الخيار الأفضل لتحقيقها، لا سيما بعد كلام ترامب الأخير (علماً أنّه لا يُمثّل موقف الأمم المتحدة برمّتها وبلاده لا تختصر موقفها، لكنّ الولايات المتحدة تسيطر على قرارها) ، لكنّه نصحها بأنّه من الأفضل لها عدم الإستمرار في تقديم المساعدات للنازحين السوريين حيث هم في الخيم في لبنان. ولهذا فعلى المنظمة الدولية أن تفهم أنّ ما تبنيه لهم من خيم في المناطق اللبنانية لا يُوفّر لهم العيش الكريم الذي تطمح اليه، لا اليوم ولا غداً، بل عليها مساعدتهم على العودة الى المناطق الآمنة في بلادهم حيث يتمكّنون من أن يستعيدوا حياتهم الطبيعية مجدّداً بشكل تدريجي، فلا يكون شرط العودة أن تتأمّن كلّ احتياجاتهم بعصا سحرية.

فاللجوء الى الأمم المتحدة، على ما كان يُطالب فريق سياسي داخلي للمساعدة على إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، بدا جلياً أنّه لن يجدي نفعاً في المرحلة الراهنة، ليس جرّاء كلام ترامب الذي قاله بكلّ صراحة «إعادة التوطين للاجئين»، بل من خلال مواقف سائر الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي كانت تصدر عن مندوبيها بشكل ملطّف باستخدام عبارات مثل «الدمج» في المجتمعات المضيفة، أو حتى «التجنيس» لكي يتمكّنوا من الإندماج داخلها وغير ذلك. ولبنان لم ينسَ في هذا الإطار التقرير الذي وضعه الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون في العام الماضي، عن وضع اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط والذي جرى بحثه في الجمعية العامة في نيويورك العام الفائت، والذي أشار الى هذا الأمر بشكل واضح، ما أثار حفيظة المسؤولين في لبنان، فقامت المنسّقة العامة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ يومذاك بالدفاع عن اقتراح بان، مؤكّدة أنّه لم يقصد «التوطين» بعبارة «دمج اللاجئين في المجتمعات المضيفة»، مشدّدة أيضاً على أنّه لم يأتِ على ذكر لبنان، فجاء شرحها هذا كعذر أقبح من ذنب.

والمهم اليوم، على ما شدّدت الأوساط نفسها، أنّه على المسؤولين اللبنانيين تصديق حقيقة أنّ أميركا والأسرة الدولية لا تريدان إعادة أي نازح سوري الى بلاده ولا مساعدة لبنان على تحقيق هذه العودة، بل تجدان أنّ الحلّ الأسهل هو في «توطينهم» في دول الجوار بحجّة أنّها الأقرب الى سوريا. في حين أنّ الولايات المتحدة في الواقع تريد مضاعفة المشاكل الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية والإستشفائية في الداخل اللبناني، لكي يتلهّى لبنان و«حزب الله» فيه عن استفزاز إسرائيل أو شنّ حرب جديدة معها.

صحيح أنّ لبنان انتصر على الإرهاب في معارك الجرود مع الحدود مع سوريا، لكن هذا لا يعني أنّ الخلايا النائمة للمجموعات الإرهابية التي تُنسّق مع بعضها البعض عبر شبكة الإنترنت، ليست موجودة، لا سيما في المخيمات الفلسطينية، كما في الخيم السورية، الأمر الذي يُحتّم على الأجهزة الأمنية استكمال عملية التطهير حفاظاً على الوضع الأمني وسلامة المواطنين.

وأوضحت أنّ لبنان ليس عليه أن يقبل بما تمليه عليه الولايات المتحدة الأميركية كونه ليس تحت «وصايتها»، على ما أوضحت، ولا يخضع لأي وصاية أخرى، بل هو بلد سيادي وحرّ يتمتّع بكامل حقوقه الديموقراطية. وعليه أن يتصرّف على هذا الأساس، فتقرّر حكومته إعادة النازحين السوريين، على مراحل أو دفعات بأنّ تعيد كلّ الذين لا يملكون «صفة النزوح».. كما أنّه على المجتمع الدولي أن يستوعب أنّ تقديم المساعدات الإنسانية للنازحين السوريين هي أسهل وأقلّ كلفة على الدول المانحة إذا ما قُدّمت لهم في المناطق الآمنة في سوريا والتي تفوق مساحتها مساحة لبنان بأضعاف الأضعاف. علماً أنّ أميركا تريد توطين هؤلاء في لبنان والأردن وتركيا، لكي تُفهم العالم أنّهم يخشون من العودة الى سوريا حيث لا يزال يحكمها بشّار الأسد الذي تحدّث ترامب عن إجرامه. كما أنّها تقوم بكلّ ما في وسعها لتقليص عدد اللاجئين الذين يسعون الى الإقامة على أراضيها بحجّة الحدّ من مخاوف التعرّض لهجمات إرهابية قد يقوم بها لاجئون قادمون من مناطق الصراع في الشرق الأوسط. أمّا ما قد تتعرّض له الدول المضيفة جرّاء الخطر الامني الناجم عن النزوح فهو أمر لا يعني ترامب ولا إدارته!!

«التوطين» إذاً للاجئين الفلسطينيين الذين يقيمون في لبنان منذ العام 1948 بشكل «مؤقّت»، وللنازحين السوريين منذ العام 2011 لم يعد فزّاعة، بل أصبح حقيقة واقعة من قبل المجتمع الدولي التي قالها علانية على لسان ترامب، فكيف على لبنان ليس فقط مواجهته بالتمسّك بأنّ الدستور اللبناني يرفضه في الفقرة «ط» من مقدمته، بل العمل على إعادتهم الى بلاده؟ تجيب الأوساط نفسها، بأنّه بعد كلمة الرئيس عون الحاسمة في هذا الموضوع أمام كلّ الأسرة الدولية، على حكومة الرئيس سعد الحريري البدء بإجراءات العودة، أولاً من خلال اتخاذ القرار السياسي ومن ثمّ التنفيذ، ولو على مراحل.

وفي الواقع، يبدو أنّه لم يبقَ أمام لبنان سوى خيار التفاوض مع الحكومة السورية من أجل إعادة النازحين الى المناطق الآمنة الى بلادهم. فكما جرى التوافق على مغادرة عناصر التنظيمات الإرهابية وإعادتهم الى سوريا «سالمين»، فسيكون من السهل جدّاً تحقيق عودة النازحين السوريين الى المناطق الآمنة في بلادهم متى توافق مجلس الوزراء على القيام بهذه الخطوة التي لا تزال طريقة تحقيقها موضع خلاف داخله، ما دام الرئيس عون قدّ شدّد على أنّ «الحاجة ملحّة لتنظيم عودة النازحين الى وطنهم بعدما استقر الوضع في معظم مناطق سكنهم الأولى، ونقول بالعودة الآمنة».