IMLebanon

غسان سلامة لبناني محنك يخطو في الصحراء الليبية بحذر

 

 

كتبت صحيفة “العرب” اللندنية:

انطلق المشوار الفعلي للمبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا غسان سلامة هذه الأيام على هامش اللقاء العام لجمعية الأمم المتحدة الذي عقد بنيويورك. سلامة السياسي اللبناني والأكاديمي والكاتب والمثقف قبل أن يكون دبلوماسيا تم اختياره لهذه المهمة الصعبة والمعقّدة لجرأته وكفاءته المشهود بها في أروقة الأمم المتحدة. الدبلوماسي اللبناني خاطب الليبيين بلغة وجدانية فيها الكثير من الأمل لإيجاد حل للأزمة الخانقة التي تحاصر ليبيا وتحشرها عن نطاقها الإقليمي والوطني.

كلام السياسي اللبناني في أول خطاب له جاء مذكرا بالماضي الذي عاشته ليبيا، داعيا جميع الكتل والفاعلين إلى الالتفاف حول مصير البلد، آملا في أن يكون المخرج ليبيّا وأن يحدد الليبيون مصيرهم بأنفسهم.

يقول سلامة في خطاب وجهه إلى الفرقاء الليبيين فور وصوله إلى طرابلس “أشعر بالسعادة للتحدث معكم من مجمع بعثة الأنسميل في طرابلس. وجودي هنا يهدف إلى التأكيد على عزم البعثة وعزمي الخاص على العمل بأقرب شكل ممكن مع الليبيين داخل ليبيا”.

ويضيف مبعوث الأمم المتحدة “هناك نافذة أمل وبيد الليبيين أن يستغلوها. لم أكن لأقبل بتولي هذا المنصب لو لم أكن أؤمن بإمكانية إنهاء الأزمة الليبية بشكل سلمي وإيجابي. لهذا يعتزم الأمين العام عقد اجتماع رفيع المستوى خلال أعمال المداولات العامة للجمعية العامة، يتم خلاله عرض خطة عمل في ليبيا”.

مهمة مستحيلة لكنها ممكنة

منذ تعيين سلامة مبعوثا خاصا إلى ليبيا خلفا للألماني مارتن كوبلر تعمل الأمم المتحدة على حشد الدعم الدولي من أجل مسعى جديد يهدف إلى كسر الجمود السياسي في ليبيا ووضع حد للاضطرابات التي تعيشها البلاد منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011.

في الحقيقة الدبلوماسي اللبناني كان قد ألمح إلى أجزاء من هذه الخطة منذ توليه المهمة في يونيو 2017. طموح كبير يحدو الرجل للذهاب بعيدا وربما يتجاوز الحدود التي انتهى إليها أسلافه. عمليا المسألة تبدو ممكنة إذا ما كانت هذه الخطة أو خارطة الطريق، إن صحّ التعبير، شأنا يمكن أن يتوافق عليه الليبيون بما يرضي الجميع دون أن يخل بمخرجات اتفاق الصخيرات.

تتكون الخطة التي أعلن عنها المبعوث الأممي إلى ليبيا من ثلاثة محاور أساسية كبرى وهي: أولا الدعوة لإجراء حوار وطني يجمع كل الفرقاء الليبيين شعاره توحيد مختلف المبادرات وتوطيدها. ثانيا طرح استفتاء يفضي إلى تشكيل حكومة موحدة وإنهاء المؤسسات الموازية. وثالثا وأخيرا العمل على توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية.

ردود الفعل الأولى حول خارطة الطريق الجديدة جاءت مبشّرة من بعض الليبيين الذين يتحسّسون دور الدبلوماسي اللبناني وحنكته في دراسة الأمور بتأن، فيما غرد البعض الآخر في سرب الداعين إلى أنّ هذيانا أصاب الرجل لشدة الخطوط العريضة، المستحيلة التي يطرحها وينوي الذهاب فيها. لكن بين هذا وذاك يظل الموقف ملتبسا ومخرجات الحوار صعبة، على قلة محاورها، لكنها في النهاية ممكنة لجهة الأدوار التي خاضها الرجل في العديد من المهمات الدبلوماسية السابقة.

 

خطة غسان سلامة تتكون من ثلاثة محاور أساسية كبرى؛ أولا الدعوة لإجراء حوار وطني يجمع كل الفرقاء الليبيين شعاره توحيد مختلف المبادرات وتوطيدها. ثانيا طرح استفتاء يفضي إلى تشكيل حكومة موحدة وإنهاء المؤسسات الموازية. وثالثا وأخيرا العمل على توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية

التفصيل المتوقع سلفاً يقضي بأن ينطلق سلامة مما انتهى إليه أسلافه ليضيف إليه، لكن من وجهة نظر بعض المحللين، فإن الخطة التي قدمها المبعوث الأممي الجديد أُعلن عن وفاتها قبل أن تطرح أصلا. يجد الكلام تفسيرا لجهة أن الليبيين رغم أنهم توافقوا من قبل على اتفاق سلام ينهي الانقسام الحاصل وتعدد الحكومات، فإن بعض الأطراف الإسلامية (حكومة الإسلاميين أساسا) ظلت تعمل على إطالة أمد الصراع وتزكية نعرة الخلافات لمزيد تشتيت الليبيين أملا في ربح الوقت خصوصا بعد تراجع نفوذها وتحجيم دورها والتصنيفات على قوائم الإرهاب التي تلاحق العديد من قادتها في الدول العربية وأساسا قطر.

غسان فريد سلامة من مواليد العام 1951 في بلدة كفرذبيان الكسروانية، كاثوليكي في قضاء ماروني بغالبيته، متزوج من أرمنية وله بنتان. تلميذ الحقوق في الجامعة اليسوعية ببيروت قبل أن ينتقل إلى باريس ليدرس الحقوق أيضا والعلوم السياسية والأدب. يفخر دائما بأن يعرّف عن نفسه أنه أستاذ جامعي، وأنه يحب ممارسة مهنة التعليم رغم تنقله بين وظائف عمومية عديدة. شارك سلامة في تأسيس معهد باريس للشؤون الدولية واستقال من عمادته بعد خمس سنوات لرغبته كما يقول في الانصراف إلى التأليف والكتابة.

يتحدث سلامة في حديث إعلامي عام 2006 عن فصول من سيرته الذاتية فيقول إن “الوالد والوالدة كان عندهما هاجس كبير بالتعليم، وقد ضحّيا كثيرا بأملاكهما كي نتعلم. أبي وأمي كانا طموحين في الجانب التعليمي، وإذا ضحى أهلك بأملاكهم ليعلموك لا تستطيع أن تخذلهم”.

 

كان وزيرا للثقافة في لبنان بين 2000 و2003 وكلف بمهام خاصة إلى جانب حقيبته الرسمية مثل تنظيم قمة بيروت العربية والقمة الفرنكوفونية في لبنان، فكان في كتلتيهما رئيسا للهيئة التنظيمية وناطقا رسميا باسمهما.

عيّن سلامة مستشارا لبعثة الأمم المتحدة في العراق في 2003 ثم عيّن بعدها مستشارا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة بين 2003 و2006. هو رئيس مجلس أمناء الصندوق العربي للثقافة والفنون “آفاق” وعميد معهد باريس للشؤون الدولية، إضافة إلى كونه أستاذا في العلاقات الدولية بمعهد العلوم السياسية في فرنسا وبجامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأميركية.

سلامة منخرط في عضوية العديد من المنظمات غير الحكومية ومنها حاليا مجموعة الأزمات العالمية بروكسل، مؤسسة أوبن سوسايتي في أميركا ومكتبة الإسكندرية ومركز حل النزاعات في أميركا ومركز العمل الإنساني في سويسرا، وهو أحد مؤسسي الصندوق العربي للثقافة والفنون ويترأس مجلس أمانته من انطلاقه في العام 2007. وله العديد من المؤلفات باللغتين الفرنسية والعربية منها “المجتمع والدولة في المشرق العربي”، “نحو عقد عربي جديد. بحث في الشرعية الدولية”، “من الارتباك إلى الفعل: التحولات العالمية وآثارها العربية” و”أميركا والعالم: إغراء القوة ومداها” وغيرها، كما له العديد من المساهمات في المجلات المختصة في الشؤون الدولية.

الملف الليبي بتعقيداته المختلفة فرض تدخل الأمم المتحدة بأكثر من مبعوث أممي. وفي هذا المستوى يأتي ترتيب سلامة السادس بين المبعوثين الخاصين في ليبيا والثاني لبلده لبنان. المسيرة انطلقت مع المبعوث الأردني عبدالإله الخطيب، ليخلفه الدبلوماسي البريطاني إيان مارتن، ثم جاء دور السياسي اللبناني طارق متري، فالدبلوماسي الإسباني برناردينو ليون وانتهاء بالدبلوماسي الألماني مارتن كوبلر.

غسان سلامة يعرض خطته الجديدة للحل في ليبيا مفتتحا مهامه بالقول “لم أكن لأقبل بتولي هذا المنصب لو لم أكن أؤمن بإمكانية إنهاء الأزمة الليبية بشكل سلمي وإيجابي”

الممنوع من اليونسكو بقرار لبناني

يقول سلامة أنه حينما أعلن ترشحه لمنصب الأمين العام لمنظمة اليونسكو، لم يكن يخطر بباله أن تكون وزارة الخارجية والحكومة اللبنانية سبق وأن رشحتا أحدا غيره لهذا المنصب وأن مواطنته الدبلوماسية العاملة منذ سنوات بالمنظمة الدولية فيرا خوري لاكوي، هي مرشحة لبنان الرسمية.

خوري التي تكاد تكون مجهولة الهوّية في لبنان كانت معروفة لدى الأوساط الفرنسية وأيضا لدى المحافل المتخصصة لا سيما وأنه سبق لها العمل في المنظمة الدولية لمدة طويلة.

رغم الضجة الكبيرة التي رافقت تجاهل لبنان الرسمي لترشيح سلامة، فإنه نقل عن مقربين من رئيس الدبلوماسية اللبنانية أنه رشّح موظفة في اليونسكو دون أن يطّلع على خطوة سلامة في هذا الاتجاه، حيث اكتفى سلامة بإعلان ترشحه إعلاميا دون أن يبلغ الحكومة أو وزارة الخارجية، فيما كان ترشيح خوري سابقا لدخول سلامة على خط السباق نحو رئاسة اليونسكو.

التحريات بشأن مكانة خوري والتي أُجريت في أروقة اليونسكو والبعثات الدبلوماسية أظهرت أنها تتمتع بثقل كبير لتبوئها مناصب إدارية ودبلوماسية عدة على مدى أكثر من 20 عاما، ما أهلها لتكون مرشحة الحكومة اللبنانية الأولى.

في المقابل عكست الحملات الإعلامية الداعمة لسلامة مكانة هذا الباحث والأستاذ الجامعي في باريس الذي بنى رصيدا في لبنان وفي فرنسا تحديدا، ليس فقط حين تبوأ منصب وزير للثقافة في إحدى حكومات الرئيس الراحل رفيق الحريري، وإنما أيضا كإحدى الشخصيات التي أعطت للحياة السياسية بعدها الثقافي والعلمي والإعلامي.

الجاهل بطبائع الرجل توحى إليه دائما ملامح مثقف لبناني على صلة بالدوائر الفرنسية وفي مرحلة لاحقة الدولية خصوصا بعدما فتحت له أبواب الأمم المتحدة. فيما يطل غسان سلامة في لبنان كوجه سياسي بين الحين والآخر ليدلي بدلوه على أكثر من صعيد وحول التطورات السياسية الداخلية والإقليمية والدولية.

سلامة العارف بأسرار المنطقة

عرف عن سلامة قربه من رفيق الحريري الذي أعاده إلى لبنان مع أمثاله من البارزين في مجالات علمية وأدبية وإعلامية. عمل الحريري على دعم هذه النخب الفكرية عبر ضمها لمشروعه عند تبوئه منصب رئاسة الحكومة. سلامة واحد من العارفين بأسرار الحريري كما الحريري نفسه، حيث سبق أن تعاونا في باريس لأعوام طويلة قبل أن يصبح وزيرا.

الليبيون يعلقون آمالا كبيرة على المبعوث الأممي الجديد ويأملون في أن ينهي الجمود ويتحقق بقدومه استقرار البلاد لتنتهي أزمتهم بإجراء انتخابات وتشكيل حكومة موحدة

الكاتب المثقف والرجل الحقوقي كان من المخلصين الأوفياء لرئيس الوزراء الراحل. ظل يقدّم استشارات واسعة لسنوات ليظل صديقا وفيا ومقربا منه ومن عائلته. انطلاقا من هذه الصداقة تمكن سلامة من ربط العديد من العلاقات الدبلوماسية في أوروبا، وخصوصا في الإدارات الفرنسية المتعاقبة، أبرزها كانت في عهد الرئيس جاك شيراك.

يقول عنه وزير الداخلية اللبناني الحالي نهاد المشنوق في مقال له في العام 2008 “سلامة لمّاع في أفكاره، حاد في حركته، صارم في إدارته، لا تنقصه الرفعة في الكلام لإصابة هدفه ولو عن بعد”. ويضيف “لا يعرف عنه الكثيرون أنه واحد من الذين ساهموا في صياغة تفاهم أبريل 1996، الذي ذاع صيته بأنه الصيغة الأدق لعمل المقاومة في مواجهة المحتل مع حفظ حق المدنيين في الحياة وعدم استغلال منازلهم مسرحا للاشتباك أو مقرا للانطلاق. ولا يذكر أحد عنه أنه ساهم عن بُعد وبتواضع في صياغة اتفاق الطائف ولو بسطر واحد عبر أصدقاء مشتركين مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري”.

يرى محللون ومتابعون للشأن اللبناني أن علاقة سلامة بالحريري فرضت نفسها ولا سيما بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق في 14 فبراير 2005، وهنا كان لافتا ما أدلى به النائب غازي يوسف في شهادته أمام المحكمة الدولية حين قال “سلامة التقى الحريري نهاية عام 2004 في باريس ونقل إليه أن الجانب السوري يرغب في اغتياله سياسيا من خلال قانون الانتخاب وإذا حاول المقاومة، فجسديا”.

وأضاف يوسف أن الحريري “استغرب هذه المعلومة وأكد أن لديه تطمينات من الجانبين الأميركي والفرنسي”. أما سلامة فيروي في حديثه عن لقائه الأخير بالحريري قبل أسبوع من اغتياله، فيقول “كان حين يأتي إلى باريس إجمالا يتصل بي فور وصوله. جاء في المرة الأخيرة ومكث ثلاثة أو أربعة أيام دون أن يتصل، فقلت في نفسي إما أنه مريض وإما مشغول بأمور العائلة وإما أنه في حال انكفاء”. ويضيف الدبلوماسي اللبناني بحرقة الفاقد للصديق “قال لي في المرة الأخيرة بعد أن توقف ووضع يده على كتفي الأيمن: بس بدي شوفك.. كان بس بدي شوفك، ما بدي سافر من دون ما شوفك. ودعته هكذا، وكان اللقاء الأخير”.

الليبيون يعلقون آمالا كبيرة على المبعوث الأممي الجديد ويأملون في أن ينهي الجمود ويتحقق مع قدومه الاستقرار، لتنتهي أزمة البلاد بإجراء انتخابات وتشكيل حكومة موحدة طال أمدها. فيما تعتبر بعض الأوساط الليبية أن اختيار سلامة هو نتيجة توافق وتزكية سياسية في الكواليس الدولية لململمة الملف الليبي، وسط قلق كبير يلف أوساطا أخرى من أن يضيف سلامة إخفاقا دبلوماسيا جديدا لسلسلة الأزمات التي تعيشها ليبيا والآخذة في الاتساع.