IMLebanon

عناصر “حزب الله” مجدداً إلى واجهة.. الموت

 

كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:

من بوابة الموت المتجددة، عاد «حزب الله» أمس، ليتصدر واجهة الحرب في سوريا، بعد استراحة مؤقتة غابت خلالها التشييعات، منذ «إنتصار» الجرود الذي جاء هو الآخر بعد فترة زمنية من «إنتصار» حلب الموجع والمُهلك. ومن بوابة الأوجاع العريضة والألم، استعاد الحزب أمس، سيرة نعي العناصر التي يبدو أنها ستظل ترافق الأهالي وتزيدهم وجعاً، على الرغم من محاولات الإطمئنان التي حاول الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، زرعها فيهم ذات يوم، عندما أعلن إنسحاب حزبه من الحدود اللبنانية – السورية. يومها تلقّف الأهالي هذا الإعلان كمقدمة لعودة جميع أبنائهم من الداخل السوري.

محاولة الإطمئنان التي رماها نصرالله للأهالي يومها، جعلتهم ينتظرون الاطلالة التي تليها علّها تتضمن إعلاناً صريحاً للعودة من جبهات الموت خصوصاً أنه في تلك الفترة، كانت بعض المعلومات قد تحدثت عن نيّة حقيقية لدى «حزب الله» للإنسحاب من العديد من المناطق السورية، لكن كل تلك الآمال والاحلام، تبخرت في هواء الوعود وتكسرت عند عتبة الدعوة إلى الموت مجدداً في جرود عرسال، فكان أن سقط أكثر من عشرين عنصراً في معركة ربح فيها «الاعلام الحربي»، لكن خسر فيها كل لبنان، خيرة شبابه على طريق معمّد بالدماء ومُحاصر بالموت العابر للأعمار.

في الخبر الأولي أمس، كان العدد 3، ثم وصل إلى 10 بعد أقل من ساعة وليستقر لأجل غير مُسمّى على 21 عنصراً عن السادسة مساءً. في دير الزور حيث ينغمس «حزب الله» في القتال دفاعاً عن نظام لا معنى لبقائه ولا قيمة لوجوده، خسر يوم أمس، ما لا يقل عن 21 عنصراً في هجوم مباغت نفذه تنظيم «داعش» بالسيارات المفخخة استهدف خلاله منطقة تجمع تابعة لـ «حزب الله» والجيش السوري و»الحرس الثوري الايران» في بلدتَي الشولا وكباجب في ريف دير الزور. وعُرف من عناصر الحزب: علي البزال من بلدة البزالية، حسان زين من كفردان، حسين أسعد من الضاحية الجنوبية، محمد ناصر الدين من العين، مصطفى صالح من حارة حريك، علي فران من حارة حريك، محمد تامر بحبوش، علي عمار من بئر حسن، عماد موسى من الهرمل، علي العاشق من النبي عثمان. ومن جهته، أفاد الاعلام الحربي التابع لـ»حزب الله»، عن مقتل العشرات من مسلحي «داعش» كما قام بنشر صور تظهر جانباً من قتلى «التنظيم».

خلال الفترة الأخيرة، بدا لافتاً حجم تورط «حزب الله» في سوريا والذي يزداد بشكل لافت ويُقابله عناصر لا حول لهم ولا قوة، لا يستطيعون رد مصيرهم ولا الاعتراض على واقع الموت الذي يأمرهم بالتنقل على جبهاته بحثاً عن إنجازات يُمكن أن تُستخدم على طاولات الكبار. وتزامناً مع هذا الموت، ثمة من يعتبر، أنه أصبح من الصعب على «حزب الله» أن يرتضي لنفسه الخروج من هذا المستنقع بعد كل الخسارات التي مُني بها طيلة فترة قتاله والتي مضى عليها أكثر من ست سنوات. والأصعب أن يُدرج هذا الخروج على لائحة التسويات وأن يعود إلى لبنان بخُفّي حنين، دون تحقيق أي مكتسبات يُمكن أن ترفع عنه المُساءلات داخل بيئته، أو الطلب خصوصاً في ما يتعلق بميزان الربح والخسارة. ومن المؤكد ان خسارة الأمس، سوف تزيد من ثقل الخسائر وسوف تخرج أصواتاً ولو بشكل محدود، لتسأل خلال عمليات التشييع، عن نهاية هذا النفق المُظلم وموعد الخلاص منه. لكنها لن تلقى آذاناً صاغية، إذ أن الجميع بات متلهّياً بالخطابات والدعوات إلى «الجهاد» وقطاف «الإنتصارات» على حساب دماء الشعبين السوري واللبناني.

سواء ارتضى البعض ام لم يرتضِ، فإن عناصر «حزب الله» الذين يسقطون في سوريا دفاعاً عن مشاريع لا تُلزم لبنان ولا اللبنانيين بشيء، هم بكل تأكيد جزء من هذا البلد، وكان يُمكن أن يُشكلوا حوله سياجاً يزيد من منعته في مواجهة الأخطار التي تحدق به من كل صوب، وخصوصاً الجماعات الارهابية والعدو الإسرائيلي. نعم بالطبع هي إشكالية بين جزء كبير من الشعب اللبناني وقيادة الحزب التي لا ترى مانعاً في سقوط عناصرها خارج الحدود المُفترضة. وعلى الرغم من أن هذه الإشكالية يُعبّر عنها أيضاً، جزء من بيئة «حزب الله»، إلا أن هذا الجزء لا يصل إلى مرحلة «الإنشقاق» أو الخروج عن الإجماع الحزبي أو البيئي، ولكن بكل تأكيد، فإن هذه الإشكالية تترك العديد من الآثار السلبية في نفوس أبناء هذا الجزء، وتولّد لديهم انطباعات تشي بفترة ضبابية مُقبل عليها «حزب الله»، ومن الصعب أن يتمكّن فيها من تحديد الأرض التي يقف عليها أو حمايتها، أو على الأقل تخفيف النزف البشري الذي يُلاحقه سواء أكان مُرغماً على التدخل في هذه الحرب، أم كان الأمر برضاه.

المؤكد، أن سقوط عناصر من «حزب الله» في سوريا، في حالة ارتفاع مُستمرة وتبدّل دائم بين لحظة وأخرى حتى في ظل ما يُوصف بمرحلة «التهدئة» المفروضة دوليّاً، وكأنها بورصة قتل تأبى أن تستقر على حال واحد. معضلة غاية في الصعوبة تعجز عن حلّها القيادة العاملة على خطي بيروت ـ سوريا. قيادة يصعب عليها اخفاء الحقائق، حتّى وإن نجحت في بعض المحطات، فإن صفحات الحلفاء والمؤيدين كفيلة بإيصال الصوت والصورة، تماماً كما كان الحال يوم أمس، حيث تمكنت من إعلان أسماء وصور عناصر الحزب الذين سقطوا، حتى قبل أن ينعيهم الحزب نفسه أو وسائله الاعلامية.