IMLebanon

القوات اللبنانية والكتائب: كلما اقتربا اصطدما

نسف التوتر المستجد بين حزبي الكتائب والقوات اللبنانية التكهنات التي تحدثت عن أن الجانبين يتجهان لطي صفحة الماضي وإرساء علاقة جديدة، خاصة بعد زيارة رئيسيهما سامي الجميل وسمير جعجع إلى المملكة العربية السعودية بشكل متزامن، وإبداء الأخيرة رغبتها في إعادة إحياء تحالف 14 آذار، بدفع أقطابه إلى نبذ الخلافات بينهما، والتركيز على مجابهة التحديات المتمثلة في تزايد النفوذ الإيراني الذي يؤمنه حزب الله في لبنان.

ويرى مراقبون أن التوتر الذي طفا على السطح مؤخرا بين حزبي القوات والكتائب لا يمكن قراءته بعيدا عن أجواء الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في ايار من العام المقبل، والتي بدأت الماكينة الحزبية تتحرك استعدادا لها.

وتشكل هذه الانتخابات أهمية خاصة حيث أنها تجرى وفق قانون جديد قائم على النسبية مع اعتماد الصوت التفضيلي، وهناك سباق بين الأطراف السياسية اللبنانية على ضمان حصة مهمة في البرلمان المقبل، وذلك عبر الدخول في تحالفات انتخابية.

ويتحضر حزب القوات والتيار الوطني الحر إلى المشاركة في الاستحقاق بلوائح مشتركة في أكثر من منطقة، والهدف السيطرة على كافة الدوائر الانتخابية المسيحية، وهذا طبعا مدعاة للقلق بالنسبة إلى حزب الكتائب الذي يقوده الشاب سامي الجميل، والذي يرى أن هناك محاولة من القوات والتيار الحر لعزله تمهيدا لتصفيته سياسيا.

وعلى غير المتوقع شن سامي الجميل هذا الأسبوع، هجوما حادا على حزب القوات حيث اتهمه “بتقديم المصلحة الشخصية وتقاسم الحصص على المبادئ والموقف السياسي”.

واعتبر الجميل في تصريحات إعلامية فاجأت القوات نفسه “نقطة الفصل مع القوات كانت المشاركة في الحكومة والتسوية السياسية التي رفضنا أن نكون جزءاً منها”.

تصريحات الجميل استفزت كثيرا أوساط القوات، التي ردت عبر دائرتها الإعلامية، بالقول لو تم تمكين الكتائب من وزارة الصناعة لكانت اليوم مشاركة في الحكومة.

وأوضح حزب القوات في بيان له “على الرغم من كل محاولاتنا لإعادة العلاقة بين القوات اللبنانية والكتائب إلى ما كانت عليه قبل تسلم سامي الجميل رئاسة حزب الكتائب، لا يزال النائب يصر على الغمز واللمز من قناة القوات على ‘الطالع والنازل’ من هذا المنطلق، ومع تشديدنا على مواصلة مساعينا لترتيب العلاقة مع الكتائب، إلا أنه لا يمكن أن نمر مرور الكرام على المواقف التي أطلقها الجميل في حلقة بموضوعية”.

وكانت مصادر من القوات قد كشفت أن حوارا بدأ بين الحزبين المارونيين منذ أسبوعين تقريبا لتقريب وجهات النظر بين الجانبين، ولكن تصريحات الجميل من شأنها أن تصب في إطار إعادة الأمور إلى نقطة الصفر.

واعتبرت مصادر القوات أن “تصنيف من هو داخل الحكومة وخارجها لا ينطبق على طرف شارك تقريبا في كل الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 إلى اليوم، فضلا عن أن القاصي يعلم كما الداني أن ما حال دون مشاركة النائب سامي الجميل في الحكومة الحالية هو عدم إعطائه حقيبة الصناعة التي لو أعطيت له لكان هو شخصيا وزيرا في الحكومة، وبالتالي المعارضة التي يتكلم عنها ليست مبدئية كما يدعي ويحاول أن يوحي”.

وأضافت “إن ما يلمـح إليه النائب الجميل دائما بأن ما جمع القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر يرتكز على مجموعة مصالح، هو بعيد كل البعد عن حزب القوات وطريقة عمله، ولا داعي للتذكير بأنه قدم لنا ما لم يقدم لأحد في زمن الوصاية السورية لكي نشارك في الحكومات المتعاقبة ونغطي الواقع الذي كان سائدا، فيما كنا ننسحب أو نرفض المشاركة انطلاقا من طبيعة تلك الحكومات وآثرنا الحل والاضطهاد والاعتقال والاغتيالات في الكثير من الأحيان على مسايرة عهد الوصاية”، مشيرة إلى “أن آخر ما يمكن اتهامه بالعمل على تحقيق المصالح السياسية الضيقة هو القوات اللبنانية، بينما يصر الجميل على تكذيب كل الوقائع لغاية في نفس يعقوب”.

والكتائب الذي يعد المرجع لليمين المسيحي اللبناني والحزب الذي انشق عنه حزب القوات، ليس مشاركا في تركيبة الحكومة الحالية التي يقودها سعد الحريري، حيث أنه ربط تلك المشاركة بتمكينه من وزارة وازنة مثل الصناعة، بيد أنه جوبه باعتراضات عدة، جزء منها من القوات والتيار الوطني الحر.

وهناك قناعة في صفوف الكتائب أن التحالف ‘المعجزة’ الذي جرى بين التيار الحر والقوات والذي مهد له في ” وثيقة تفاهم” صدرت في العام 2015، يشكل تهديدا وجوديا بالنسبة إليه، ومن هذا المنطلق يصر على التمسك بخيار المعارضة القصوى والتقارب مع المجتمع المدني لتشكيل قوة مضادة لكليهما ولكل المنظومة التقليدية الحاكمة في لبنان.

وهذا التمشي أكسب الكتائب بقيادة الشاب الطموح الجميل احترام جزء من الشارع اللبناني الذي أصابه احباط من الوجوه المسيطرة اليوم على المشهد السياسي، كما منحه اعترافا إقليميا جديدا وليس أدل على ذلك من الدعوة الرسمية التي تلقاها من المملكة العربية السعودية التي زارها مؤخرا بالتزامن مع زيارة للدكتور سمير جعجع.

ويرى مراقبون أنه لا يمكن فقط الربط بين هذا التوتر المستجد، الذي يصفه البعض على غرار الإعلامية اللبنانية كارول معلوف بـ”اختلاف في وجهات النظر حول وثيقة التفاهم مع التيار الحر”، بالانتخابات النيابية بل ايضا بشخصية كل من الجميل وجعجع. فالأول شاب طموح له رؤية متمردة على المنظومة القائمة، أمام الثاني فيرى نفسه أنه الزعيم السياسي المستقبلي للطائفة المارونية، بحكم خبرته ونضاله الطويل لتحصيل حقوق الطائفة ولبنان ككل.

ويشير هؤلاء إلى أن الطرفين ورغم نقاط الالتقاء الكثيرة ومنها ضرورة الدفاع عن سيادة لبنان وإبعاده عن الحضن الإيراني، إلى أن كليهما يخشى من أن يؤدي تقاربهما إلى أن “يأكل أحدهما الآخر”، حتى أن جعجع شبه العلاقة بين القوات والكتائب بـ”القنفذين إذا اقتربا أحدهما من الآخر فسيجرحان نفسيهما بالشوك”.

ويرى مراقبون أن الحزبين الذين يعتبرا الأعلى صوتا في رفض النفوذ الإيراني لا يبدو أنهما قادران على التعالي على صراعهما، وهذا طبعا لا يصب في صالح مواجهة المد الإيراني الذي يؤمنه حزب الله.

ويقول المحلل السياسي مكرم رباح لـ”العرب” إن وجود الكتائب خارج التشكيل الحكومي والحسابات الانتخابية لا يمكن أن يصب في صالح إعادة تفعيل الجبهة المضادة لحزب الله وحلفائه الإقليميين.