IMLebanon

تسوية على مين؟! (بقلم رولا حداد)

 

كتبت رولا حداد

منذ ما قبل الانتخابات الرئاسية ونحن نسمع في لبنان عبارة “التسوية”، وبشكل أكثر تحديدا “التسوية الرئاسية”. وبعد حوالى السنة على انتخاب الرئيس ميشال عون لا بدّ من جردة حساب ومجموعة أسئلة حول حقيقة هذه التسوية، وإلى ماذا هدفت؟

مما لا شك فيه أن “التسوية الرئاسية” أدت الى إنهاء الفراغ الرئاسي الذي استمر 29 شهراً، وكان الفراغ الأطول في تاريخ الجمهورية الحديثة. كما أن “التسوية الرئاسية” أدت إلى تسهيل إنتاج قانون جديد للانتخابات النيابية على أساس النسبية للمرة الأولى أيضا في تاريخ الجمهورية اللبنانية، ما يُفترض أن يؤسس لتغيير حقيقي في المشهد السياسي لا أحد يستطيع تقدير حجمه منذ اليوم، على أمل أن تجري الانتخابات في موعدها المقرر في أيار 2018.

ولكن هل يكفي ما سبق للحكم على “التسوية” ومفاعيلها؟

للإضاءة على الجوانب الأخرى من التسوية، لا بدّ من الإشارة إلى أن “التسوية” التي حصلت هي في الواقع “تسويتان” وليست تسوية واحدة. هي “تسوية” أولى بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، وهي “تسوية” ثانية بين “التيار الوطني الحر” وتيار المستقبل.

على مستوى “التسوية” الأولى يبدو واضحاً أن لا شيء على ما يرام. ثمة خرق فاضح وواضح لكل بنود اتفاق معراب، باستثناء التزام “القوات” بانتخاب العماد عون والترويج له، وباستثناء إنتاج قانون الانتخاب الجديد. كل ما عدا ذلك أصبح في خبر كان. فلا تم احترام “الشراكة” في العهد على المستوى المسيحي بين “التيار” و”القوات”، إذا أصرّ “التيار” على الهيمنة شبه الكاملة على الحصص المسيحية على كل مستويات التعيينات، ولا تم احترام بند تحييد لبنان عن صراعات المنطقة إذ أصرّ رئيس الجمهورية على تغطية سلاح “حزب الله” أمام المجتمعين العربي والدولي، كما أصرّ ويصرّ “التيار” على الدفع باتجاه التطبيع مع النظام السوري، وصولاً إلى تفرّد وزير الخارجية، رئيس “التيار”، بإجراء لقاء مع وزير خارجية الأسد وليد المعلم في نيويورك!

وعلى مستوى التسوية الثانية بين “التيار الوطني الحر” وتيار “المستقبل”، ثمة مستويان غريبان بالفعل: اختلاف وافتراق على المستوى السيادي وعلاقات لبنان الخارجية، واتفاق والتصاق على مستوى ملفات الداخل وكل ما يتصل بالصفقات.

فمنذ الجلسة الأولى للحكومة تم إقرار مراسيم النفط كثمرة نافرة للتسوية بين الفريقين البرتقالي والأزرق، واللذان التقيا على ملفات الكهرباء وبواخرها كما على ملف الاتصالات وسلفات الخزينة له، كما أيضا وأيضا على تقاسم التعيينات على مختلف المستويات، أمنية ودبلوماسية وقضائية وعلى مستوى عدد من المؤسسات!

بناء على ما تقدّم لا مفرّ من طرح أكثر من سؤال:

ـ أولا لماذا تم انتهاك التسوية بين “التيار” و”القوات”؟ ولماذا يحاول “التيار” عزل “القوات” اليوم على مستوى التعيينات إضافة إلى محاصرة وزرائها ووزاراتها؟

ـ لماذا انتهاك بنود اتفاق معراب على المستوى السيادي كما على مستوى العلاقات الخارجية وتحييد لبنان؟

ـ لماذا يتغاضى تيار المستقبل عن تجاوزات “التيار الوطني الحر” التي وصفها وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بأنها “تشكل اعتداءً سياسياً على الرئيس سعد الحريري”؟ وهل يكفي تقاسم المصالح في الملفات الداخلية التي تفوح منها رائحة “الصفقات”؟

ـ والأهم: هل كانت “التسوية” تشمل التوافقات على تجاوز الدستور ومحاولة منع الطعن؟ وهل هي بمحاصصة التشكيلات القضائية لمحاولة وضع اليد على السلطة القضائية؟

ـ وهل يجب أن نسأل: ما هي القاعدة الحقيقية للتسوية؟ هل هي تسوية على أسس المبادئ أم على تقاسم المصالح وتوزيع الحصص؟ أم علينا أن نسأل السؤال الأصعب: تسوية على مين؟!