IMLebanon

الإعلانات على الجسور استثمار مجاني بيد النافذين

كتب محمد وهبة في صحيفة “ألأخبار”:

خلال أقل من ثلاث سنوات، نشأ قطاع فرعي من قطاع اللوحات الإعلانية يُسمى «الجسور الإعلانية»، أي استثمار جسور المشاة والسيارات للدعاية والإعلان. وقد جرى تلزيم استثمار واجهات هذه الجسور بنحو شبه مجاني لا يدرّ أي إيرادات على الخزينة، ما أتاح لعدد محدود من الشركات ذات النفوذ السياسي الاستحواذ على حصّة سوقية تقدر بنحو 27 مليون دولار.

في 22 كانون الثاني 2015 صدر عن وزارة الداخلية المرسوم 1302 الذي يتعلق بـ«تنظيم الإعلانات والترخيص لها». الفقرة 16 من المادة الثانية من المرسوم سمحت بوضع الإعلانات «على الجسور المخصصة لمرور السيارات وعلى جسور المشاة، شرط ألا تتعدى اللوحة حدود الإسمنت، وألا يكون عليه إعلانات رسمية أو إشارات موضوعة لتحديد اتجاهات المدن والقرى». أما الترخيص باستثمار هذه الجسور التي تشكّل جزءاً من الأملاك العامة، فقد أنيط بوزارة الأشغال لكونها الجهة المعنية.

وبحسب مصادر مطلعة، فإن وزارة الأشغال، في ذلك الوقت، لم تطلق أي مزايدة لتلزيم استثمار أكثر من 150 جسراً قائمة حالياً، بل عمدت إلى توزيع استثمار الجسور استثماراً شبه مجاني على الشركات ذات النفوذ السياسي أو مصالح مشتركة مع وزراء معنيين، ما أدّى إلى سيطرة أقل من خمس شركات على هذا القطاع الفرعي الناشئ. وقد تمكنت هذه الشركات من السيطرة على حصّة سوقية تقدّر بنحو 27 مليون دولار خلال أقل من سنتين بسبب ارتفاع قدرتها التنافسية وانخفاض كلفتها الاستثمارية. فهذه الشركات لا تدفع أي قرش للخزينة مقابل استثمار واجهات الجسر للإعلان، مقارنة مع الشركات التي تدفع ثمن إيجار المساحات المطلوبة لوضع لوحاتها الإعلانية. أما الدخل المحقق من تأجير واجهات الجسر للإعلانات، فيصل إلى 180 ألف دولار سنوياً (15 ألف دولار شهرياً) بمعدل كلفة استثمارية لا تزيد على 20 ألف دولار سنوياً. وهذه الكلفة، بحسب المصادر، هي عبارة عن رسم الترخيص الذي تمنحه البلديات وبعض «الهدايا» للنافذين أو للقيّمين في الإدارات والبلديات المعنية، وللشركاء السياسيين أيضاً، وهذا يجعل معدل الربحية الصافية من «الجسور الإعلانية» يفوق 60% مقارنة مع معدل ربحية من اللوحات الإعلانية لا يتجاوز 20%.

المستفيدون من الاستثمار المجاني للجسور يعزون حصولهم على استثمار مجاني للجسور إلى المرسوم 1302 الذي لا يمنح صلاحية الترخيص إلى الجهة المعنية بإدارة الأملاك العامة، بل إلى البلديات، إذ تشير المادة الثامنة من المرسوم إلى أنه يجب على الإدارة المعنية بالترخيص (وزارة الأشغال، هيئة إدارة السير…)، إحالة طلب الترخيص خلال ثلاثة أيام على الدائرة الفنية في البلدية أو اتحاد البلديات أو الدائرة الفنية في المديرية العامة للتنظيم المدني في المحافظة أو القضاء، لدرسه وإبداء الرأي الفني وإعادته إلى الإدارة الصالحة لمنح الترخيص خلال فترة خمسة عشر يوماً من تاريخ استلامه… وعلى الإدارة المعنية، وخلال ثلاثة أيام من تسلمها موافقة الدائرة الفنية، أن تسلّم صاحب الطلب إشعاراً بقيمة الرسوم المتوجبة أو ترسل إليه الاشعار بالبريد المضمون مع إشعار بالاستلام، وعليه أن يسدد الرسوم المتوجبة وفقاً للفصل الثالث من القانون 60/88 تاريخ 12/8/1988 (الرسوم البلدية) خلال أسبوع من استلامه الأمر بالدفع وذلك تحت طائلة رد طلب الترخيص. كذلك على الإدارة المعنية أن تبتّ طلب الترخيص في مهلة أقصاها أسبوع من تاريخ ضم الإيصال بالدفع إلى ملف الترخيص. وفي حال عدم بتّ طلب الترخيص ضمن مهلة أقصاها أسبوع من تاريخ ضم الإيصال بالدفع إلى ملف الترخيص، تعتبر اللوحة الإعلانية موضوع الطلب مرخصة حكماً.

في الواقع، المادة الثامنة واضحة، وهي تشير إلى آلية الترخيص المختلفة جذرياً عن «استثمار» الأملاك العامة. لا بل إن الترخيص لوضع لوحة إعلانية في عقار خاص له نفس الآلية، أي بإمكان أي شركة إعلانات أن تقدّم طلباً للبلديات أو اتحاد البلديات للاستحصال على رخصة، وهذا يتطلب تسديد الرسوم المشار إليها في المادة الثامنة من المرسوم 1302. إلا أن هذه الشركة ستدفع لمالك العقار الخاص بدلاً مالياً متفقاً عليه لاستئجار الأرض والسماح له باستعمالها، وذلك من دون أن تكون لها أي صلة بالترخيص المنصوص عنه. لذا، إن التمييز بين بدل الاستثمار ورسم الترخيص، يجب أن تكون له الأولوية لجهة استثمار الأملاك العامة، مع خصوصية تلزيم إشغال الأملاك العامة، إذ يتوجب على وزارة الأشغال أن تُطلق مزايدة لتلزيم استثمار واجهات الجسور للدعاية والإعلان من أجل الحصول على السعر الأعلى وتأمين مداخيل للخزينة.

ونقلت المصادر عن وزير الأشغال يوسف فنيانوس، نيته إطلاق مزايدة لتلزيم استثمار واجهات الجسور، رغم اعتراضات المنتفعين من الاستثمارات المجانية. وقرر فنيانوس الذهاب أبعد في مجال استثمار الأملاك العامة، إذ ينوي إطلاق مناقصة لتلزيم إنشاء جسور مشاة تكون كلفتها على عاتق المستثمر في مقابل منحه حق تلزيم استثمار الواجهات لمدّة 8 سنوات.